ضيف أجلستني يوماً بشاطئ دجلةٍ ضيفاً وأشعلتَ القصائد كلها حطباً ليدفأ ضيفك البردان لم أدفأ ولم تدفأ وأطلقنا الدخان وكان دجلة ضاحكاً يمضي وكان.. وكان هامش على قصيدة "قف بالمعرّة" في حضرة الأعمى أنشعل شمعةً؟ أم اننا في حضرة الاعمى نجاهر عامدين بقوة الابصار؟ ماذا قلتَ ماذا قلتَ يا أبتِ؟ رؤيا يا أبتِ! أبصر فوق عمود الشعر ظلالاً تهتز وحبلاً يتدلى مناسبة 1929 في حفلة تأبين السعدون ألقيتَ قصائد اربع في يوم واحد تذكر؟ سبقتك عباءتك السوداء الى الحفل وعمامتك الخضراء فلم تلحق بهما كنتَ وراءهما تركض والاشعار تتساقط من جيبك، أيكما كان الشاعر في حفلة تأبين السعدون؟ الشبيه ذلك البدوي الذي مرّ متطلّعاً الى شرفتك في براغ لم تعره انتباهاً… لماذا؟ مع انه يطالعك مراراً في المرآة وهو يلوّح بيديه كقائد اوركسترا منهمكاً في القاء الشعر السفينة لستَ غاراً لنضفر اوراقه ولا حجراً لنصنع منه التماثيل وحين قدمنا اليك لم تكن هناك فحملنا السفينة الى البحر أتثقبها؟ اتطلق ريحك غضبى لتغرقها؟ أتصرخ في وجه ربّانها؟ أم تراك السفينة كنتَ وقد مُسختْ بشرا؟ هامش صغير "اليوم قال لي… انني سأكون وعمّا قريب شاعر العراق الاول" الجواهري سأل الجُمَحي 1 وقد عرّفناه بشاعرنا الاول: - "ومَن الثاني؟" - قلنا: "هذا ما لا يعرفه احد لكن قد يعرفه شاعرنا الاول". حلم حلم الشاعر يوماً بوحوش كاسرةٍ في اقفاصٍ تتطلع فيه وحين أفاق من الحلم رأى نفسه في قفصٍ فارتاع وعاد الى احلامه ثانية يبصر اقفاصاً ووحوشاً كاسرةً تتطلّع فيه. عقوق 1950 يلتجئ الناس الى نارك في البرد ويخشون رمادك… حين بكى الطفل من الجوع وأطرقت الام من الحزن وكدتَ تشيّع آخر اطفالك منتحباً تتلمّس حيطانا لا باب لها لم يقرب من بيتك احد. محنة ها أنتَ تخاطبك الاشباح وحيداً في مملكة لا يسكنها الناس ولا يقربها حتى الشعراء. الكوفة الحامية التي حملها الجند في الصحراء ولم تبلغ المدائن الشاخصة ابداً الى السماء وقد سال دم كثير… كثير على الارض الرملة التي أوقفت القمرين ليلتقيا المسبيّة القادمة بثياب الأسر الى قبر في الشام لتلقاك كما كنتَ كما كنتَ بهيْاً. كتاب الرمل أثر على حجر برملة كوفة الحمراء تلك منازل اندثرت وتلك طلولها تمتد انت الروح هائمة تنوح… بصيرة الاعمى كتاب الرمل والكثبان تقطعها الى تلك الطلول وما تردد في كتاب الرمل: "هذا مبتغاك وذاك قبرك والسبيل هو السبيل". كلاسيك أنبيك أنّى بدارٍ ليس ساكنها الا الحثالة من مكذوبة النسبِ يبكون منفى وفي المنفى لهم وطنٌ يفدونه برخيص الروح والنشبِ ومنهمو صاحبٌ يمشي على كبرٍ مشْي البهائم نحو الماء والعشبِ أنبيك ان بغاث الطير قد نطقتْ وان جل خيول القوم من قصب وأنني عائذٌ مما اطالعهُ خارت عجولٌ وخارت اصلبُ الركبِ وأقبلت سوقهم تُخلي مآتمهم وسيق للعرض ما يربو على الطلبِ وعادت من غابة الأسلاف ذو ذنبٍ يلغو بغابر انساب، بلا ذنب أما التي حملت في جيدها مسداً فدهرها ابداً حمالةُ الحطب كيف السبيل الى نار تضللني فقد تراءت وما في النار من لهبِ لله كيف استحال المرتجى اجلاً وكيف أضحت فتاتٌ غاية الأرب وكيف ان غراباً ناعباً هرماً أضحى يُقال له: "صنّاجة العرب" وأسوأ الخلق أنصابٌ يطوف بها من لا يفرّق بين النبع والغَرَبِ 1 النشب: المال. 2 النبع: شجر يُعرف بقوته. تُتخذ منه السهام والقسي. 3 الغرَب: شجر معروف بسهولة انكساره. 1 محمد بن سلاّم الجمحي صاحب طبقات الشعراء