هدد زعماء الكونغرس إسرائيل بقطع المساعدات عنها إذا باعت الصين أجهزة "فالكون" للانذار المبكر المتطورة ورادارات شبيهة ب"أواكس" التي من المفترض أن تجهز بها إسرائيل طائرات "اليوشين" التي تملكها الصين. واعتبرت إدارة الرئيس بيل كلينتون ان هذه الصفقة ستهدد القوات الأميركية في جنوب شرقي آسيا، في حين حذر البنتاغون حكومة ايهود باراك من العواقب. أما صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية فنصحت في افتتاحيتها حكومة باراك بالتركيز على العملية السلمية وتجنب صراعات مع واشنطن. وفي العادة عندما تتخذ هذه الصحيفة الأهم في الولاياتالمتحدة مواقف نقدية من إسرائيل، فهذا يعني أن ثمة غلياناً سياسياً في واشنطن. وتسخر الدوائر الأميركية من تبريرات إسرائيل للسير قدماً في الصفقة، والتي تتناول أهمية تطبيق الاتفاقات الموقعة التي أبرمتها مع بكين والضرورة الاخلاقية والقانونية لتنفيذها، خصوصاً ان إسرائيل تنفرد بين دول العالم في كونها الأكثر استهتاراً بالاتفاقات الموقعة وبالاخلاقيات والقوانين. عملياً، يندرج الخلاف الإسرائيلي - الأميركي في شأن صفقة الأسلحة في خانة الصراع على تعريف العلاقة بين الدولتين، مع انتهاء الصراع العسكري، كما عرفناه في الشرق الأوسط. وكانت إسرائيل على مدى العقود الثلاثة الأخيرة وافقت ضمناً على التخلي عن سيادتها في العلاقات الخارجية مقابل دعم أميركا العسكري والاقتصادي لها، خصوصاً في حروبها الشرق الأوسطية. وأما اليوم، وكما جرى بعد كل حرب عربية - إسرائيلية، تحاول إسرائيل أن تمتحن واشنطن وأن تعيد تعريف العلاقة معها، بحيث تزيد من أوطونوميا سياستها مع دول العالم. وهذه تولد في العادة توتراً في علاقة Patron-Client التي تميز العلاقات الأميركية - الإسرائيلية، وتنتهي في العادة إما بمجرد ضربة تأنيب على اليد، وإما عقاب أكثر تشدداً. وبحسب الأضرار والمشاكل التي تسببها إسرائيل للمصالح الأميركية. وكانت الولاياتالمتحدة بدأت مساعداتها العسكرية لإسرائيل بداية الستينات، خصوصاً في فترة رئاسة ليندون جونسون بين عامي 1963 و1967 عندما باعت واشنطن لإسرائيل طائرات عسكرية هجومية مكنتها من تدمير السلاح الجوي المصري قبل بداية الحرب، إضافة إلى دبابات ومدفعية وغيره. وبعد حرب عام 1967 رفعت الولاياتالمتحدة من صادراتها العسكرية لإسرائيل كماً ونوعاً، إلا أن قرار الحليف الفرنسي مقاطعة إسرائيل وحظر بيع السلاح إليها بعد الحرب، إضافة إلى عوامل اقتصادية معقدة، دفع حكومتي ليفي اشكول وغولدا مئير وبدعم من شمعون بيريز ومعارضة اسحق رابين النسبية، باتجاه تطوير الصناعات العسكرية الإسرائيلية. وبعد حرب تشرين الأول اكتوبر عام 1973 ومع تطبيق "عقيدة نيكسون" التي تعتمد تقوية "الحلفاء" الاقليميين ودعمهم للدفاع عن المصالح الأميركية، عوضاً عن التدخل المباشر لهذه القوات في مناطق مختلفة من العالم، كانت إسرائيل أول من استفاد من الدعم الأميركي لصناعاتها العسكرية مالياً وتكنولوجياً. وفي مطلع الثمانينات، رفعت إدارة الرئيس رونالد ريغان مستوى التعاون التكنولوجي والعسكري مع إسرائيل لهدفين: الأول، اشراك إسرائيل في مشاريع "حرب النجوم" العسكرية والبحثية من أجل الاسراع في تطوير الأسلحة المتقدمة والحصول على دعم أكبر في الكونغرس بمساعدة اللوبي الإسرائيلي. والثاني، دعم حملة ريغان الجديدة ضد موسكو في العالم الثالث، خصوصاً عن طريق دعم أكثر الأنظمة دموية في افريقيا وأميركا اللاتينية. وبما أن البيت الابيض كان يستصعب تمرير اتفاقات وعقود مع دول معينة في الكونغرس، اعتمد ريغان إسرائيل لبيع الأسلحة لتلك الأنظمة، خصوصاً تلك التي طورتها إسرائيل بمساعدة أميركية. وعلى مدى عقد من الزمن بين نهاية السبعينات وأواسط الثمانينات، وصلت الصناعات العسكرية الإسرائيلية، بدعم من واشنطن، إلى نحو ثُلث الناتج المحلي الإسرائيلي، وتصدرت الأسلحة قائمة الصادرات الإسرائيلية. وعملياً كثفت إسرائيل في تلك الفترة رفع مستوى الصناعات الإسرائيلية، وبدأت عملية التخصيص والاندماج أكثر فأكثر في النظام الأميركي الاقتصادي - العسكري. ومع نهاية الحرب الباردة، وصلت العلاقات المميزة إلى مفترق طرق جديد، فمن جهة، عرضت واشنطن على إسرائيل حلفاً استراتيجياً أو اتفاقية دفاع مشتركاً، الأمر الذي يعني في نهاية المطاف دمجاً نهائياً لمصالح إسرائيل وأولوياتها الاقليمية والدولية في النظام الأميركي. ومن الناحية المقابلة، طلبت حكومة باراك برفع مستوى العلاقات المميزة مع واشنطن وزيادة المساعدات العسكرية غير المشروطة من دون التوقيع على اتفاق يحدد من تحركات الجيش الإسرائيلي أو يقلل من اوطونوميا إسرائيل الشرق الأوسطية ضمن الخطوط العريضة للمصالح الأميركية. وعلى هذه الخلفية المرتبكة في تاريخ العلاقات الأميركية - الإسرائيلية، تأتي أزمة بيع أجهزة متطورة للصين ضمن عملية إعادة تعريف العلاقات الاستراتيجية مع نهاية العملية السلمية وبداية القرن الجديد: واشنطن تحاول أن تحدد لإسرائيل الخطوط الحمر الجديدة التي لا يمكن ان تتعداها، وإسرائيل تحاول أن توسع دائرة تحركها ضمن تلك الخطوط عن طريق إعادة تلوينها بالزهري والأحمر الفاتح والأكثر احمراراً.