خزفيات آمال مريود، المسكونة بغبطتها البصرية، باتت اكثر استقراراً في معرضها الحالي صالة المركز الثقافي الفرنسي - دمشق، بأشكالها، وتكويناتها، ومقاماتها اللونية، وذلك بانحيازها الى ذاكرة الكهوف البدائية لحضارات المنطقة والسيراميك الاسلامي، بعد إعادة صياغتها بأناملها المتدرّبة، وأحاسيسها المتدفقة، ولبوسها الشخصي. كأنها تجاوزت مرحلة التأرجح بين ذاكرتها الموروثة، وصياغاتها التشكيلية التعبيرية المحدثة التي برزت في اعمال معرضها السابق 1994. وهذا يعني، انها تخلت عن هاجس بحثها في الوصول الى صيغة فنية خاصة تجمع على نحوٍ خلاّق بين موروث ذاكرتها، وبين لبوسها التشكيلي التعبيري المحدث الذي شبّ وتطور، واستفاد من تربيتها في محترفات السيراميك المعاصرة. بل على العكس تماماً، بإمكاننا القول: أنها قد توصلت في اعمالها الجديدة الى تلك الصيغة الفنية التي تسعى إليها، بعد سيرورة طويلة من البحث والعمل الجاد، وقد برز هذا بوضوح وخصوصاً في لوحاتها الخزفية المكوّنة من اكثر من قطعة بأحجام مختلفة، جمعتها في تكوين واحد متآلف، وموزّع بنسب ومساحات منتظمة، ليبرز التناسق الجمالي، والتوازن المطلوب بنسبته الذهبية. واللافت في هذه اللوحات، انحسار اغطية السيراميك المزججة لمصلحة لغة الطين، التي تبدو بأرديتها الطبيعية اكثر انسجاماً وتآلفاً وحنّواً، لكأنها لقى اثرية طينية، تنتمي الى عصور غابرة، خصوصاً وأن هاجس الموت والزمن، والذاكرة، ومعنى الحب والحياة هي الاسئلة الابدية الملحة التي تعيد الفنانة طرحها بأسلوبيتها الخاصة التي تغلب عليها دهشة الطفولة وعفويتها، وأحاسيسها الحرة الطليقة التي تقول هواجسها وأفكارها، وأحلامها بأقصى درجات الصدق من دون خوفٍ من المواضيع الاجتماعية السائدة. وتخفف الفنانة من الاحمال الايديولوجية الثقيلة، وكأنها تعبث بلغة الطين، فاردةً اجنحتها بحريةٍ، لتشكل مفرداتها كما يحلو لها، وهي تكتب ذاكرتها عبر تلك الخدوش والاثلام، والخربشات الحميمة على سطوح الطين، لتحفظ احلامها حية، ابدية. فالصندوق هو مستودع اسرارها تحفظ به ذاكرتها، وهو ربما التابوت الجميل الذي يشي بهاجس الموت الذي يسكنها... إن منحوتات آمال الطينية تدلّل عليها، لكأنها تترك في كل كائن من هذه الكائنات الطينية شيئاً من روحها الحساسة، المرهفة، او تودع سراً من اسرارها الغامضة التي تدفع بالمتلقي نحو تخوم الاكتشاف مسكوناً بتلك الشحنة المحرضة، رغبة منه في حل تلك الالغاز والخوض فيها. تترفع كائنات آمال مريود بأشكالها، وتنويعاتها المختلفة: صحونها التربيعية، او الدائرية، وصناديقها الملغزة، ولوحاتها الخزفية المعلّقة، ومنحوتاتها عن الوظائف والقيم الاستخدامية لترتقي الى مستوى القيم التنزيهية الخالصة، فكل واحدةٍ منها قطعة فنية متفردة بذاتها، بعروقها اللونية، ومفرداتها وأخاديدها، ومفاتنها. ولأنها كذلك، يبدو لي من الصعب على الفنانة تكرارها، او استنساخها، وهذا ما يشكّل المسافة الفاصلة بين العمل الفني النابع عن لحظة إشراق تصوّفي وبين العمل الحرفي الذي تفرض الصناعة إمكانية تكراره في كل لحظة. وآمال مريود حائزة على بكالوريوس إعلام وإعلان من الجامعة الامريكية في بيروت، 1975 وعلى شهادة جامعة الفنون التطبيقية العليا في باريس قسم الخزف، 1991 ومارست فن الخزف بإشراف الخزاف الفرنسي فيليب ديبيك في باريس، 1984 وكذلك في مركز إعداد الخزافين الفرنسيين في سانت امان اون يوايزاي، 1990 ولها معارض فردية وجماعية كثيرة في باريسوبيروتودمشق والقاهرة وسواها.