كرّست الصحف الأميركية أعمدة لعرض وتحليل انهيار اجتماع القمة الذي عقد في جنيف الأحد الماضي بين الرئيسين بيل كلينتون وحافظ الأسد بشأن استئناف المسار السوري الاسرائيلي. وأولت اهتماماً مماثلاً للجهود التي بذلتها الولاياتالمتحدة من وراء الستار لزيادة امدادات النفط من منظمة البلدان المصدرة "أوبك". وانتقدت افتتاحيات الصحف الاميركية سورية بقوة واتهمتها بالتعنت من دون أن تدرك أن دمشق لم تكن تطلب أكثر مما حصلت عليه مصر أو الأردن: انسحاب كامل من الأراضي المحتلة. وعلى نحو مماثل، أبدت صحف عدة انزعاجها، خصوصاً "واشنطن تايمز"، المعروفة عادة بتأييدها لاسرائيل، فصدرت في 29 آذار مارس الماضي بعنوان رئيسي: "بلدان أوبك الناكرة للجميل نسيت الحرب". وادعت ان هذه البلدان دأبت على خفض انتاجها الى أن طرأ تحول على موقفها في اجتماع "أوبك" الأخير في فيينا. وقالت ان "ممارسة الابتزاز بزيادة الاسعار تثير الاشمئزاز في ضوء الجهد العسكري الاميركي الهائل الذي أنقذ هذه الدول من الانقراض على أيدي العراق وصدام حسين خلال حرب الخليج". وأضافت "هل كان ينبغي أن ننقذ هذه البلدان من العراق؟ الجواب هو بلا ريب "نعم"، أخذاً في الاعتبار ديكتاتورية صدام حسين ومخططاته للهيمنة على المنطقة كلها باحتياطها النفطي الكبير... الجواب هو "نعم" لا لبس فيها. لكنها لم تظهر امتنانها بتقييد إمداد النفط والزيادة الفاضحة في أسعار البنزين، ما أثر بشكل مباشر على اقتصاد الولاياتالمتحدة وهدد بإغراق العالم في ركود اقتصادي". وتابعت الصحيفة أنه في ضوء هذه التجربة، ينبغي للولايات المتحدة في المستقبل أن "تطلب شيئاً في المقابل عندما نحمي دولاً من الزوال وأن تفرض وعوداً معينة مقابل المساعدات التي نقدمها". وادعت أن حرب الخليج كلّفت الولاياتالمتحدة "أكثر من 60 بليون دولار" وفي المقابل "كوفئنا على جهودنا بالابتزاز في أسعار البنزين". تضاؤل نفوذ أولبرايت لكن أكثر المواضيع الصحافية إثارة خلال هذه الفترة كان التقرير الذي نشرته "واشنطن بوست" على صفحتها الأولى في 28 آذار الماضي وتحدث عن "النفوذ المتضائل" لوزيرة الخارجية الاميركية مادلين أولبرايت التي طلبت من "نيويورك تايمز"، حسب أحد المراسلين، أن تشير اليها ب"د. أولبرايت" لأنها تحمل شهادة دكتوراه في العلاقات الدولية. وكانت "نيويورك تايمز" نشرت أخيراً مقالاً انتقادياً مماثلاً حول سلوكها في السياسة الخارجية. ولاحظ جون لانكستر، الذي كان مراسلاً ل"واشنطن بوست" من الشرق الأوسط حتى تعيينه أخيراً كمراسل ديبلوماسي في وزارة الخارجية، في بداية تقريره أن "نفوذ أولبرايت تضاءل كثيراً في الوقت الحاضر، إذ تعرض الى النخر من قبل وزارات منافسة والبيت الأبيض، وأضعفته انتقادات واسعة لأسلوبها الصريح الذي يبدو أحياناً مثل أسلوب مدرّسة". وقال لانكستر ان وزيرة الخارجية تمارس الى حد ما "نفوذاً أقل من أي وزير خارجية منذ ادارة نيكسون عندما طغى دور مستشار الزمن القومي آنذاك هنري كيسنجر الى حد كبير على ويليام بي. روجرز". وأكد أن صموئيل آر. ساندي بيرغر مستشار الأمن القومي الحالي، الذي تمتد صداقته لكلينتون ثلاثة عقود، يلعب الدور المهيمن على نحو مماثل في الوقت الحاضر. وغالباً ما تبدو تصريحات اولبرايت المتشددة في تناقض مع الموقف الأكثر حذراً الذي يحبذه بيرغر وكلينتون. وأشار لانكستر كمثال بهذا الصدد الى موقف أولبرايت باعتبارها واحداً من أقوى المؤيدين لسياسة الادارة الداعية الى "تغيير النظام" في بغداد. "فقد اقترحت أولبرايت العام الماضي، من أجل تحقيق هذا الهدف، ان توافق الولاياتالمتحدة على عقد اجتماع لجماعات المعارضة العرقية في الجيب الكردي الذي تحميه الولاياتالمتحدة في شمال العراق، حسب مصادر في المعارضة العراقية. ونقض بيرغر الاقتراح، معتبراً أنه يمكن أن يؤدي الى رد عنيف من قبل صدام حسين أكد أحد مساعدي أولبرايت هذه القصة، إلا أنه شدد على "أنها لم تكن واحدة من تلك الحالات التي تبدي بشأنها حماسة قوية". وتساءل التحقيق المطول للصحيفة ما إذا كانت أولبرايت استطاعت أن تصوغ استراتيجية للتعامل مع المشهد الجيوسياسي المشوش لعالم ما بعد الحرب الباردة. وقال ايفو دالدر، وهو خبير في شؤون البلقان في مجلس الأمن القومي خلال ولاية كلينتون الأولى ويشغل حالياً موقع زميل متقدم في معهد بروكينغز، أن لا أحد في الادارة سواء أولبرايت أو غيرها "قدم أولويات استراتيجية واضحة للسياسة الخارجية الاميركية في البيئة العالمية الجديدة". وانتقد دالدر بقوة مواقف اولبرايت في ميادين عدة في السياسة الخارجية باستثناء حرب البلقان حيث أقر ان الوزيرة "اتخذت الموقف الصائب في كوسوفو". الأهمية الحاسمة للمياه استرشدت الصحف الاميركية على العموم في تغطيتها للقاء الحاسم بين كلينتون والأسد بما قاله الرئيس الأميركي. أبلغ كلينتون المراسلين، وقد جلس الى جانبه ضيفه الرئيس المصري حسني مبارك، أن "الكرة هي الآن في ملعب الأسد". وأضاف "سأتطلع الى أن أسمع" رد الأسد على الاقتراحات التي قدمها في جنيف. وفي مقال نشرته "واشنطن تايمز" في 29 آذار الماضي، قال ان الجمود الحالي في المفاوضات "يؤكد حقيقة أن المياه تتحول بسرعة الى قضية استراتيجية حاسمة، إن لم تكن القضية الأم" بين سورية واسرائيل. واعتبر المقال أن انسحاباً اسرائيلياً سيعطي سورية منفذاً الى النصف الشرقي من أعالي نهر الأردن ويأتي بها الى ضفاف بحيرة طبرية، أو بحيرة "كينريت" كما يسميها الاسرائيليون. وقالت ان "هذا سيجعل الأسد شريكاً في مياه اسرائيل، ما يعطي سورية حقوقاً قانونية لاستخدام بحيرة كينريت طبرية كما تشاء، بما في ذلك ضخ مياه عذبة الى دمشق". وزعم كاتبا المقال ان المياه من وجهة نظر سورية "ليست مجرد سلعة، بل إنها أيضاً ثروة استراتيجية وأداة ضرورية لتغيير معادلة توازن القوى لصالحها". وقالا ان "الأسد يدرك أن المياه يمكن أن تصبح الأداة التي يحقق بواسطتها تفوقاً اقتصادياً واستراتيجياً على اسرائيل". والكاتبان هم بول مايكل ويلبي، الزميل في مكتب واشنطن التابع لمعهد الدراسات العليا الاستراتيجية والسياسية، وإيلان بيرمان الباحث في المعهد اليهودي لشؤون الأمن القومي. وأوضحا أن "سورية تمكنت باستهدافها اكثر مصادر القوة الاستراتيجية عرضة الى الخطر لدى اسرائيل، أي امدادات المياه المتضائلة، أن تضع نفسها في موقع يؤثر بقوة على قدرة اسرائيل التساومية في ما يتعلق بالحدود والأمن. وقد يكون هذا، أكثر من أي شيء آخر، هو السبب وراء رفض اسرائيل التزام اتفاق خطي بشأن عملية إعادة انتشار الى خط 4 حزيران يونيو 1967. فالقيام بذلك يعني إيذاناً بتنازل نهائي عن نهر الاردن وبحيرة كينريت طبرية". "لكن الكلام البلاغي المتجدد في اسرائيل يلمح حسب ما يبدو الى أن صنّاع السياسة يدرسون جدياً القيام بمثل هذه الخطوة بالذات. وسيؤمن هذا لسورية فوزاً مضموناً. ففي أحسن الأحوال، لن يحقق الأسد انتصاراً كبيراً باستعادة الجولان فحسب بل سيغيّر بشكل مثير معادلة المياه، وتبعاً لذلك توازن القوى، بين اسرائيل وسورية...". وحذر المحللان من أن عودة سورية الى الجولان لن يسمح لدمشق بأن تفرض عملياً شروطها على القدس فحسب، بل أن تمارس أيضاً النفوذ على عمان وتخلق صدعاً في الشراكة العسكرية بين تركيا واسرائيل. "فأخذاً في الاعتبارات الاشارات التي تعطيها مساعي اسرائيل المتواصلة لاستئناف المحادثات مع سورية، لم تدرك القدس بعد الأهمية الجيوسياسية للمياه بالنسبة الى علاقاتها مع جيرانها. وأعطي الأسد نتيجة ذلك حافزاً للاستمرار في تسليط الضغط المناسب، الديبلوماسي والعسكري أيضاً، كي يحقق أهدافه". دروس من صدمة النفط وفي مقال رئيسي في صفحة الرأي نشرته صحيفة "دينفر بوست"، عزا الكاتب الفجوة بين العرض والطلب التي تقدر بحوالى مليوني برميل يومياً وأدت الى الارتفاع الحاد في أسعار النفط الى المستهلكين الأميركيين، لافتاً الى أنها لم تأت نتيجة انقطاع مفاجئ في امدادات النفط كما حدث في السبعينات. والكاتب روبرت ريبيتو هو خبير اقتصادي يعمل حالياً كزميل أبحاث في جامعة كولورادو في دينفر. وكشف ريبيتو ان "الولاياتالمتحدة مسؤولة عن أكثر من نصف الزيادة التي طرأت على الطلب عالمياً خلال السنتين الأخيرتين، مع استمرار الارتفاع الثابت في استهلاك البنزين. فقد ارتفعت المسافة التي يقطعها سائقو السيارات بنسبة 50 في المئة منذ 1983، وأدى تدني أسعار البنزين منذ ذلك الحين الى جعل كفاءة الوقود شيئاً خارج الصدد تقريباً بالنسبة الى مشتري السيارة. ولم تحتج الشركات المنتجة للسيارات لأنها استطاعت أن تزيد هامش الأرباح التي تجنيها بتحسين صورة شاحناتها الخفيفة وبيعها كسيارات سبورت عملية إس يو في تستهلك البنزين بإسراف". وأنحى الكاتب باللائمة على السياسيين الأميركيين لرفضهم اتخاذ أي اجراء يحد من تنامي الطلب على النفط على رغم تحذيرات متكررة من أن الولاياتالمتحدة تزداد اعتماداً على النفط المستورد. وتبعاً لذلك، أصبح النفط المستورد يلبي حالياً أكثر من نصف حاجات الاستهلاك في الولاياتالمتحدة، مقارنة مع 35 في المئة في 1974. وقال ان "مما يؤسف له أننا نسمح لمنتجي النفط الأجانب باستخدام هذه الأداة بدلاً من أن نقوم نحن بذلك. وكان بإمكان العائدات المتأتية من زيادة الضرائب على البنزين أن تغطي كلفة تحسين خيارات النقل أو تساعد على الحفاظ على الضمان الاجتماعي والرعاية الصحية، أو تساعد على خفض الدين القومي". وأضاف: "بدلاً من ذلك، ندفع هذه الضرائب، بشكل أسعار أعلى، الى الحكومات الأجنبية التي تصدّر احتكاراتها النفطية الوطنية النفط الخام الينا، ولا نحصل على أي فائدة اطلاقاً. بل إن سياسيينا القصيري النظر يريدون أن يخفضوا ضرائب البنزين القائمة حالياً، على رغم ان هذه الخفوضات لن تؤدي الى خفض الأسعار في محطات البنزين طالما بقي الاختلال بين العرض والطلب. ولن يؤدي ذلك إلا الى تحويل مزيد من الأموال الى المنتجين الأجانب".