أبناء الشخصيات البارزة ثقافياً أو سياسياً أو اجتماعياً او اقتصادياً، هل يحملون رسالة مماثلة لرسالة آبائهم أو أمهاتهم وللبيوت التي نشأوا فيها؟ أين يتشبهون وأين يستقلون؟ هذا ما نحاول تلمسه مع هالة نعمان عاشور ابنة الكاتب الراحل نعمان عاشور التي تخرجت في كلية الآثار جامعة القاهرة. هل كان لوالدك دخل في اتجاهك الى دراسة الاثار؟ - لم يكن لوالدي دخل في اتجاهي الى دراسة الاثار، لكنني التحقت بالكلية بسبب مكتب التنسيق الذي أرى أنني واحدة من ضحاياه الذين يُقدرون بالآلاف، وهذا لا يمنع من ان دراسة الآثار أفادتني كثيراً، ويكفي أنني أيقنت أنه كان للفراعنة أدب وفن كبيران. ولماذا توقفت عن دراستك في معهد السينما؟ - بعدما حصلت على بكالوريوس الاثار، التحقت بمعهد السينما قسم الاخراج، لكنني لم أكمل دراستي لأنني كنت أريد أن أعمل، فقررت ترك المعهد على أن أعمل في الصباح والتحق بعد الظهر بمعهد النقد الفني. وفي مرحلة ما من عمري كنت أريد أن أكتب، وكلما كنت أكتب شيئاً، كان والدي يثني عليه فتولد لدي إحساس أنه يثني عليّ لأنني ابنته، وتطور الأمر الى عقدة، واثناء عملي في مجلة "صباح الخير" كان اسمي يكتب بالكامل على المواضيع هالة نعمان عاشور فحزنت جداً، وقد يكون مرجع ذلك أنني كنت أريد إثبات ذاتي ... بالاضافة الى خوفي من اتهامي بالوساطة. وماذا يمثل لك والدك؟ - علمنا والدي أشياء كثيرة بطرق غير مباشرة، فصوته لم يعلُ علينا مرة، ووالدتي التي كانت استاذة في كلية البنات في جامعة عين شمس تبدو أقوى منه، وكانت مسيطرة على الموقف. واكتشفت قبل وفاتهما أنه كان يرغب في أن يجعلها في فوهة المدفع، وكانت أراؤه هي التي تطبق. وعلمنا أن المبادئ لا تجزأ، وكان يؤمن بالمساواة وحرية المرأة، وكان يساعد والدتي في كل شيء، ويوصلها الى الكلية يومياً، وينتظر ليعيدها الى البيت وهو في منتهى السعادة، وورثنا عنه صفة جميلة جداً هي التسامح، وهو عودنا أن كل شخص فيه عيب ولا بد من تقبله بعيبه. وكان دائماً يبرر اخطاء البشر. كونك ابنة نعمان عاشور ماذا اضاف اليك، وماذا أخذ منك؟ - اضاف اليّ الايمان المطلق بالمبادئ ووحدتها، وكذلك حب القراءة والاطلاع، الى جانب التعامل مع جميع البشر على مستوى واحد، أما ما أخذه مني فهو أنني عندما اكتب شيئاً لا ينظر اليّ على أساس أنني صغيرة ولي فكري الخاص، لكن لا بد أن أكون في مستواه او بطريقة تفكيره وهذا مستحيل. والى وقت قريب كنت اعتبر أي إطراء لعملي مجاملة، وهو السبب الذي جعلني أكتب السيناريو والحوار في وقت متأخر، ومن المحتمل انني كنت سأبدأ في سن مبكرة لو كنت ابنة احد غير نعمان عاشور. ما دوافعك الى كتابة جزء ثان من مسلسل "عيلة الدوغري"؟ وماذا أردت تقديمه فيه؟ - كتبت عدداً من القصص القصيرة ولم أنشرها على رغم أن الكاتبة فوزية مهران طلبت ذلك مني غير مرة، لكنني وجدت نفسي في مجال كتابة السيناريو والحوار فكتبت الجزء الثاني من "عيلة الدوغري" الذي حمل عنوان "الدوغري 90" خلال ثلاثة أعوام، ولم أكن أنوي نشره، وعندما قابلت الكاتبة فتحية العسال اعجبت بذلك، ثم ذهبت الى السيناريست محسن زايد الذي كان كتب السيناريو والحوار للجزء الأول فأعجب بما كتبت، ونفذ الجزء الثاني، وعُرض في عدد من المحطات الفضائية العربية، وأدنتُ في العمل جيل 1952 بجميع مذاهبه الناصريين أو الشخصيات العامة، وأوضحت أن جميعهم دخلوا الخلوة مثل سيد الدوغري الذي تصوف في نهاية الجزء الأول، وأنهم في التسعينات سمحوا ببيع بيت الدوغري لليهود، وأكدت أن الكبار تركوا الصغار لتأكلهم الغيلان. ماذا بعد "الدوغري 90"؟ - نُفذت لي سهرة بعنوان "بدلة جينز" قامت ببطولتها مريم فخرالدين وأمينة رزق وسعاد نصر ومحمود الجندي وأخرجها حامد عبدالعزيز، وأكتب حالياً مسلسلاً عن الاطفال المعاقين وطرق التعامل معهم، ولدي سهرتان جاهزتان للتصوير، الأولى بعنوان "الست حكومة" عن قصة لوالدي، والثانية "في العيادة" عن قصة ليحيى حقي، وأكتب حالياً حلقات منفصلة بعنوان "عزيزي آدم" وتدور حول تأثير قوانين الأحوال الشخصية على المرأة في مصر، وكذلك نظرة المتعلم الدارس الى المرأة العاملة ومشكلات الحضانة وسفر الزوجة وغيرها. ما أقرب أعمال والدك إلى قلبك ولماذا؟ - آخر مسرحية كتبها قبل وفاته بشهرين فقط وتحمل عنوان "حملة تفوت، ولا حد يموت" ولم تُعرض بعد، وقبلها كتاب "صفحات من تاريخ الجبرتي" لأنه طوال عمره كان شغوفاً بالجبرتي، وكان آخر ما كتب عنه. و"الصفحات" بعيدة تماماً عن الواقع الاجتماعي الذي كان ينتهجه في كتاباته، وفيها العديد من الإسقاطات. وتعجبني جداً مسرحية "سيما أونطة" ولو قرأتها حالياً لوجدت أنها تمس واقع السينما، وهو كان كتبها أثناء عمله في الرقابة، وفي فترة صداقته القوية للمخرج توفيق صالح ومعاصرته لمشكلات السينما، وكذلك مسرحيته الرائعة والتي جسدت واقع العلاقات الزوجية وتحمل عنوان "صنف الحريم". وماذا كان يميز أسلوب نعمان عاشور من وجهة نظرك؟ - أرى أنه كان مؤرخاً اجتماعياً للواقع المصري، ويظهر هذا جلياًَ في أعماله منذ "الناس اللي فوق" و"الناس اللي تحت" ثم "عيلة الدوغري" و"برج المدابغ" وانتهاءً ب"مولد وصاحبه غايب" وهي من أقوى أعمال التأريخ للواقع المصري، وعندما تقرأه تجده كأنه شخص يتحدث الى جوارك من دون فلسفة، وعندما تنتهي من قراءته تجد ذهنك يعمل، ففي داخل الحوار أشياء كثيرة جداً، على رغم أنه خريج كلية الآداب قسم اللغة الإنكليزية وكان دارساً لفنون المسرح والدراما. وهل كانت له طقوس معينة أثناء الكتابة؟ - كان لا بد أن يحتسي فنجاناً من القهوة في الصباح مع السيجارة ويدخل بهما الى غرفة النوم وينظر الى نفسه في المرآة نحو خمس دقائق، وعندما كنت أسأله عن ذلك يجيبني بأنه يتحدث مع نفسه، ثم يبدأ في الكتابة، وكنا نغلق عليه الباب لأنه كان يتحدث بلسان كل شخصية يكتبها وبايماءاتها نفسها ونبرة صوتها، إذ كان يعيش مع كل شخصياته بدرجة كبيرة جداً. لمن تقرأين؟ - أولى قراءاتي، وكنت في المرحلة الابتدائية، "مذكرات الولد الشقي" للكاتب محمود السعدني، ثم قرأت بعد ذلك كل أعماله، وأقرأ لإحسان عبد القدوس ويوسف السباعي ويوسف إدريس ونجيب محفوظ، وقرأت في المسرح كثيراً، وكذلك في السينما. من يعجبك من كُتاب السيناريو؟ - محسن زايد، وعندما تشاهد له مثلا مسلسل "عيلة الدوغري" تجد روح المسرحية وصوت عاشور فيها. وما مشكلات الشباب في رأيك بصفة عامة؟ - المشكلات تنحصر في الوساطة، ولا أدري لماذا أصبح أي شيء يستوجب وساطة عندما أكون شابة ولديّ طموح في أي وظيفة وأفاجأ بسؤال: من وساطتك؟ أشعر أن امكاناتي وطموحاتي كبني آدم مهانة، هذا غير نظام التعليم الفاشل، لا بد من معرفة امكانات كل فرد وتوجيهه التوجيه الصحيح، لنجعل الدراسة الجامعية للمتفوقين مع إنشاء العديد من المعاهد المتخصصة في جميع المجالات. علمت أن والدك ظل يبكي يومياً لمدة عامين بعد وفاة والدتك؟ - هذا صحيح، فكان كلما يستيقظ كل صباح ويتذكر ما كان بينهما يبكي، وأذكر أنه كان يكرم ذات مرة في مهرجان للمسرح في الكويت وعندما عاد الى البيت ظل يبكي بحرقة شديدة. حبه الكبير لها، كان السبب في أن معظم إهداءاته على مسرحياته كانت لها؟ - نعم، لأنها التي شجعته على أن يكتب للمسرح بعدما كان يكتب دراما في الإذاعة والتلفزيون وكذلك كتاباته الصحافية، وكانت مسرحيته الأولى "المغناطيس" نتيجة تشجيعها له، ووقفت إلى جواره في كل مواقفه وكانت سنده عندما تعرض للاعتقال والاضطهاد غير مرة لأنها كانت مؤمنة به وبمبادئه إيماناً ليس له حدود وكانت بينهما علاقة يندر وجودها. ما أحلامك؟ - أن أعود لاستكمال دراستي في معهد السينما، وأحلم بانجاز فيلم أو مسلسل عن القضية الفلسطينية، وحلمي الأكبر أن ينظر كبار المخرجين الى الصغار بصبر، وأن يتغير الشكل الدرامي ويعود نظام الحلقات القصيرة وليست مسلسلات الأجزاء أو الثلاثين حلقة. هل يميل أحد من أخوتك الى الكتابة أو الأدب؟ - اختي الكبيرة طبيبة وأخى الذي يليها محاسب، وليس لهما أدنى علاقة بالأدب، وكان والدي يضع دوماً أمله فيّ، وإن كانت أختي تحب القراءة، إلا أنها وشقيقي كانا ميالين الى والدتي التي كانت شخصية عملية جداً ومنظمة وكل كلمة تقولها بحساب، على العكس تماماً من والدي الذي كان يقول أي شيء يخطر في باله. وما هواياتك؟ - ليس لي هوايات غير السينما، وأنا مدمنة مشاهدة أفلام ولدي هواية التصوير التي أمارسها أحياناً.