أثار اعلان وزير الدفاع الاسرائيلي اسحق موردخاي استعداد اسرائيل لتنفيذ القرار 425 موجة من التعليقات والردود والمواقف وحرك ديبلوماسيات كثيرة ومواقع عديدة، وكأن في الامر شيئاً استثنائياً يتجاوز حدود الاعتراف الكلامي بالقرار وهو أمر جديد له اسبابه التي سنذكرها لاحقاً. وحاولت اسرائيل بحملتها الاعلامية السياسية الديبلوماسية الايحاء بأنها تبادر نحو لبنان راغبة في الانسحاب من ارضه وهو يرفض ذلك في محاولة لاظهار نفسها حريصة على السلام والامن والالتزام بقرارات الاممالمتحدة، فيما لبنان لا يريد ذلك، او لا يقدر على الحركة لانه يقع تحت الهيمنة السورية وبالتالي فإن المشكلة ليست عندها وهي ليست مسؤولة عن استمرار الحرب في الجنوب بل هي تجيز لنفسها بعد هذه المبادرة ورفضها من جانب لبنان ان تستمر في حربها تحت عنوان ضمان أمنها. هل تحمل هذه المواقف والتفسيرات جديداً أم انها تأكيد لسياسة سابقة ثابتة تم تدعيمها اليوم بتفسيرات دقيقة لمضامين القرارات الدولية وهذا هو الجديد الفعلي؟ وبناء عليه نطرح الاسئلة الآتية: لماذ هناك حرب وعنف وقتال وعدم استقرار وعدم تثبيت للسلام والامن الدوليين؟ إليس لأن اسرائيل تحتل ارضنا وترفض الانسحاب ولا تحترم القرارات الدولية ومن حقنا ان ندافع عن حقوقنا وأرضنا وأهلنا؟ وبالتالي أليس في المفهوم الاسرائىلي إمعان في تأكيد ان المقاومة إرهاب في مقابل رفض لأي قرار من مجلس الامن او الاممالمتحدة يدين ارهابها اليومي الذي يطاول المدنيين الابرياء ويغطي هذا الرفض بالدعم الاميركي المباشر والفيتو الاميركي على اي ادانة لاسرائيل؟ وبالتالي أليس في ذلك إمعان على اغتصاب الحق اللبناني في الارض من جهة وفي مقاومة الاحتلال من جهة اخرى؟ هل انسحبت اسرائيل واستمر العمل العسكري في الجنوب لتدين الموقف اللبناني ام ان المطلوب محاكمة النيات اللبنانية في مقابل رفض محاكمة الافعال الاسرائيلية الارهابية اليومية؟ ماذا يعني تفسيرها لسلطة حكومية فاعلة؟ هل يعني ان السلطة الحالية غير فاعلة؟ وبالتالي يجب تغييرها؟ أليس من حقنا ان نتذكر الترجمة العملية لهذا المفهوم يوم حاولت اسرائىل تركيب سلطة حليفة لها "فاعلة وقادرة" بدعمها وكم كلف ذلك لبنان؟ أليس من حقنا ان نقلق عندما نسمع هذا الطرح يلاقيه طرح داخلي من جانب اللبنانيين يرفض الاعتراف بالسلطة الحاضرة ويريد الانقضاض عليها في معزل عن ملاحظاتنا الكثيرة على أدائها الداخلي لكننا نتحدث عن موضوع محدد الآن تحت عناوين مختلفة؟ ألا يعني الموقف الاسرائىلي هذا ترجمة للموقف الاميركي المصرّ على اعتبار "حزب الله" منظمة ارهابية، وتحريضاً على ضرورة تفكيك بناه وقواه؟ ألا ينسجم هذا الكلام مع المواقف التي أطلقتها وزيرة الخارجية الاميركية مادلين أولبرايت في بيروت وتلقفها بعض اللبنانيين المراهنين على تراجع الموقف السوري وتقدم الموقف الاسرائىلي، المساوين في أفضل الحالات بين الاحتلال الاسرائىلي والوجود السوري، الذين يعتبرون المقاومة ميليشيا او سبباً لما تقوم به اسرائيل وليس نتيجة احتلالها او يرونها وسيلة غير ناجحة في السعي الى اخراج القوات المحتلة من لبنان؟ وبالتالي أليس من حقنا ان نحذر ونقلق من ابعاد هذه المواقف؟ وكيف يمكن ان يتأكد الاسرائيلي من فاعلية السلطة الحكومية؟ ألا يظهر الجواب واضحاً من فلسطين الى لبنان؟ هناك يقولون للفلسطيني عليك ان تثبت قدرتك وفاعليتك لنعيد اليك الارض وهنا يكررون الموقف ذاته. كيف؟ بأن تفكك بنى الارهاب وتسكت عن إرهابنا؟ بل ان يمارس الفلسطينيواللبناني الارهاب الاسرائىلي بالنيابة عن القوات الاسرائىلية في حق المقاوم الفلسطيني والمقاوم اللبناني؟ أهذا هو التفسير الحقيقي للقرار 425 ولتقرير الامين العام للامم المتحدة؟ أليس من حقنا ايضاً ان نخاف ونقلق وألا نثق بكلام اسرائيل عندما نرى تجربة الفلسطيني معها في هذا المجال ونقرأ شروطها علينا ونعاني من ممارساتها اليومية؟ ألا يعني طلب استيعاب جماعة جيش لبنانالجنوبي بعد تفكيك "البنى الارهابية" تصفية للمقاومة والمناضلين واحتضاناً واستيعاباً للعملاء؟ ومن قال ان لبنان سلطة وحكومة وشعباً ومقاومة قابلون بذلك؟ واي حق يدفعهم، أية نظرية تدفعهم الى القبول؟ في وقت تبدو محاكمة العملاء ضرورية مع احتضان واستيعاب ابطال المقاومة واعطائهم الأولوية في مجالات مختلفة ورعاية عوائل شهدائهم. وماذا يعني ادامة التواصل بين القوات والاجهزة الامنية للطرفين والتعاون بينها لمنع الارهاب والعنف؟ أليس في ذلك دعوة للقضاء على المقاومة في لبنان تشابه الدعوة للتنسيق بين الفلسطيني والاسرائىلي في الارض المحتلة لقمع كل اشكال الانتفاضة؟ أليس في ذلك ما يجعلنا نتذكر اللعبة الاسرائىلية المبرمجة المراحل للوصول الى هذا الهدف؟ ففي ايار مايو 93 اقترحت اسرائىل لجنة عسكرية لمعاهدة سلام، ورفض لبنان تأكيداً لثبات موقفه. وفي تموز 93 اجتاحت اسرائيل ارضه وحاولت خلق واقع جديد لكنها فشلت واستطاع لبنان ان يسقط اهدافها بالتعاون والتنسيق مع سورية التي لعبت دوراً مهماً آنذاك. وفي نيسان 96 عاودت اسرائيل الكرة بعد فشلها في فرض شروطها وترتيباتها، وتم تشكيل لجنة تفاهم نيسان لكنها جاءت موسعة ولأهداف محددة مع دور فرنسي وسوري مباشر فيها. ومع ذلك استمرت اسرائيل تخرق بنود التفاهم وتحاول ارباك عمل اللجنة لانها ليست اللجنة التي تريد. أليس من حقنا عندما نرى هذه التفسيرات ان نستذكر الموقف الاسرائيلي المشابه من القرار 242، الذي على اساسه لا تزال اسرائيل في موقفها من الحق العربي وهو تفسير قائم على نفي ال "أل"، بمعنى ان العرب يرون ان عليها الانسحاب من الاراضي المحتلة وهي تعتبر ان عليها الانسحاب من اراض عربية؟ فكم من "أل" أدخلت الى تفسيرها للقرار 425 وكم من "قد" تحولت الى شرط الزامي، وكم من كلمة اعطيت مضامين مشاريع متكاملة تؤدي في النهاية الخدمة للاسرائىلي. والتفسير الاسرائىلي للقرار 242 منع تطبيقه منذ ما يقارب الثلاثين سنة. اما التنكر الاسرائىلي للقرار 425 طوال عشرين عاماً فمنع تطبيقه حتى الآن، والتفسير المعلن له اليوم قد يؤخر تطبيقه سنوات اخرى. فماذا امام لبنان سوى التمسك بحقه واللجوء الى استخدام كل الوسائل لاجبار الاسرائيلي على الانسحاب؟ ألا تؤكد المواقف الاسرائىلية ان مطالبة سورية ولبنان بسلام كامل وعادل واضح في كل بنوده وكلماته وفواصله وهوامشه حق بل واجب وضرورة لصون حقوقهما. اذ ان تجربة تفسير ال 242 واضحة، وطرح التفسير الحالي لل 425 واضحة، وتجربة الاتفاق مع الفلسطينيين أوضح بكثير اذ ان كل بند كان بحاجة الى مناقشات طويلة للاتفاق حوله. ألا تجعلنا المطالبة الاسرائىلية بالترتيبات والتركيز عليها كشرط مسبق نستذكر ترتيبات 17 ايار مايو واوسلو وطابا وباريس وواشنطن، وكلها تنكرت لها اسرائيل لاحقاً عند بداية التطبيق باستثناء 17 ايار الذي لم ير النور بفعل الموقف الوطني اللبناني - السوري والمطالبة بمزيد من التنازلات. اما في الحديث عن سورية ألا يعني قول موردخاي ان سورية معنية بأي اتفاق او ترتيبات مع لبنان ان المصالح اللبنانية السورية مترابطة ومتشابكة؟ وبالتالي أين الاستغراب ولماذا الحملة على لبنان تارة وتصويره كأنه قاصر وعلى سورية طوراً وتصويرها كأنها تهيمن على لبنان وتصادر قراره وتمنعه من اتخاذ خطوات معينة نحوها؟ ان سورية بحماية موقفها في وجه اسرائيل تحمي لبنان. وبحمايتها لبنان من اي مطب او انزلاق او اتفاق او استفراد تحمي نفسها ايضاً، وهذا هو مفهوم تلازم المسارين. وعلى هذا الاساس اذا كان ثمة اعتراف بمصالح سورية الامنية والحيوية في لبنان وبترابطها مع المصالح اللبنانية، فلماذا لا تعود المفاوضات بين لبنان وسورية واسرائيل مثلاً من النقاط التي وصلت اليها سابقاً؟ خصوصاً ان رئيس جمهورية لبنان أعلن مراراً انه اذا انسحبت اسرائىل من الارض اللبنانية من دون شروط ووفقاً للقرارات الدولية فإن لبنان يضمن عدم اطلاق النار من اراضيه، معتبراً ان الاعتراف بالقرار 425 خطوة ايجابية على هذا الطريق. كما ان رئيس الحكومة اللبنانية كرر مراراً ان لبنان وسورية مستعدان لتوقيع اتفاق مع اسرائيل خلال مدة زمنية قصيرة اذا ما انسحبت من الجولان وجنوبلبنان. ثم اعلن وزير خارجية سورية ان بلاده ستكون سعيدة اذا انسحبت اسرائيل من جنوبلبنان وهي لا تمانع في ذلك، كما سبق لنائب الرئيس السوري ان اعلن في باريس "ان احداً لا يمنع اسرائيل من الانسحاب من الجنوباللبناني، وعندما تنسحب لكل حادث حديث". كذلك فان الموقف الفرنسي قبل، وخصوصاً بعد، زيارة وزير الخارجية فيدرين الى المنطقة كان واضحاً في تبنيه الموقف اللبناني والمطالبة بتطبيق القرار 425 من دون شروط مسبقة؟ أليست هذه المواقف والتصريحات كافية؟