عقد مجلس الأمن امس جلسة علنية خصصت للمرة الأولى لمناقشة الوضع الانساني في العراق، والذي وصفه الأمين العام للامم المتحدة كوفي انان بأنه "يشكل مأزقاً اخلاقياً" للمنظمة الدولية. واستبعدت عن الجلسة الدول التي لا تحتل مقاعد في مجلس الأمن بسبب المواقف الاميركية، وتبنت بعثة الولاياتالمتحدة دعوة الأمين العام الى زيادة المبالغ المخصصة لقطع الغيار للمنشآت النفطية العراقية وحولتها امس الى مبادرة لها بمشروع قرار اميركي بعدما عارضت واشنطن الجهود الروسية - الفرنسية لرفع تلك المخصصات من 300 الى 600 مليون دولار. واشترط المشروع ان تنحصر المبالغ في قطع غيار للمنشآت في ميناء جيهان وميناء البكر كي لا تساهم في تعزيز عمليات "التهريب" عبر ميناء البصرة ومرافئ أخرى. وخاطب انان مجلس الأمن قائلاً: "ان الوضع الانساني في العراق يشكل مأزقاً اخلاقياً لهذه المنظمة". وزاد ان "الأممالمتحدة لطالما وقفت مع الضعيف وسعت الى رفع المعاناة، ولكن ها نحن الآن متهمون بأننا سبب المعاناة لشعب كامل. فنحن بصدد خسارة المناقشة، أو الحرب الاعلامية، ان لم نكن خسرناها فعلاً، في شأن تحديد المسؤول عن الوضع: الرئيس صدام حسين أم الاممالمتحدة". وذكر انان ان الشعب "سيكون دائماً الضحية الى حد ما، ضحية حكومته والاجراءات التي تتخذ ضدها. ان اي نتيجة مرضية هي في عودة الدولة المعنية العراق الى التعاون الكامل مع قرارات مجلس الأمن، بما يؤدي الى انهاء العقوبات بأسرع ما يمكن". وانتقد تعليق عقود عراقية وانعكاسه على الوضع الانساني، داعياً الحكومة العراقية الى اتخاذ الخطوات الضرورية لضمان التوزيع الفوري للسلع المستوردة. وانتقدت دول استبعادها من جلسة المجلس، وقال ديبلوماسي خليجي اشترط عدم ذكر اسمه: "في اصرار الولاياتالمتحدة على منع الدول من المشاركة غباء سياسي يتناقض مع التوجه الدولي خصوصاً ان هناك اجماعاً على تدهور الوضع الانساني في العراق". وواجهت اميركا وبريطانيا انتقادات من دول اعضاء في المجلس بسبب سياسة تعليق العقود في لجنة العقوبات، واستمرار القصف في منطقتي الحظر الجوي في شمال العراق وجنوبه. وتحدث السفير الروسي، سيرغي لافروف، عما وصفه بالوضع المأسوي في هذا البلد، معتبراً ان الشعب العراقي بات "منبوذاً" على الساحة الدولية، ومشيراً الى "الوضع الكارثي" للبنية التحتية في العراق والقطاع النفطي. وحض على تغيير جذري في تعامل لجنة العقوبات مع العقود للكف عن تعليقها. وتطرق لافروف الى فرض اميركا وبريطانيا منطقتي الحظر الجوي، وقال ان الطائرات الاميركية والبريطانية دخلت أجواء العراق أكثر من 20 ألف مرة منذ 1998، وان 43 في المئة من عملياتها اسفرت عن ضحايا، بينهم 57 قتيلاًَ و133 جريحاً في الجنوب، و87 قتيلاً و330 جريحاً في الشمال. وتساءل: "كىف يمكن مطالبة العراق بالتعاون فيما يستمر قصفه". ودعا الى حصر الشرط اللازم لتعليق العقوبات بعودة المفتشين الدوليين، ورأى ان "التنفيذ الشامل للقرار 1284 هو السبيل الوحيد لمنع تفكك النسيج الاجتماعي في العراق". "جيل العقوبات" أما السفير الفرنسي، جان دافيد ليفيت فتحدث عن "جيل العقوبات" في العراق، مشدداً على أنه "جيل ضائع". وقال: "نعترف بأن الحكومة العراقية تتحمل جزءاً كبيراً من اللوم بسبب هذا الوضع الكارثي، لكن مجلس الأمن يجب أن يعترف بأخطائه ومسؤوليته حيال هذه المسألة التي باتت غير قابلة للجدل وجلبت له ادانة متزايدة من الرأي العام العالمي". وحض المجلس على الاعتراف بأن قيمة العقود العراقية المعلقة في اطار برنامج "النفط للغذاء" بسبب المواقف الأميركية - البريطانية بلغت 1.7 بليون دولار "وهذا غير مقبول"، مشدداً على أهمية اطلاع مجلس الأمن على ما يجري في العراق كي يحسّن وضعه الانساني. وعرض نائب المندوب الأميركي السفير جيمس كنينغهام، في كلمة مطوّلة مواقف واشنطن، وقدم اقتراحات لتحسين برنامج "النفط للغذاء"، كما قدمت البعثة الأميركية ورقة تحت عنوان "عشرون فكرة لتحسين البرنامج" بينها تمكين وكالات الأممالمتحدة المشرفة على البرنامج في شمال العراق من "ادارة برامج مشابهة في بقية أنحاء البلاد نظراً الى سجل الحكومة العراقية السيء في تأمين الحاجات" للسكان. وتشدد الأفكار الأميركية على ضرورة وقف الدول المتورطة بالتهريب من العراق وإليه، هذه الممارسات. كما تطالب بأن يتمكن المفتشون النفطيون من تفتيش مصافي النفط "أينما كان في العراق، للتأكد من ان العائدات توضع في الحساب المعلق" الذي تشرف عليه الأممالمتحدة. كما اقترحت ان يحدد مجلس الأمن طرقاً جديدة للمواد النفطية العراقية. واتهم كنينغهام بغداد باستغلال البرنامج الانساني لغايات لا علاقة لها بتحسين الوضع الانساني. مقر "مجاهدين خلق" على صعيد آخر، كشفت وزارة الخارجية الأميركية أمس صورة مأخوذة عبر الأقمار الاصطناعية لمقر منظمة "مجاهدين خلق" الايرانية المعارضة في العراق، أكدت ان الرئيس صدام حسين بناه في الفالوجة على مسافة 40 كلم غرب بغداد. وجاء في بيان للوزارة ان هدف توزيع الصورة هو اظهار ان "صدام يصرف الأموال المتوفرة لديه لدعم الارهاب ولتهديد جيرانه وليس لمساعدة الشعب العراقي". ولاحظ البيان ان العراق يواصل بناء مقر "مجاهدين خلق" الذي تبلغ مساحته حوالى 6.2 كلم مربع، وهو قادر على استيعاب 3-4 آلاف من اعضاء المنظمة، وان العراق "استعمل أموالاً حصل عليها في تهريب النفط عبر المياه الايرانية". واتهم البيان مسؤولين ايرانيين بالحصول على عمولات في مقابل السماح للسفن المهربة للنفط بالعبور في المياه الايرانية، وأكد انه من دون تعاون هؤلاء "ليس في امكان صدام تهريب النفط واستعمال الأموال الناتجة عن التهريب لدعم الهجمات الارهابية ضد الأراضي الايرانية".