بين الترجمة وكتابة الشعر والرواية، يواصل المصري ياسر شعبان (1969) ولعه بالأدب، بعد أن ترك مهنة الطب. صدرت له أخيراً ترجماته لرواية «العين» للكاتب الروسي فلاديمير نابوكوف، و «رسائل تشيخوف العائلية»، و «المنزل المظلم - قصص لصادق هدايت»، و «استراحة محارب - حوارات الحرية والإبداع». أصدر مجموعته الشعرية «بالقرب من جسدي» عام 1996، وصدرت له مجموعة شعرية أخرى العام الماضي تحت عنوان «كلام كائن عادي»؛ وله ثلاث روايات: «أبناء الخطأ الرومانسي»؛ «أبناء الديموقراطية»، و «المصائر». ويبدو للمتابع أن إنتاجه كمترجم منذ العام 1990 جارَ على إبداعه، ومن أهم ترجماته «الجبل الخامس» لكويلهو، و «السيد ستون» لنايبول، و «لعبة ويستنغ» لراسكين. هنا حوار معه: صف لنا عملك كمترجم، كيف تختار الكتاب؟ ولماذا؟ وما مردوده الثقافي في تصورك؟ - الترجمة تمثل لي استراحة محارب؛ إذ تتيح لي فرصة للتعرف الى أساليب كتابة مختلفة تشجعني على المغامرة. وللأسف ما زالت الترجمة في مصر والعالم العربي مجهوداً فردياً؛ أبعد ما يكون من الفكر المؤسسي، بغض النظر عن جهود عدد من دور النشر والمركز القومي للترجمة؛ في هذا الصدد. فحتى يكون للترجمة دور فعال ثقافياً، يجب أن تكون مشروعاً متكاملاً؛ يبدأ من تحديد احتياجات المجتمع عموماً والوسط الثقافي بخاصة. وفي ضوء تحديد هذه الاحتياجات يتم اختيار الكتب لترجمتها بواسطة لجان متخصصة، ثم تكليف مترجمين أكفاء لترجمتها وبعد ذلك لا بد من توفيرها بأسعار معقولة وتوزيعها توزيعاً جيداً وليس ركنها في المخازن. هكذا يصبح للترجمة دور وفاعلية ثقافية ومجتمعية، وبغير ذلك سيظل الأمر مقصوراً على ذائقة المترجم واختياراته، وتوجهات دور النشر التجارية ومصادر التمويل التي تميل لتمويل مشروعات بعينها. هل ما نشر لك أخيراً عبر دار «بيت الياسمين» أعمال جديدة؟ - نشرت «بيت الياسمين» أربعة كتب من ترجمتي، اثنان صدرا قبل ذلك وهما رواية «العين» للكاتب الروسي فلاديمير نابوكوف، وصدرت طبعتها الأولى عام 2000 عن دار «ميريت»، والثاني كتاب «رسائل تشيخوف العائلية» وصدرت طبعته الأولى عام 2014 مصاحبة لمجلة «الدوحة» القطرية. أما الكتابان الآخران (المنزل المظلم - قصص لصادق هدايت، استراحة محارب - حوارات الحرية والإبداع) فهما جديدان. هل يعني ذلك أنك تميل حالياً إلى التوسع في نشر ما تترجمه؟ - ليس ميلاً، بل هو تعامل مع المتاح. فواقع النشر في مصر مترهل. عندنا عدد لا يحصى من دور النشر، لكن القليل منها لديه وعي ووجهة نظر واستراتيجية. وكما هو معلوم أنا خارج التربيطات وغيتوهات المصالح. وبالتالي أنا خارج حسابات عدد من دور النشر التي تعتمد على تبادل المصالح من دون اهتمام بالقيمة. كذلك لديّ موقف منذ سنوات، يتمثل في رفض نشر أي عمل من ترجمتي من دون مقابل مادي ولا أقبل بالدعابة السمجة التي يطلق عليها الناشرون الحصول على نسبة من التوزيع لأنه من المستحيل الوصول لأي نسب توزيع. وبالنسبة إلى نشر كتاباتي، فلديّ موقف قديم لا يتغير، لن أدفع مليماً لأنشر، يكفي أنني لا أحصل على شيء غالباً. لم أحصل على مقابل مادي لنشر كتبي إلا من هيئة قصور الثقافة ومن الدار العربية للعلوم. وأظن تكفي الإشارة إلى أن الكتابين المترجمين؛ «المنزل المظلم»، و «استراحة محارب» جاهزان للنشر منذ سنوات، وهناك أربعة كتب أخرى اتفقت على نشرها عبر دار «تبارك»، وكتابان آخران ينتظران الاتفاق مع ناشر، هما «الطريق إلى نوبل»، و «عشاق خالدون». وبالمثل لديّ أربع مجموعات شعرية تنتظر النشر، ورواية حاصلة على منحة مؤسسة «آفاق»، ومجموعة قصصية للأطفال. وهل الاتجاه إلى الشرق، كمترجم، (إيران وروسيا) مقصود؟ - ليس اتجاهاً إلى الشرق، فأنا أترجم ما أحب، ولقد أحببت «العين» لنابوكوف عندما قرأتها للمرة الأولى عام 1999 وترجمتها لتنشر في «ميريت»، وكذلك الحال مع قصص صادق هدايت. هل الواقع الثقافي يرضيك بردود فعله تجاه ما تكتب وتترجم؟ - من زمان لا أشغل نفسي بما يكتب عني أو عن أعمالي، فلست مهتماً بالشهرة، وأجدها زائفة ومضللة، فأنا أكتب وأترجم ما أريد، وبمجرد نشره يصبح سلعة متداولة على الناشر أن يعمل عليها لترويجها، ولهذا لا أهتم بعقد ندوات أو حفلات توقيع أو الظهور في التلفزيون ونادراً ما أوافق على إجراء مقابلات صحافية. أما الواقع الثقافي، فللأسف يعتمد في غالبه على تبادل المصالح، وبالتالي تجده مقسماً لغيتوات لا ترى ما أو من خارجها. والمتابع سيدرك هذا ببساطة، فهناك مجموعة أسماء محددة يتم تدويرها بين دور النشر ذات السطوة وبين الأخبار والمقالات الصحافية وكذلك الجوائز، ولا يضاف اسم إلا بعد انضمامه إلى غيتو ما لسبب أو لآخر. وللأسف أدت هذه الحالة إلى ترهل وتخمة بسبب وفرة الكتب المنشورة، مع تراجع شديد في المتابعات النقدية الجادة التي تهتم بالكتابة وليس بالكُتّاب. أنت ضد فكرة تقسيم الفنون، وتؤمن بتكاملها، ولكن يبقى الشعر لديك مؤجلاً، وتبدو الترجمة هي الغاية المأمونة... صحيح؟ - أقرأ وأكتب وأترجم كجزء من ممارساتي اليومية، ليست مهنة كاملة وليست هواية، بل ممارسة من ضمن ممارسات أخرى في حياتي. وفعلاً لديّ قناعة شخصية بتكامل الفنون بعيداً من التصنيفات ذات الأغراض النقدية. فالإبداع سابق على النقد، ومن غير المقبول لي أن يستسلم المبدعون لسطوة النقاد ورغبتهم في الهيمنة لأسباب مختلفة بعضها مهني وبعضها نفسي. وبالنسبة الي، كتابة الشعر تتطلب كثيراً من الإنصات قبل الكتابة، والشعر يفرض نفسه فرضاً ولا يمكن جلبه مهما حاولت ومهما كنت موهوباً، خصوصاً إذا كنت تبحث عن التجديد أو الكتابة بالطريقة التي تراها مناسبة لك. وعلى رغم ذلك فلديّ – كما قلت - مجموعات شعرية عدة لم تُنشر بعد، أما الترجمة فتمثل لي استراحة المحارب في كثير من الأحيان، فليس بالضرورة كل ما أترجمه أنشره أو يكون بغرض النشر، فكثيراً ما أترجم على سبيل التدريب عندما أكون غير قادر على الكتابة. فالترجمة تتيح لي فرصة للتعرف الى أساليب كتابة مختلفة ومغامرات إبداعية تشجعني على المغامرة. لم يحمل غلاف كتابك «كلام كائن عادي»، الصادر حديثاً عن دار «روافد»، أي إشارة إلى النوع الأدبي، فهل هذا مقصود؟ ولماذا تأخر نشر هذا الكتاب على رغم انتهائك من كتابته قبل سنوات؟ - تأكيداً، مقصود صدور الكتاب من دون أي إشارة للنوع الأدبي، فهو محاولة نزقة لكتابة الكلام أو للكتابة بإيقاع الكلام، وترجع هذه المحاولة النزقة لاهتمام قديم مقيم بالإيقاع وتعدد الأصوات في ما أكتب بالإضافة إلى قناعتي بالتكامل الإبداعي وبأن الإبداع ليس منفصلاً عن باقي أنشطة وممارسات مَن يُطلَق عليه (المبدع). ويعود تأخر صدور الكتاب إلى جملة من الأسباب، من بينها رفضي أن أدفع لأنشر، وجرأة المحتوى سواء على مستوى الشكل أو المضمون؛ وأخيراً عدم حماس أكثر من ناشر لنشر كتاب من دون إشارة إلى النوع الأدبي بخاصة لشخص مثلي لا ينتمي إلى أي غيتو كما أشرت سابقاً. وأخيراً عرضته على مدير «روافد» الشاعر إسلام عبدالمعطي الذي تحمس لنشره.