} طوت بريطانيا صفحة من الجدل في شأن الجنرال اوغوستو بينوشيه، بعدما اقلعت به طائرة من قاعدة جوية شرق انكلترا متجهة الى تشيلي، وسط احتجاجات من جانب منظمات حقوق الانسان التي كانت ترغب في محاكمته ب"جرائم" ارتكبت في عهده. واعد انصار الرئيس التشيلي السابق احتفالات في استقباله، فيما لزمت سانتياغو الصمت رسمياً. وقف المراسلون والمصورون الصحافيون تحت رذاذ من المطر امس، يراقبون موكباً من السيارات، ذات الزجاج الداكن تقل احداها الجنرال اوغوستو بينوشيه، يغادر المنزل الفاخر في وينتوورث جنوب غربي لندن حيث مكث الجنرال، قيد الاقامة الجبرية منذ أواخر 1998. كانت الساعة العاشرة صباحاً بتوقيت غرينتش، لكن مجموعة من المتظاهرين كانت وصلت مبكراً الى خارج المنزل. وتعالت صرخات بينهم: "قاتل" و"نريد العدالة"، فيما غطى صيحاتهم هدير هليكوبتر تابعة للشرطة حلقت في اجواء المنطقة، في اطار التدابير الامنية المشددة التي رافقت الحدث. وانطلقت السيارات مسرعة، تتقدمها دراجتان ناريتان، في طريقها الى قاعدة وادينغتون الجوية شرق حيث كانت طائرة تابعة لسلاح الجو التشيلي في انتظار الجنرال. وسرعان ما اقلعت الطائرة لتختفي وراء ستار من الضباب والغيوم. وطويت بذلك صفحة من الجدل استمر 17 شهراً حول طلب اسبانيا وعدد من العواصم الاوروبية تسليمها بينوشيه لمحاكمته. وكان وزير الداخلية البريطاني جاك سترو مهد للافراج عن الرئيس التشيلي السابق البالغ من العمر 84 عاماً، باعلانه وقف كل الاجراءات لتسليم الاخير الى اسبانيا ورفض طلبات قدمتها فرنسا وسويسرا وبلجيكا لتسلمه. واغلق القرار الباب في وجه كل الطعون المحتملة في قرار سترو الافراج عن بينوشيه لاسباب صحية. وشجع لندن على الحسم في المسألة، تخلي اسبانيا عن استئناف حكم بريطاني يثني على قرار الوزير، واعلان بلجيكا مساء اول من امس ان "هامش المناورة في مجال القضاء يبدو ضيقا جدا الان" امام خصوم الجنرال. وابلغ وزير الداخلية البريطاني مجلس العموم البريطاني في وقت لاحق، ان "السناتور بينوشيه غادر منطقة الصلاحية القضائية البريطانية"، مشيرا الى ان ذلك يعتبر "وضعا لا سابق له". ورد بعض النواب بهمسات ارتياح، بينما لم يخف البعض الاخر عبارات استهجان. واكد سترو في ملف خطي قدمه الى المجلس ان "محاكمة متهم في حال مثل حال بينوشيه، لا يمكن ان تكون عادلة في أي بلد"، مشيراً الى تشخيص اربعة اطباء رأوا ان الجنرال لا يمكن ان يحاكم لاسباب تتعلق بصحته، علماً ان القضاة الاسبان والفرنسيون والبلجيكيون الذين كانوا يريدون محاكمة بينوشيه، لا يقرون بان حاله الصحية على هذه الدرجة من الخطورة. وجاء رد الفعل الدولي الأبرز من جانب الرئاسة الفرنسية التي دعت سانتياغو الى محاكمة الجنرال، معربة عن الامل في احقاق العدالة سواء كان ذلك في بريطانيا او تشيلي. وفي سانتياغو، تلقى انصار بينوشيه نبأ الافراج عنه بفرح عارم. وشهدت الاحياء الفاخرة في العاصمة احتفالات بهذا الحدث. اما المدافعون عن حقوق الانسان، الذين سعوا منذ وصوله الى لندن للعلاج في تشرين الاول اكتوبر 1998 الى محاكمة بينوشيه، فاعترفوا بخيبة املهم لكنهم اعتبروا مع ذلك انهم حققوا نصرا في مجال حقوق الانسان. وقال ناطق باسم منظمة العفو الدولية: "حتى ولو عاد بينوشيه الى تشيلي اليوم، فان هذه السابقة ستبقى الاهم منذ محاكمات نورمبرغ" التي طاولت النازيين بعد الحرب العالمية الثانية. ولن يكون الرئيس السابق في منأى عن المطالبات بمحاكمته، بعد عودته الى تشيلي، اذ اعلنت جمعية اهالي السجناء المفقودين في عهده انها ستطلب من القضاء التشيلي رفع الحصانة مدى الحياة عن السناتور ليحاكم في 58 شكوى مرفوعة ضده في البلاد