كتب الناقد نبيل حفار مقالاً في جريدة "الحياة" بتاريخ 14/2/2000 بعنوان "ترجمة غونتر غراس الى العربية خانت لغته الالمانية"، أبدى فيها ملاحظات عدة طال فيها المديح لترجمة "الطبل الصفيح" التي قام بها صديقه موفق مشنوق عن الفرنسية، وانهال بالتقريع على ترجمة "قط وفأر" التي قمت بها عن الانكليزية ونشرتها روايات "الهلال" في تشرين الثاني نوفمبر 1999، ورأيت من الواجب أن أوضح بعض النقاط حول هذه الملاحظات خاصة في ما يتعلق بالترجمة التي قمت بها. ولكن بداية أحب أن ألفت النظرالى النقاط التالية: 1 - المترجم العربي مغلوب على أمره. الكل ينكر عليه اجتهاده ويلقي عليه محاضرة في أن الترجمة علم وفن، وأن لها اصولها ومدارسها، وأن... وان... وكأن هذا المترجم نبت شيطاني خاض مجال الترجمة اعتباطاً دون ان يدرس يفهم، على الرغم من ان الترجمة في وطننا العربي لا تغني ولا تسمن من جوع إلا قليلاً، ولا اقصد بذلك الاستاذ نبيل بالذات، بل عدداً من الناقدين الذين لا يسهمون بدور في الترجمة ويتصيدون الاخطاء للمترجمين من هنا وهناك. صحيح أن الترجمة علم وفن لكنها ايضاً موهبة بالدرجة الاولى، فكم من دارسين للغتين ويتقونهما جيداً ومع ذلك لا يستطيعون الترجمة. 2 - الخطأ في ترجمة الاعمال الإبداعية وارد، لسبب بسيط ان لغة العمل الادبي تحمل معاني عدة وهي كلمة لا يمكن ان نطلقها على الترجمات العلمية التي هي 1"1=2. فالترجمة الأدبية مهما كانت دقتها لا يمكن ان تتطابق مع الاصل حى لو قام بالترجمة كاتب العمل نفسه، مثل صمويل بيكيت الذي كان يقوم بترجمة أعماله من الفرنسية الى الانكليزية. وعلى الرغم من التقارب الشديد بين اللغتين، لم تكن الترجمة متطابقة. ويظهر ذلك خاصة في الشعر حيث للغة دور كبير غير عملية التوصيل. أما الاعمال الروائية فيمكن ترجمتها دون كثير من الاخطاء وان اعتمد ذلك على اسلوب الكاتب وطبيعة ما يكتب عنه. وهذا يقودنا الى اسلوب "غونتر غراس" وطريقته في الكتابة، والحقيقة ان الروايات القليلة - أربع روايات - التي قرأتها له مترجمة الى الانكليزية ازعجتني في قراءتها، فهو كاتب يعتني بالتفاصيل الدقيقة والوصف الشديد لدرجة الاملال- وهذا ما يخالف السرد الروائي السائد - فهو روائي غير جذاب فنياً ويبعث على الملل ولولا صداقتي للاستاذ مصطفى نبيل رئيس تحرير روايات "الهلال" لما قمت بترجمة هذه الرواية. 3 - المدرسة المصرية في الترجمة - وأزعم أن هناك مدرسة مصرية للترجمة ترسخت عبر قرن من الزمان - تعتمد في خطوطها العامة على الترجمة الدلالية وليس الترجمة الحرفية، وربما هذا ما جعل الناقد نبيل حفار يحمل عليها بقوله "أن معظمها للأسف - المترجمات المصرية عن الالمانية - لا يحقق الهدف المنشود من عملية الترجمة، إما لضعف المترجم في اللغة الالمانية او في اللغة العربية او كلتيهما معاً او لانتهاجه اسلوب ترجمة يتفاني مع بنية العمل الاصلي". الترجمة الدلالية التي تعلمناها من اساتذتنا لا تعني ان ترد الكلمة الى معناها كما هي في الاصل الاجنبي، بل ما يتطابق مع دلالة النص وما يعادله في اللغة العربية من معنى. ونأتي الآن الى ملاحظات الناقد نبيل حفار، واقسمها الى قسمين. أولاً: ملاحظات شكلية: هل "قط وفأر" رواية أو قصة طويلة، يقول الاستاذ نبيل "تبدأ الاخطاء من الصفحة الرابعة حين يطلق على القصة رواية" يا سيدي كل كاتب في وطننا العربي يكتب قصة تزيد على الخمسين صفحة يسميها رواية، قد يكون ذلك خطأ، لكنها قاعدة وسرنا عليها. ثم من الممكن ان نطلق على العمل كلمة "نص" لا رواية ولا قصة، اين المشكلة ايضاً؟. ثم ان الرواية 13 مقطعاً، النص الانكليزي لم يعط ارقاماً للتعبير عن الفصول بل كتبها بالحروف Chapter one حتى Chapter 13 واسماها رواية ايضاً، وانا لا أرى ضرراً في تسمية هذه المقاطع فصولاً لا عليّ ولا علي المترجم الانكليزي. ثم ملعب "الشلاجبول" التي ترجمها الناقد حفار بملعب كرة المضرب الجلدية، وهي لعبة غير معروفة عندنا، فوضعت اسمها كما هي، وهي طريقة غير مستغربة وتستخدم يومياً في عالمنا العربي لاشياء عدة لا نعرفها في واقعنا. ثم حكاية ان القط قطة وليس قطاً، أولاً لا يوجد في النص الانكليزي ما يحدد هذه الصفة، ثانياً ليس المقصود هنا في الرواية الجنس - ذكراً أو انثى - فالمعنى رمزي كما لا يخفى على الناقد حفار، فالمقصود تفكير القط وتفكير الفأر، والآثار التي تترتب على هذا التفكير في المجتمع. وقد دارت مناقشة طويلة بيني وبين الاستاذ ابراهيم فتحي من جهة وبين محمود قاسم سكرتير تحرير روايات "الهلال" من ناحية اخرى، ورأينا أن الفكرة هي المقصودة هنا ولو قلت قطة أو فأرة عن تفاحة آدم لكانت حذلقة لا لزوم لها. ثانياً: الملاحظات الاساسية: تقول الترجمة "القط أسود يملكه فراش المدرسة" ويقول حفار الصحيح "القطة سوداء ويملكها المشرف على الملعب"، ويقول النص الانكليزي The cat belonged to the caretaker كما جاء في قاموس اكسفورد انكليزي - عربي من تأليف M.S. Donich فراش المدرسة او حارس، وانا اضيف أنه يمكن ان نعطيها معنى المشرف على الملعب. لكن المنطق يقول ان من يمكث في المدرسة حارساً عليها ليل نهار هو الاقرب ان يملك قطاً وليس مدرس الالعاب الذي لا يوجد في المدرسة إلا ثلاث ساعات أو اربعاً بمعنى اني لو خيرت بين المعنيين كمترجم لاخترت فراش المدرسة مع أني لا أعرف ما هي الكلمة في الاصل الالماني، ونرى حولنا الكثير من فراش المدرسة لديهم قطط ولم نر مدرساً يملك قطاً في مدرسة. أما ان القط يسير في شكل متعرج كما تقول الترجمة، فالقطط حين تلعب لا تسير في خطوط مستقيمة سواء كانت طولية او عرضية، والنص الانكليزي يقول meandered abaut تسير في شكل متعرج او منحرف وخلافه. تقول الترجمة "كان المتسابقون يمارسون تمارين الرشاقة" ويقول حفار "كان متسابقو المئة متر يتمرنون على حركة الانطلاق وكانوا مضطربين". اولاً ليس هناك مئة متر في الترجمة الانكليزية ثم ان المتسابقين كانوا practicing وكلمة limbering فتعني التدرب على مرونة الاطراف سواء الأيدي أو الأرجل وهي ماتشبه الالعاب السويدية او تمارين الرشاقة، ولا أدري كيف كانوا مضطربين، فلا يوجد كلمة بهذا المعنى في النص الانكليزي. اما كلمة غيروا الاماكن change sides فتعني بالدرجة الاولى تغيير الاماكن فهل تعني في القاموس الرياضي تغيير الارسال ايضاً؟ لم أجدها هناك. وعلى الرغم من مراجعة البروفات مرتين، فإن هناك بعض الاخطاء المطبعية في الترجمة، وسقوط بعض الكلمات لا يتجاوز الخمس كان من ضمنها كلمة "الألم" "أن تنتزع الألم من سنتي". نأتي الى النقطة الأخيرة وهي التي يقول عنها حفار "سوء الفهم الغريب عن القط الذي بدأ في احسن حال". وأوضح هنا من أين أتى هذا اللبس؟ أولاً بسبب اسلوب غونتر غراس الوصفي الذي يتكون من جمل مقطوعة لا ترتبط سابقتها بلاحقتها مباشرة، وثانياً ان هناك اصطلاحاً انكليزياً ldiom يعني في أحسن حال أو أحسن شكل showed bid and tucher وليس بالضرورة أن يكون موجوداً في اللغة الالمانية، وقد أخذت بالمعنى الاصطلاحي الشامل للجملة، ولم أترجم الجملة، كجملة عادية وليست اصطلاحية، ومن هنا نشأ اللبس. عموماً الخطأ وارد، عند المترجم الانكليزي والمترجم العربي وأي مترجم، والسهو والخطأ صفتان في الانسان، وجل من لا يسهو، ورفقاً بالمترجمين، وكما قلت سابقاً أن الاختلاف لا يفسد للود قضية ما دام هدفنا الصالح العام. أحمد عمر شاهي