إن لم تكن الحرب اللبنانية شأناً لبنانياً صرفاً في بُعدها السياسي والعسكري فهي لم تكن أيضاً شأناً لبنانياً صرفاً في بعدها الأدبيّ. ولعل شاعراً مثل نزار قباني استطاع أن يحمل بيروت في قصائده كما لم يحملها أي شاعر لبناني. وغدت الحرب اللبنانية جزءاً من مأساته الشخصية والخاصة. ومثلما تجلّت الحرب في قصائد بعض الشعراء اللبنانيين على اختلاف أجيالهم والتجارب تجلّت كذلك في قصائد كثيرة كتبها شعراء عرب تألّموا حيال ما حصل في لبنان وبعضهم كان في خنادق الحركة الوطنية والفلسطينية. وما كتب في مأساة لبنان وخراب بيروت من قصائد ومراث لا يُحصى. وإذا استطاع الشعر أن يرافق المراحل التي اجتازتها الحرب اللبنانية في وجوهها كافة وأن يكون في أحيان صدى لما طرأ عليها من تحوّلات فإن الأعمال الروائية العربية التي استوحت الحرب حاولت أن تتحاشى "صدمة" المأساة والأثر الحيّ والمباشر الذي تركته الحرب على الشعر العربيّ. وإن لم تكن الروايات العربية موضوعية تماماً في علاقتها بحرب حافلة بالتناقضات والأسئلة فهي سعت الى قراءتها قراءة هادئة وغير حماسية. هكذا يشعر مَن يقرأ النتاج العربي الذي تناول الحرب اللبنانية شعراً ورواية. أو هكذا يتبيّن لمن يحاول أن يرصد الحيّز الذي شغلته الحرب اللبنانية في نتاج الشعراء والروائيين العرب. شعراء من مثل نزار قباني وأدونيس وعبدالوهاب البياتي وبلند الحيدري ومحمد الماغوط وسواهم لم يتمالكوا عن رثاء بيروت راثين زمنهم الخاص ومكاناً هو أقرب الى الجغرافيا الذاتية. أما شعراء مثل محمود درويش أو سعدي يوسف وسواهما من الشعراء العراقيين والفلسطينيين يصعب تعدادهم فكانوا أشد اقتراباً من تناقضات الحرب وأشدّ توغلاً في جحيمها وأشد احتراقاً بنارها. إلا أن الروائيين العرب الذين استوحوا المأساة اللبنانية حاولوا ألا يكونوا من ضحايا الحرب في المعنى الشعري إذ سعوا الى قراءتها أو الى جعلها إطاراً ملائماً أو حيّزاً لأبطالهم أو شخصياتهم وللأحداث التي اختلقوها. وإن كتبت قلّة قليلة منهم عن الحرب مباشرة فإن معظمهم جعلوا الحرب ذريعة ليفضحوا من خلالها المآسي العربية وهموم الواقع العربي. إنهم في معنى ما تحاشوا الانزلاق الأعمى في متاهة الحرب وفي جحيمها تاركين الأمر هذا للروائيين اللبنانيين الذين راحوا يخوضون تلك المتاهة بحثاً عن مادة روائية جديدة وعن رواية لبنانية جديدة هي رواية الحرب. أي صورة تركت الحرب اللبنانية في الروايات العربية التي استوحتها أو انطلقت منها أو جعلتها إطاراً زمنياً ومكانياً لأحداثها وأبطالها؟ لعلّ الذكرى الخامسة والعشرين لاندلاع الحرب اللبنانية هي الفرصة المؤاتية لطرح مثل هذا السؤال على خمسة روائيين كتبوا عن مأساة لبنان وهم: صنع الله ابراهيم مصر، غادة السمان سورية، مؤنس الرزاز الاردن، ليانة بدر فلسطين واسماعيل فهد اسماعيل الكويت.