هل يمكن ان توجد فتاة لاترغب في الزواج في مجتمعنا، حيث تتربى الفتاة على ان الزواج هو مصيرها المحتوم وقدرها الذي لا راد له، بل هو طريقها الى الوجود الاجتماعي؟! قد يبدو الأمر غريبا، لكن هناك بالفعل فئة من الفتيات، تطرح اسئلة على نفسها وعلى المجتمع، وتتوصل الى اجابة مفادها : لا للزواج.. الا بشروطي! وهؤلاء الفتيات لا يخيفهن لقب (عانس) ، ولا يرغبن في حمل لقب مطلقة. وبعضهن لا يردن الزواج لانه سيكون حجر عثرة في طريق تحقيق طموحاتهن. فتيات في مقتبل العمر، وآخريات تجاوزن العقدين الثاني والثالث.. متعلمات ومثقفات ولا يقل مستوى الجمال عندهن عن أية واحدة من المتزوجات من يتحدث اليهن لا يلاحظ فيهن اي اختلاف، لكنه لن يتمالك دهشة عندما يعلم انهن يرفضن فكرة الزواج ويقفن بصلابة ضدها. طبعا، لهؤلاء الفتيات مبرراتهن وقناعاتهن التي أوصلتهن الى هذا القرار الاختياري ، الذي يتنافى مع العادات والتقاليد في المجتمع. لماذا اتخذت هؤلاء الفتيات هذا القرار؟ وما الاسباب التي تقف وراء عزوفهن عن الزواج؟ * (اليوم) التقت بمجموعة من هؤلاء الشابات المقبلات على الحياة بكل حماسة بعدما حذفن كلمات مثل (زوج) و(زواج) من قاموس حياتهن. مقصلة الاعدام أول المتحدثات (موظفة) هاجمت الصحافة بشدة قائلة : (لماذا تركز وسائل الاعلام في هذه المسائل على الرجل فقط؟!.. لماذا يناقشون موضوع عزوف الشبان عن الزواج، ويطرحون الحلول، ولا احد يتحدث عن العازفات عن الزواج، على الرغم من وجود عدد كبير منهن؟!). سألتها : انت شخصيا.. لماذا ترفضين الزواج، رغم تمتعك بكل مواصفات الزوجة الصالحة؟ فقالت : (الزواج هو نهاية المطاف.. انه برأيي مقصلة الاعدام بالنسبة الى الحياة الهانئة، لقد تربيت في بيت سعيد، ولا اعتقد ان هناك من سيدللني مثل والدي وسيكون كريما معي كأمي. وتضيف : انا أرى الزواج شيئا غير مهم بالنسبة لفتاة مثلي، ولن اخسر شيئا ان لم اتزوج!). الزواج ليس طموحي وتقول رشا طالبة جامعية : لست مضربة عن الزواج، ولكنني لا احلم فيه ككثير من الفتيات، وهذا يعني انني لن اتزوج الا بعد ان احقق جميع طموحاتي، فالزواج ليس ضروريا بالنسبة لي كالدراسة، وان اعيش سنوات العشرين بحرية وخلو من المسئوليات). وتضيف : ان تزوجت صديقاتي سأفكر حينها بالزواج، فلن يكون هناك داع للعيش بدون المتعة التي اجدها مع الصديقات. أما نوال (موظفة) فتقول : اخشى ان امر بتجارب صعبة بعد الزواج ، فلقد سمعت من صديقاتي المتزوجات الكثير من الأمور السيئة عن الحياة الزوجية. وتضيف: بعد الدخول في العش تسقط الأقنعة ويموت الحب وتبدأ المعارك الطاحنة! هكذا تقول الكثير من النساء اللاتي اعرفهن معرفة شخصية.. فالزوجة تريد رجلا بمعنى الكلمة، والزوج يتنصل من المسؤولية ويهرب من البيت الى المقاهي (وشلة) الاصدقاء.. اخاف حقا ان اصطدم بواقع مؤلم، ومرير يصعب الخروج منه بعد ان أرتبط، اضف الى ذلك متاعب العمل والولادة وتربية الاطفال، وانا لست مستعدة لتحمل مسؤولية كهذه، فأنا في الواحدة والعشرين، ويفترض بي ان أعيش سني في متعة ومرح، وليس شقاء وروتينا!!). وعندما سألناها ألا تخاف من العنوسة والوحدة عندما يفوتها القطار؟.. اجابت : العنوسة افضل بكثير من العيش مع زوج سيئ وتحمل مسئوليات متعبة، والمهم ان المجتمع لا يزال يرى العنوسة خيرا من الطلاق، أليس كذلك؟! وسيلة وليست غاية وتقول سهيلة المعيني (معلمة): ارى ان الزواج ليس غاية، كما كان في السابق ولابد من التأني والتفكير، فالفتاة عندما تصل الى مرحلة معينة من العمر ينضج مستواها الفكري والثقافي، لذا فليمنح الاهل فرصة لبناتهم ليحققن اهدافهن من تعليم وعمل ويتركون لهن مزيدا من الوقت حتى تصقل شخصياتهن ويتطور تفكيرهن حتى يكن على استعداد لمواجهة المسؤوليات بعد الزواج. يعيق المركز المرموق وتقول بدور عبدالله (طالبة في كلية الطب) أرفض الزواج لانني اسعى للوصول الى مركز مرموق. قلت لها : هل سيعوق المركز المرموق الزواج؟ اجابت : (نعم فلن استطيع ان احقق النجاح في الدراسة او العمل وانا لدي زوج، يعتمد علي في الغالب، ولا تنسى الاطفال ومتاعبهم، الزواج يتطلب امرأة متفرغة وانا انسانة ولدت بطموح كبير وشخصية لاتقبل القيود). فتاة اخرى تتقدم نحو العشرين بخطى ثابتة، يكللها جمال أخاذ وشخصية قوية. ادهشتني بعدم رغبتها في الزواج، الا انها لم تشعر اهلها بهذه الرغبة، خوفا من (الحرب) التي ستندلع في البيت تقول: لا اعتبر نفسي عانسا.. فمازلت في بداية الحياة، اما اهلي فينتظرون في خوف وتوجس ابن الحلال الذي سيأخذني الى عش الزوجية قبل ان يفوت الأوان!؟! وبسؤالها عن الاسباب التي دعتها لرفض الزواج، اجابت ببراءة شديدة: (تجربة اختي وإحدى قريباتي.. أمامي تجربتان.. تجربة واحدة منهن كافية لان تجعلني (أطفش) من الزواج الى الابد.. اختي الكبرى تزوجت من ابن عمها الذي اهان كرامتها وجرح كبرياءها بالضرب والأذى النفسي، بسبب خلافها معه حول السهر خارج المنزل حتى الساعات الاولى من الصباح.. تصوروا ان هذا الشخص لم يحدث أبدا ان شاهد النعاس يداعب جفون اطفاله قبل نومهم؟!.. حتى استسلمت اختي اخيرا واصبحت غير مبالية بوجوده او عدمه، لانها اقتنعت برأي الاهل ان (الرجل ستر للمرأة) مهما كان سيئا، وان كل فرد منا لا يأخذ اكثر من نصيبه. اما قريبتي فلم يدم زواجها الا سنة! فزوجها مستهتر ايضا ومازالت تحمل لقب مطلقة وهي في العشرين من العمر.. في اجمل سنوات العمر؟! قلت لها ان الرجال مختلفون واصابع اليد ليست سواء، فقالت : لست على استعداد للمغامرة، خصوصا في هذه السنوات التي لا تعوض ان ضاعت!). تقليد ظالم ام فيصل طالبة جامعية قالت : في عائلتنا لاتتزوج الفتاة الا من ابن عمها او ابن خالها، وهذا تقليد ظالم.. كرهت الزواج والسبب انني سأرتبط بانسان لا يوجد فيه ما يرضيني ، فأنا اعلم ابناء عمي واقربائي بشكل عام، فهم لا يعرفون عن الحياة سوى رنين الدراهم والمظاهر التافهة.. اريد شابا متعلما ذا شخصية مختلفة ، لذا سأضرب عن الزواج حتى يقبل والدي برجل من خارج محيط العائلة). غريبات الشخصية تحدث الدكتور عابد ابو مغيصيب استشاري الطب النفسي حول هذه الظاهرة فقال : ان تقدم المرأة العلمي ومنافستها للرجل ودخولها في بعض الميادين جعلتها تتقدم في السن التي يفترض ان تتزوج فيها اضافة الى هذه العوامل هناك عوامل اجتماعية، حيث تطالب الفتاة بشريك حياة كفء ومساو لها في الظروف الاجتماعية والوضع الاقتصادي، بالاضافة الى ذلك، فلكل فتاة من هؤلاء فلسفتها وشخصيتها التي تحدد من خلالها نمط حياتها.. ورغم ذلك فأنا اشك في هذا المبدأ، فالمرأة تحتاج للرجل مثل احتياجها للماء والهواء. واذا كانت الفتيات المعنيات بالأمر عازفات فعلا عن الزواج عزوفا كاملا، فانهن فعلا غريبات الشخصية. وعموما، فالعزوف عن الزواج ظاهرة اجتماعية فرضت على المرأة، خصوصا تلك التي لا تخرج ولا يمكنها السعي الى الزواج، بل تنتظر حتى تسنح لها الفرصة المناسبة، التي قد تتحكم فيها امور قبلية واقتصادية واجتماعية. والفتاة العانس نجدها في حالة حداد عاطفي ، خصوصا عندما يفوتها القطار والمردود النفسي لهذه الظاهرة سيئ جدا. ويضيف : ان الطفل عندما يحرم من الحنان يقل وزنه ويضعف ، فما بالك بامرأة غير متشبعة عاطفيا؟! فأقل ما يحدث هو الاكتئاب والاضطرابات العاطفية والآلام المختلفة. ونجد الواحدة من هؤلاء تتردد على الاطباء ويقل لديها التركيز وتظل تبحث عن تعويض او بديل وتكون مصيدة لتضارب الافكار. والفتاة المكتئبة تكون رقيقة المشاعر هشة العواطف، وفي حاجة الى الحب والحنان، فتقع بسهولة في شباك المحتالين، فهذا يأخذ مرتبها، وذاك يتسلى بعواطفها، وغيره ، لأن الاكتئاب يؤدي الى قرارات غير مدروسة. ومن متطلبات الحياة الآن الصحة النفسية، وهي قبل الصحة الجسدية، لان الالم النفسي شديد جدا وليس بالأمر السهل. والفتيات اللاتي اتخذن هذا القرار محتاجات الى عاطفة ونبع حنان يعيد اليهن الثقة. ظاهرة قديمة أما الدكتور عوض صالح باحث اجتماعي فيقول : عندما نتحدث عن هذه الفئة من الفتيات اللاتي يرفضن او يتحفظن على فكرة الزواج، فكما افهم او اعتقد ان هذه ليست فكرة خاطئة بالضرورة كما يعتقد البعض. ففكرة الامتناع عن الزواج لقناعات خاصة فكرة قديمة، وعدم فرض فكرة الزواج على اي طرف ربما كان موجودا في حدود ضيقة في الماضي لاعتبارات كثيرة، لأن الظروف الاجتماعية السائدة آنذاك كانت تفرض على البنت الزواج، الا ان هذه الظاهرة بدأت الآن تتسع، لزيادة التعليم ونسبة الوعي بين الزوجين، وبالذات عند النساء، الأمر الذي اصبح يؤثر كثيرا في خيارات الطرفين، ومن جانب آخر نلاحظ ان موجة التحديث وظاهرة الانتقال الى الخارج وفرت كثيرا من المرونة في الافكار بشكل صار معه فرض القرارات التعسفية على الطرفين المقبلين على الزواج أمرا غير واقعي، لان الحياة في الخارج حررت الاسر من كثير من العادات والتقاليد. ونلاحظ ان العاملين السابقين، اي التعليم والتحديث، أدخلا المجتمع في علاقات معقدة ، مما ادى الى ظهور مشكلات اجتماعية غير مألوفة، مثل شيوع الجانب الاستهلاكي والمادي في حياة الناس، وانتشار ظاهرة تعدد الزوجات، والانفتاح على ثقافات اخرى، والسفر الى الخارج، خصوصا الشباب، الامر الذي نتج عنه الكثير من المشكلات العائلية مثل التفكك الاسري وانحراف الاحداث وظاهرة الطلاق. وكل هذه محاذير جديدة اضيفت الى حسابات اتخاذ قرار الارتباط. ولكون الرجل يتمتع بهامش كبير من القدرة على اتخاذ قرارات الزواج والسفر، فلم يكن امام هذه الفئة من الحريصات على مستقبلهن العائلي الا اتخاذ قرار التأني في الزواج، وليس العزوف كما يعتقدن، تماشيا مع شعار (الوقاية خير من العلاج).. لذلك يجب ان نحترم رغبتهن حتى تتوافر الظروف المناسبة لخياراتهن. اما اذا كان الأمر يتعلق بالبحث عن مواصفات غير واقعية، فالمطلوب اعادة النظر في هذه المسألة من خلال الاقتناع بعدم اكتمال الاشياء، وبأن الحياة أخذ وعطاء ومطلوب توفير الظروف المناسبة للتفاهم المشترك مع مراعاة نوعية المجتمعات التي نعيش فيها. واذا كان الامر يتعلق بعدم الرغبة قطعيا في الفكرة، فهذا شأن خاص لا يمكن لاحد التعليق عليه).