يبدو أن أكثرية الصحف العربية تستعجل السلام مع إسرائيل كما الأنظمة العربية، ويذهب بعضها، كما بعض الأنظمة، الى حد استعجال التطبيع معها قبل التوصل الى السلام واستعادة الأراضي المحتلة والحقوق المغتصبة. وفي المقابل فإن الصحف الاسرائيلية، كما الحكومة الاسرائيلية، تستبطئ السلام مع العرب. فالمتابع لما ينشر في هذه وتلك عن كل منهما يلاحظ الحضور الكثيف والمتزايد للصحف الاسرائيلية في الصحافة العربية ويلاحظ في المقابل انعدام أي حضور للصحافة العربية في الصحف الاسرائيلية. قبل عقدين وأكثر بالكاد، كان القارئ يجد في الصحف العربية مقالاً مترجماً عن صحيفة اسرائيلية، وإن وجد هكذا مقال فقد كان ينشر تحت عنوان: من صحف العدو. لكن الحال تغيرت منذ نحو عقد، وتحديداً منذ انعقاد مؤتمر مدريد وانطلاقة المفاوضات بين الدول العربية واسرائيل والتوصل الى اتفاقات وإقامة علاقات معها. فقد أقبلت صحف عربية عدة على ترجمة ما ينشر من مقالات ومقابلات في الصحف الاسرائيلية وخصصت مساحات واسعة لها فيها، وتبدو الصحف العربية حالياً وكأنها تتسابق على نشر أكبر عدد ممكن من هذه الترجمات يومياً بعد 24 أو 48 ساعة من نشرها في الضفة الاسرائيلية، معتمدة على ذلك على مكاتب متخصصة بالترجمة موجودة في الصحف الغربية، أو على مترجمين خاصين بها يحصلون على نصوص هذه المقالات من الصحف الاسرائيلية المنشورة على شبكة الانترنت، ويلاحظ حالياً: أولاً - وجود صحف عربية عدة تخصص صفحة كاملة يومياً لنشر مقالات مترجمة عن الصحف الاسرائيلية. ثانياً - ان صحفاً أخرى اكتفت بتخصيص صفحة مرة أو مرتين في الأسبوع لنشر مقالات مترجمة عن الصحف الاسرائيلية. ثالثاً - وجود فئة ثالثة ارتأت أن تنشر يومياً مقالاً أو مقالين مترجمين عن الصحف الاسرائيلية. رابعاً - ان صحفاً عدة لم تكتف بنشر هذه الترجمات بل ذهبت الى أبعد من ذلك حين لجأت إلى: 1 - اعتماد مراسلين لها في تل أبيب لموافاتها بالأخبار. 2 - إيفاد صحافيين منها لزيارة اسرائيل ونشر تحقيقات منها. 3 - نشر مقابلات مع مسؤولين اسرائيليين. 4 - استكتاب صحافيين اسرائيليين. 5 - نشر كتب اسرائيلية على حلقات. ليس مبالغة القول الآن ان الكمّ الكبير لمجموع ما ينشر يومياً في الصحف العربية من أخبار وتعليقات ومقالات ومقابلات مترجمة عن الصحف الاسرائيلية يساوي إذا ما جمع معاً صحيفة يومية لا يقل عدد صفحاتها عن 12 صفحة، يمكن وصفها بأنها صحيفة اسرائيلية منشورة بالعربية وناشرها ليس اسرائيلياً وإنما مجموعة من الناشرين العرب. في المقابل لا تتعامل الصحف الاسرائيلية بالمثل مع ما ينشر في الصحافة العربية، فالصحف الاسرائيلية لا تكترث كثيراً بما تنشره الصحف العربية من مقالات وتعليقات عربية ولا تترجم نصوصها الى اللغة العبرية لاطلاع القارئ الاسرائيلي على تلك المقالات، وأقصى ما يمكن أن تنشره تلك الصحف هو خبر عن مقال أو مقابلة ان كان هناك ما يستدعي نشره، الأمر الذي يدفع الى القول أن الصحف الاسرائيلية موجودة في الصحافة العربية بينما الصحافة العربية غائبة أو لا وجود لها في الصحف الاسرائيلية. كما يدفع الى طرح جملة من التساؤلات عن الأسباب التي تدفع الصحف العربية الى ايلاء كل هذا الاهتمام بما ينشر في الصحف الاسرائيلية والتسابق على نشره فيها، وعن الأسباب التي تجعل الصحف الاسرائيلية تمتنع عن ترجمة ونشر مقالات منشورة في الصحف العربية، ومن تلك التساؤلات: أولاً - هل سبب اقبال الصحف العربية على نشر كل هذه الترجمات هو رغبة هذه الصحف في تعريف القارئ العربي بما ينشر في اسرائيل لاطلاعه على ما يفكر الاسرائيليون به وكيف يفكرون وماذا يريدون؟ لماذا هذه الرغبة وما هي ضروراتها وهل يحتاج القارئ العربي الى كل هذا الكم من نتاج الصحف الاسرائيلية؟ هل تساءل القائمون على هذه الصحف عن أثر نشر المقالات الاسرائيلية على الرأي العام العربي؟ وهل حاولت ان تجري استطلاعاً للرأي العام حول هذه المقالات من حيث أهميتها وضرورتها ومن حيث فوائدها وأضرارها؟ ثانياً - هل تقبل الصحف العربية على نشر هذه الترجمات تأكيداً منها على اعتماد السلام مع إسرائيل خياراً استراتيجياً كما الأنظمة العربية؟ وهل من ضرورات اعتماد هذا الخيار نشر هذه الترجمات؟ ألم تتجاوز الصحف العربية عبر نشر المقالات والمقابلات المترجمة خيار السلام وصولاً الى التطبيع؟ ثالثاً - هل تلجأ الصحف العربية الى نشر هذه الترجمات بسبب افتقادها الى كتّاب وباحثين عرب متخصصين جيداً بالشؤون الاسرائيلية وقادرين على اطلاع الرأي العام على ما يفكر به الاسرائيليون؟ وفي المقابل، هل يمكن القول ان من أسباب امتناع الصحف الاسرائيلية عن نشر الترجمات لمقالات عربية امتلاكها لكتّاب وباحثين اسرائيليين متخصصين جيداً بالشؤون العربية؟ ثم لماذا يكتب الاسرائيليون عنا من دون حاجة للنقل منّا، ولماذا يكتبون أحياناً عنا بأفضل مما نكتب نحن عن أنفسنا، ويعرفون عنا أكثر مما نعرف نحن عنا؟ هل سبب ذلك هو الحريات المتاحة لهم في المعرفة والتفكير والتعبير؟ رابعاً - ما مدى ارتباط مسألة الترجمة بالقوة والضعف وتعبيرها عنها أو كونها انعكاساً لها؟ من المعروف أن الأضعف يقلّد الأقوى ويترجم عنه أفكاره وسلوكياته، فهل الترجمة عن الصحف الاسرائيلية بمثابة اعتراف واقرار بالضعف العربي تجاه اسرائيل حتى على مستوى الصحافة؟ وهل امتناع الصحف الاسرائيلية عن الترجمة عن الصحف العربية سببه قوة اسرائيل وقوة صحافتها؟ هنا تجدر الإشارة الى أن الصحف العربية تترجم أيضاً عن صحف دول قوية أخرى في مقدمها الولاياتالمتحدة وبريطانيا وفرنسا، بينما الصحف الغربية، كما الاسرائيلية، لا تترجم عن الصحف العربية. أخيراً، هذه التساؤلات وعشرات غيرها هي برسم الصحافة العربية وبرسم نقابات واتحادات الصحافيين والناشرين والموزعين في الدول العربية وبرسم جبهات مقاومة التطبيع في هذه الدول. * كاتب فلسطيني مقيم في دمشق.