أعلن الجيش الإسرائيلي في الشهر الماضي نشر بطارية الصواريخ المضادة للصواريخ من طراز آرو/ السهم/ حيتس التي طورتها إسرائيل بتمويل من الولاياتالمتحدة. وذكرت "جيروزاليم بوست" أن إسرائيل ستكون بذلك الدولة الأولى في العالم التي تملك نظامها الدفاعي الخاص لرصد الصواريخ البالستية. ورأس قائد القوات الجوية الجنرال إيتان بن الياهو مراسم نشرها في قاعدة "بلماهايم" الجوية جنوب تل أبيب. وأشارت "هاآرتس" إلى تأجيل عملية نشر بطارية ثانية في شمال غرب الضفة الغربية إثر لجوء سكان القطاع الى القضاء معتبرين أن إشعاعات النظام الراداري الخاص بهذه الصواريخ تشكل خطراً على حياتهم. تعتبر وحدات الصواريخ أرض/ أرض التي تمتلكها معظم الجيوش العربية بمثابة عقدة الاستراتيجية العسكرية الإسرائيلية، إذ تضعها في مقدمة التهديدات الأمنية التي تتعرض لها، بالنظر الى إمكان وصولها الى عمق الأراضي الإسرائيلية. وبذلك فإن هذه الصواريخ العربية يمكن أن تشكل رادعاً مضاداً للرادع النووي الإسرائيلي، لا سيما إذا ما تم تحميلها برؤوس ذات دمار شامل كيماوية وبيولوجية، وبذلك يتم تحييد الترسانة النووية الإسرائيلية الضخمة، ويصبح الإنفاق المستمر على تطوير هذه الترسانة عملية عبثية تستنزف الاقتصاد الإسرائيلي بلا عائد سياسي أو استراتيجي. لذلك حرصت إسرائيل خلال العقد الأخير على وضع خطة شاملة تستهدف منع الصواريخ العربية من الوصول الى أراضيها، أو الحد من ذلك، وأطلقت على هذه الخطة الاسم الرمزي "حوما" ويعني "الجدار". ومن هذا الاسم يمكن استنباط هدف الخطة المتمثل في إحاطة إسرائيل بسور من الوسائل التكنولوجية المضادة للصواريخ ووسائل الإنذار باقترابها، تكفل تدمير الصواريخ "المعادية" قبل أن تصل الى حدودها. وتشمل إجراءت الخطة حوما إقامة مركز إنذار مبكر في جنوب تل أبيب مرتبط بشكل مباشر مع محطة تتبع أقمار الإنذار الاميركية الموجودة باكلي في ولاية "كولورادو"، التي تتلقى الإنذار من أقمار الانذار والاتصالات الاميركية، وتبلغها خلال 6،1 دقيقة من لحظة إطلاق الصاروخ المعادي يتم خلالها تحديد نوع الصاروخ وتمييزه عن أي أهداف أخرى في الفضاء، وتوقع مساره نحو الهدف، ثم إعطاء أوامر الرصد والاشتباك الى طائرات الإنذار المبكر والمقاتلات والوحدات المضادة للصواريخ لتحديد الموقع الذي أطلق منه الصاروخ وتدميره. الى جانب عنصر الإنذار المبكر تحوي الخطة حوما إجراءات أخرى دفاعية تتمثل في الآتي: أ- وحدات صواريخ مضادة للصواريخ متنوعة هوك، آرو، باترويت. ب - وحدات أسلحة الطاقة الحركية التى تعتمد على الطاقة الكهرومغناطيسية في إطلاق مقذوفات بسرعات فائقة تعترض الصواريخ المعادية في الجو وتدميرها. ج - وحدات اسلحة الطاقة الاشعاعية الموجهة التي تعتمد على استخدام اشعة "إكس أي" وأشعة الذرات المشحونة وغير المشحونة في اعتراض الصواريخ المعادية من محطات أرضية أو فضائية، وصهر جزء من جسم الصاروخ في الجو بما يؤدي إلى تفجره في الجو. د- الحصول على منظومة "نوتيلوسي" المضادة للصواريخ قصيرة المدى "مثل الكاتيوشا" التي تزعج المستعمرات الإسرائيلية في شمال إسرائيل من جنوبلبنان. وتعتمد هذه المنظومة على تسليط شعاع ليزر "فلورايد دوتر" من مصدر أرضي أو فضائي ضد الصاروخ المعادي بعد اكتشافه، وبتركيز لمدة 15 ثانية خلال تحليقه في الجو، ما يؤدي الى تسخين الغطاء الخارجي للصاروخ وتفجره بعد صهر جزء من معدنه. وتتكلف هذه الخطة حوما حوالي 5 بلايين دولار، نصيب الصواريخ آرو حوالي 2،2 بليون دولار، تتحمل الولاياتالمتحدة 72 في المئة من إجمالي كلفتها وتتحمل إسرائيل الباقي من حساب برنامج المساعدات الخارجية الاميركية الذي يبلغ 3 بلايين دولار سنوياً. ولما كانت إسرائيل تفتقر الى التكنولوجيا المتقدمة التي تمكنها من تطوير كل هذه البرامج، تقررت مشاركتها في برنامج "حرب النجوم" - مبادرة الدفاع الاستراتيجي الاميركية في عهد الرئيس رونالد ريغان العام 1983- التي كفلت لها الحصول على هذه التكنولوجيات وأموال التصنيع والانتاج، وكفلت هذه الاتفاقية ليس انتاج هذه الأنظمة الدفاعية داخل إسرائيل، بل تسويق انتاجها للجيش الاميركي الذي سيعتمد عليه في مواجهة الصواريخ المعادية في الصراعات الاقليمية في مناطق التوتر مثل الخليج وكوريا الشمالية والصين. منظومة الصاروخ يستهدف هذا الصاروخ اعتراض الصواريخ المعادية على الارتفاعات المتوسطة وبعيدة المدى في منطقة تتراوح مساحتها ما بين 50 - 60 كم2، ويتكون الصاروخ من مرحلتين لزيادة مدى الاعتراض، ويعمل بواسطة محركي دفع، ويحمل رأساً متفجرة تعمل بالنظام الطرقي. ويمكن للصاروخ مطاردة الهدف بواسطة نظام رصد الكتروني متقدم، وبه ذاكرة للمعلومات وتتكون بطارية الصواريخ من ثلاثة قواذف، والقاذف عبارة عن قاطرة متحركة محمل عليها وحدة حفظ 6 صواريخ بإجمالي 18 صاروخاً تحملهم البطارية. أما جهاز الرادار فهو من النوع بعيد المدى طراز غرين بنس من انتاج شركة "إيلتا" الإسرائيلية لصناعة الالكترونيات في أشدود. ويقوم هذا الرادار بتحديد موقع الصاروخ المعادي وتوقيت اعتراضه بواسطة الصاروخ آرو في الجو، وبما يساعد الى حد كبير في توجيه المقاتلات نحو الموقع، ويصل مدى الكشف الراداري الى 80 كم. كما يوجد مع بطارية الصواريخ آرو وحدة قيادة وسيطرة في مركبة مجهزة بحاسب الكتروني ووسائل اتصال لإدارة نيران البطارية، الى وحدة مراقبة القواذف داخل مركبة خفيفة لمتابعة أعمال تجهيز القواذف واطلاق الصواريخ. وتستهدف الخطة حوما إنتاج 240 صاروخاً من طراز "آرو" يتم توزيعها بمعدل 60 صاروخاً على كل جبهة من الجبهات الثلاث المحيطة بإسرائيل مصر وسورية والاردن والاحتفاظ ب 60 صاروخاً احتياطياً استراتيجياً. ماذا بعد نشر بطاريات الصواريخ؟ لا شك في أن نشر بطاريات آرو حول الأهداف الاستراتيجية والسكانية في إسرائيل سيوفر قدراً لا بأس به من الدفاع في مواجهة الصواريخ البالستية المهاجمة، ويحقق لإسرائيل القدرة على تحمل الضربة الأولى من هذه الصواريخ والحد من الخسائر المتوقعة بسببها، وبالتالي القدرة على توجيه الضربة الثانية بكل ما تملك من مقاتلات قاذفة وصواريخ أريحا التي وصل مداها الى 2700 كم، وصواريخ شافيت التي وصل مداها الى 4500 كم و7500 كم وتسخدم في اطلاق أقمار التجسس أوفيك وبإمكانها حمل رؤوس نووية. وتمتلك إسرائيل 150 قاذف أريحا و1238 صاروخاً. وطبقاً للتقديرات الغربية تمتلك إسرائيل منهم ما بين 150 - 175 رأس نووي وكيماوي وبيولوجي. إلا أن نشر آرو لن يوفر حماية لإسرائيل من السيناريو الذي يطلق عليه الخبراء الاستراتيجيون في إسرائيل استراتيجية الإغراق الصاروخي، إذ قد تتمكن بطاريات آرو وغيرها من خطة حوما اعتراض بضع صواريخ بالستية معادية، ولكن ماذا يمكن أن تفعل إذا تعرضت الأهداف الإسرائيلية لقصف مستمر من الصواريخ المعادية من اتجاهات عدة، وفي توقيت واحد أو متقارب. ويفترض هذا السيناريو الإسرائيلي أن تكون المواقع النووية الإسرائيلية مثل المجمع النووي في ديمونة، والقواعد الجوية، ومواقع تمركز الصواريخ أريحا، أبرز الأهداف التي ستغرقها الصواريخ البالستية العربية لتحقيق أكبر خسائر فيها، وبما يحرم إسرائيل من توجيه الضربة النووية الثانية أو يؤخرها ويحد من فاعليتها. ان استراتيجية الإغراق الصاروخي تسببت في إرباك إسرائيل، خصوصاً إذا ما كانت مراكز تجمع الاحتياط ضمن أهداف الضربة الأولى، لا سيما وأن معظم هذه الأهداف ينحصر في الشريط الساحلي الذي لا يزيد عرضه على 15 كم. فلو أمكن - على سبيل المثال - اطلاق 1000 صاروخ سكود، سيكون في إمكانها أن تلوث مساحة قدرها 50 ألف هكتار، وهو ما لا تستطيع إسرائيل تحمله وتسعى لتجنبه. لذلك فإن فرضية نشر عدد من بطاريات آرو حول الأهداف الاستراتيجية تعتبر غير صحيحة تماماً في ضوء السيناريو السابق. وفي مواجهة هذا السيناريو الذي تخشاه إسرائيل، يصبح المنطلق الأساسي في الاستراتيجية العربية تبني خيار هجومي دفاعي، يستدعي قدراً كبيراً من التنسيق بين الدول العربية المالكة للصواريخ البالستية، وتطوير ما تملكه منها على الصعيدين الكمي والنوعي، إضافة إلى تطوير أنظمة الدفاع الجوي العربية لتكون فاعلة في مواجهة هجمات نووية جوية وصاروخية من قبل إسرائيل، إلى جانب بناء منظومة عربية مضادة للصواريخ الإسرائيلية أريحا - وشافيت. وتوجد في الأسوق العالمية صواريخ عدة مماثلة للصواريخ آرو، بل وأفضل منه مثل الصاروخ الروسي أس 300 الى الصاروخ الاميركي باتريوت، كما يمكن تطوير صواريخ أرض/ جو للتحول الى صواريخ مضادة للصواريخ، كما فعلت إسرائيل مع الصاروخ "هوك"، وألمانيا مع الصاروخ الاميركي "باتريوت". * لواء ركن متقاعد، وخبير استراتيجي مصري.