بعض الغزل الأميركي مع ايران غزلٌ مفتوح أحياناً. بعض الغزل يجري من وراء حجاب، وبعضه رسالات مفتوحة على الهواء المباشر، وبعضه خطابات واتصالات ومواعيد لقاء سرية. ايران لا تزال ضمن القائمة الأميركية للدول المؤيدة للارهاب... وايران هي الدولة التي خطفت ديبلوماسيين أميركيين، واقتحمت السفارة الأميركية، وتعتمد "الشيطان الأكبر" تسمية رسمية وشعبية للولايات المتحدة الأميركية. وايران متهمة، أميركياً، بتأييد "حزب الله" اللبناني والتركي، ومن كل جنسية. وهي متهمة أيضاً بمعارضة السلام العربي - الاسرائيلي، ومساندة "التطرف" الفلسطيني، واحتضان عناصر التطرف الأخرى في العالم، قريباً... وبعيداً. قائمة الاتهامات الأميركية ضد ايران طويلة جدا.ً ومع ذلك، فإن قائمة المغازلات ومحاولات التودد والاقتراب تكاد تعادلها طولاً وحرارة. وتكاد تقترب منها، الآن، قائمة "الاعتذارات". اعتذار عن التأييد الأميركي للشاه ونظامه الذي تصفه مادلين أولبرايت الآن بأنه كان نظاماً قمعياً ووحشياً. واعتذار عن التآمر للاطاحة بحكومة محمد مصدق ذات التأييد الشعبي. واعتذار غريب عن تأييد الولاياتالمتحدة ومساندتها للعراق في حربها مع ايران. واعتراف عجيب بأن الولاياتالمتحدة كانت قصيرة النظر عندما أيدت العراق في حربه مع ايران. ثم تأتي موافقة على تخفيف الحظر التجاري المفروض على ايران، والسماح باستيراد السجاد الفاخر والكافيار الراقي والفستق اللذيذ والفواكه المجففة المعتقة. نفهم من كل ذلك أن الولاياتالمتحدة الأميركية قد أحالت الى التقاعد نظام الاحتواء المزدوج الذي اعتمدته مذهباً جيوبوليتيكياً لسياستها الخارجية في منطقة الخليج. لماذا هذا الغزل وذلك الاعتذار والاعتراف والمراجعة الجذرية للمذهب الجيوبوليتيكي؟ لأن الولاياتالمتحدة الأميركية، في تقييمها لسياساتها الخارجية المستقبلية في المنطقة، تعلم الأهمية التي تمثلها ايران في معادلات التوازن السياسي والجغرافي، امتداداً آسيوياً وبحرياً وثِقلاً سكانياً واقتصادياً وعسكرياً. ولأن الولاياتالمتحدة الأميركية تنظر الى المنطقة العربية، في الجوار وما حوله، فترى عالماً عربياً منقسماً على نفسه، وخفيف الوزن في الموازين السياسية الدولية، تستطيع المخاطرة بإغضابه وإهماله واعتباره من قبيل تحصيل الحاصل. لن تبذل مادلين أولبرايت جهداً يُذكر لمغازلة ليبيا أو ملاطفة السودان، أو الصفح عنهما والعطف عليهما، أو الاعتذار لهما، أو السماح باستيراد الكسكسي أو الحناء منهما، لأنهما فقط دولتان عربيتان ضئيلتان في عالم عربي ضئيل، خيره مبذول على رغم أنفه، وسيفه خشبي مكسور على رغم هتافاته وشعاراته ومؤتمرات وزراء خارجيته. أو ربما كان علينا أن ننتج أرطالاً من الكافيار وأمتاراً من السجاد واطناناً من الفستق والفواكه المجففة، حتى يحبنا الأميركيون ويحترموننا قليلاً ويعتذرون لنا عن سياسة تاريخية قصيرة النظر تجاه القضية الفلسطينية، مثلاً، فيسمحون بمقايضة هذه البضائع اللذيذة مقابل حفنة من اللاجئين الفلسطينيين، أو اضافة أمتار قليلة الى مناطق الحكم الذاتي.