أسبوع أبوظبي للاستدامة: منصة عالمية لبناء مستقبل أكثر استدامة    إستراتيجي مصري ل«عكاظ»: اقتحامات «بن غفير» للأقصى رسالة رفض لجهود السلام    خادم الحرمين يتلقى رسالة خطية من الرئيس الروسي    «الإحصاء»: إيرادات «غير الربحي» بلغت 54.4 مليار ريال ل 2023    مدرب قطر يُبرر الاعتماد على الشباب    مجلس التعاون الخليجي يدعو لاحترام سيادة سوريا واستقرار لبنان    المملكة رئيساً للمنظمة العربية للأجهزة العليا للرقابة المالية والمحاسبة «الأرابوساي»    وفد عراقي في دمشق.. وعملية عسكرية في طرطوس لملاحقة فلول الأسد    الجمعية العمومية لاتحاد كأس الخليج العربي تعتمد استضافة السعودية لخليجي27    وزير الشؤون الإسلامية يلتقي كبار ضيوف برنامج خادم الحرمين الشريفين للعمرة والزيارة    تدخل جراحي عاجل ينقذ مريضاً من شلل دائم في عنيزة    وزير الخارجية يصل الكويت للمشاركة في الاجتماع الاستثنائي ال (46) للمجلس الوزاري لمجلس التعاون    استخدام الجوال يتصدّر مسببات الحوادث المرورية بمنطقة تبوك    الذهب يرتفع بفضل ضعف الدولار والاضطرابات الجيوسياسية    استمرار هطول أمطار رعدية على عدد من مناطق المملكة    الفكر الإبداعي يقود الذكاء الاصطناعي    الزبيدي يسجل هدفاً تاريخياً    المملكة ترحب بالعالم    حملة «إغاثة غزة» تتجاوز 703 ملايين ريال    حلاوةُ ولاةِ الأمر    "الثقافة" تطلق أربع خدمات جديدة في منصة الابتعاث الثقافي    "الثقافة" و"الأوقاف" توقعان مذكرة تفاهم في المجالات ذات الاهتمام المشترك    أهازيج أهالي العلا تعلن مربعانية الشتاء    بلادنا تودع ابنها البار الشيخ عبدالله العلي النعيم    وطن الأفراح    شرائح المستقبل واستعادة القدرات المفقودة    الأبعاد التاريخية والثقافية للإبل في معرض «الإبل جواهر حية»    أمير نجران يواسي أسرة ابن نمشان    63% من المعتمرين يفضلون التسوق بالمدينة المنورة    منع تسويق 1.9 طن مواد غذائية فاسدة في جدة    نجران: «الإسعاف الجوي» ينقل مصاباً بحادث انقلاب في «سلطانة»    العناكب وسرطان البحر.. تعالج سرطان الجلد    الزهراني وبن غله يحتفلان بزواج وليد    الدرعان يُتوَّج بجائزة العمل التطوعي    أسرتا ناجي والعمري تحتفلان بزفاف المهندس محمود    فرضية الطائرة وجاهزية المطار !    ما هكذا تورد الإبل يا سعد    واتساب تطلق ميزة مسح المستندات لهواتف آيفون    «كانسيلو وكيسيه» ينافسان على أفضل هدف في النخبة الآسيوية    في المرحلة ال 18 من الدوري الإنجليزي «بوكسينغ داي».. ليفربول للابتعاد بالصدارة.. وسيتي ويونايتد لتخطي الأزمة    تدشين "دجِيرَة البركة" للكاتب حلواني    مسابقة المهارات    إطلاق النسخة الثانية من برنامج «جيل الأدب»    نقوش ميدان عام تؤصل لقرية أثرية بالأحساء    لمن لا يحب كرة القدم" كأس العالم 2034″    المأمول من بعثاتنا الدبلوماسية    أفراحنا إلى أين؟    آل الشيخ يلتقي ضيوف برنامج خادم الحرمين للعمرة والزيارة    %91 غير مصابين بالقلق    اطلاع قطاع الأعمال على الفرص المتاحة بمنطقة المدينة    الصادرات غير النفطية للمملكة ترتفع بنسبة 12.7 % في أكتوبر    اكتشاف سناجب «آكلة للحوم»    دور العلوم والتكنولوجيا في الحد من الضرر    خادم الحرمين وولي العهد يعزّيان رئيس أذربيجان في ضحايا حادث تحطم الطائرة    منتجع شرعان.. أيقونة سياحية في قلب العلا تحت إشراف ولي العهد    مفوض الإفتاء بجازان: "التعليم مسؤولية توجيه الأفكار نحو العقيدة الصحيحة وحماية المجتمع من الفكر الدخيل"    نائب أمير منطقة مكة يطلع على الأعمال والمشاريع التطويرية    إطلاق 66 كائناً مهدداً بالانقراض في محمية الملك خالد الملكية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



موازنة المملكة العربية السعودية لسنة 2001 : ثلاثة بدائل للحكومة لاستخدام فائض الموازنة افضلها تسديد الدين للبنوك والانفاق على مشاريع زيادة الانتاجية
نشر في الحياة يوم 21 - 12 - 2000

يستعرض التقرير التالي أهم ملامح الموازنة السعودية لسنة 2000 ويقترح وجوب توظيف القدر الأكبر من الفائض في الموازنة لسداد الدين الحكومي قصير الأجل للبنوك والمقاولين وللانفاق على المشاريع المرتبطة بزيادة الانتاجية والاستثمارات المنتجة، اذ ان هذا من شأنه أن يزيد من السيولة المصرفية لصالح القطاع الخاص.
موازنة سنة 2000 التقديرية والفعلية
لقد ثبت أن جميع التحليلات الاقتصادية لسنة 2000 كانت خاطئة، فقد كان للزيادة غير العادية في أسعار النفط مفعول السحر في اجراء التقديرات وحققت الحكومة السعودية فائضاً بلغ 45 بليون ريال 12 بليون دولار مقابل عجز قدر بنحو 28 بليون ريال.
وفي حين شهد عام 1998 انخفاضاً كبيراً في أسعار النفط فقد شهدت سنة 2000 ارتفاعاً كبيراً في أسعار النفط، وكما حدث في عام 1998 فقد أعادت سنة 2000 أيضاً صياغة تقديرات الموازنة كلية. ويجدر بنا أن نلاحظ هنا أنه خلال عام 1998 كانت التقديرات تشير الى عجز يبلغ 18 بليون ريال في حين بلغ العجز الفعلي 48 بليون ريال، وبالنسبة لسنة 2000 في حين كان العجز المتوقع هو 28 بليون ريال فقد بلغ الفائض الفعلي 45 بليون ريال، وقد أشارت مذكرة وزارة المال الى أن الفائض سيخصص لتسوية جزء من التزامات الديون وكذلك الدفعات المتأخرة للمزارعين والمقاولين، بيد أنه لم يتم تطبيق دقيق لذلك.
ان اسعار النفط المرتفعة لم تنعكس فقط في حدوث فائض في الموازنة ولكنها أدت أيضاً الى تحسين الأداء الاقتصادي خلال سنة 2000 بشكل مفاجئ، تحسن اجمالي الناتج المحلي بالأسعار الجارية بنسبة 15.5 في المئة ليصل الى 618 بليون ريال بفضل نمو اجمالي الناتج المحلي للقطاع النفطي بنسبة غير عادية بلغت 39.4 في المئة.
وقد نما اجمالي الناتج المحلي بالأسعار الثابتة بنسبة جيدة بلغت 4.4 في المئة خلال سنة 2000، كذلك فقد نما اجمالي الناتج المحلي للقطاع الخاص بنسبة 3.13 في المئة. ونوضح فيما يلي معدلات النمو في القطاعات لسنة 2000:
- القطاع الصناعي غير النفطي: 7 في المئة
- قطاع الانشاءات: 3 في المئة
- قطاع الكهرباء والغاز والمياه: 4 في المئة
- قطاع النقل والاتصالات: 3 في المئة
كذلك فقد سجل الحساب الجاري خلال سنة 2000 فائضاً بلغ 55.6 بليون ريال نتيجة لارتفاع أسعار النفط، وكان الحساب الجاري سجل عجزاً بلغ 14.6 بليون ريال خلال عام 1999.
استعراض موازنة سنة 2001:
تمثل موازنة سنة 2001 موازنة متوازنة بايرادات ومصارف متساوية مقدرة بمبلغ 215 بليون ريال. ويمكن الاشارة هنا الى أن آخر موازنة متوازنة شهدتها المملكة كانت في عام 1985 بلغ حجمها 200 بليون ريال.
ان اعلان الموازنة لم يتضمن تقسيماً للموازنة الى ايرادات نفطية وايرادات غير نفطية، ولكن اذا افترضنا ارتفاع الايرادات غير النفطية بنسبة خمسة في المئة لتصل الى 49.3 بليون ريال، فيمكن تقدير الايرادات النفطية بنحو 166 بليون ريال، ووفقاً لذلك يمكن افتراض أن أسعار النفط التي يمكن تحقيقها للنفط السعودي ستكون في حدود 20 الى 22 دولاراً للبرميل مفترضين مرة أخرى أن الانتاج سيكون في حدود 7.5 - 8 ملايين برميل في اليوم.
ان الافتراض الضمني لسعر خام "برنت" يبدو أنه سيكون في نطاق 23 دولاراً للبرميل، وفي رأينا فان هذا الافتراض الخاص بسعر النفط يعتبر الى حد ما في الجانب المتفائل اذا أخذنا في الاعتبار الكميات الكبيرة من مخزونات النفط التي تراكمت خلال سنة 2000 والتباطؤ المحتمل للاقتصاد العالمي بسبب ارتفاع اسعار النفط.
وفي جانب الانفاق فقذ افترضت الموازنة تخصيص مبلغ 215 بليون ريال لسنة 2000، ويعتبر هذا المبلغ أعلى مبلغ خصص للانفاق في سنة واحدة منذ عام 1994، والمخصصات الرئيسية للموازنة هي كما يلي:
- التعليم: 53.3 بليون ريال 49 بليون ريال سنة 2000
- الصحة والتنمية الاجتماعية: 21.9 بليون ريال 19.9 بليون ريال سنة 2000.
- الخدمات البلدية: 8.7 بليون ريال 7.1 بليون ريال سنة 2000
- النقل: 5.8 بليون ريال 5.6 بليون ريال سنة 2000
- البنيات التحتية: 11.2 بليون ريال 9.1 بليون ريال سنة 2000
وكما نرى من جدول "مخصصات المصاريف" فقد حظيت معظم المجالات المهمة كالتعليم والخدمات الصحية بزيادة جيدة في مخصصاتها. وقد اعتمدت الموازنة انشاء 800 مدرسة جديدة.
ويتوقع أن تؤدي مخصصات الموازنة الى ايجاد 27000 وظيفة جديدة في مجال التعليم والصحة والقطاعات الاجتماعية.
واذا نظرنا الى الانفاق من زاوية أخرى فاننا نجد أن الانفاق في المشاريع يبلغ 67 بليون ريال 31 في المئة من اجمالي الموازنة في حين تبلغ المصاريف الجارية نحو 148 بليون ريال تمثل 69 في المئة من الاجمالي. ويعتبر هذا تحسناً جيداً مقارنة بمستويات عام 1989 عندما كانت نسبة الانفاق على المشاريع 23 في المئة فقط. وكما كان الاتجاه في السابق، فانه يتوقع أن تقفز المصاريف بنسبة 10 في المئة لتصل الى 236 بليون ريال، وفي حالة أن ينخفض متوسط أسعار النفط المتحققة عن الأسعار التقديرية وربما نشهد عجزاً في الموازنة مرة أخرى لسنة 2001.
يوضح نمط الايرادات خلال الفترة السابقة أن أعلى ايرادات تم تحقيقها كانت في سنة 2000 248 بليون ريال نظراً لارتفاع اسعار النفط مقارنة ببقية الاعوام. وفي عام 1992 عندما بلغ الانتاج ذروته عند مستوى 3049 مليون برميل أو 8.35 مليون برميل في اليوم كان اجمالي الايرادات في مستوى متوسط.
واتسم عام 1998 باتجاه غريب، اذ شهدت ايرادات النفط انخفاضاً حاداً ولكن اجمالي الايرادات كان أفضل من عام 1994 الأدنى نظراً لفوائد عملية التنويع، اذ ساهمت الايرادات غير النفطية بنسبة 43.5 في المئة من اجمالي الايرادات.
في حين زادت ايرادات النفط في عام 1999 على العام السابق فإن الايرادات غير النفطية انخفضت بنسبة 24 في المئة وقد كان لانخفاض ايرادات النفط في عام 1998 اثره في عام 1999.
وعلى رغم الجهود المبذولة لتنويع الاقتصاد فاننا لا نرى أي تغيير رئيسي في نمط الايرادات، اذ أن أداء القطاع النفطي مازال المحرك الأساسي لأداء القطاع غير النفطي. ان عدم تناغم نمط الايرادات يشير بوضوح الى حساسية الموازنة لأسعار النفط.
تحليل نمط المصروفات
شهد نمط مصارف الموازنة تقلبات خلال السنوات، فالمصاريف الحالية البالغة 215 بليون ريال أقل من مصاريف عام 1992 التي بلغت 232 بليون ريال، وكذلك أقل من مصاريف عام 1997 التي بلغت 221 بليون ريال. وبعد ارتفاع العجز الذي حدث في عام 1992 كان من المتوقع أن تتحكم الدولة في المصاريف بحيث تناغم الايرادات، ولكن باستثناء عام 1993 و1994 و 1998 وبشكل هامشي في عام 1999، فان الدولة لم تحكم شد الأحزمة وخلال التسعينات حدث مرة واحدة فقط، في عام 1998، ان انخفضت المصاريف الفعلية عن تقديرات الموازنة وحتى ذلك كان بمبلغ بسيط لم يتجاوز 5.9 بليون ريال. وبالنسبة لكل عام من الاعوام الاخرى فان المصاريف الفعلية تجاوزت التوقعات مع أعلى تجاوز حدث في عام 1992. ويعزى ذلك في الأساس الى نمو حجم المصاريف الجارية التي تجد الحكومة صعوبة في الحد منها.
مخصصات الموازنة
اذا نظرنا الى مخصصات الموازنة خلال الأعوام، نلاحظ ان مخصصات تنمية الموارد البشرية قطاعي التعليم والتدريب المهني قد ارتفعت لتبلغ 24.8 في المئة في سنة 2001 بعد أن كانت 17.6 في المئة فقط في عام 1992، أما القطاعات الرئيسية الأخرى التي تمت زيادة مخصصاتها فهي الدفاع والأمن، اذ قفزت مخصصاتهما من 31.82 في المئة في عام 1992 الى 40.51 في المئة في عام 2001. كما شهدت التنمية الصحية والاجتماعية زيادة كبيرة منذ عام 1995، اذ بلغت نسبتها 10.91 في المئة في عام 2001. ويتمثل العامل الآخر الذي شهده هذا الاتجاه في الانخفاض الحاد في مصاريف الادارة العامة والمصاريف الحكومية الأخرى التي هبطت من 27.17 في المئة الى 7.65 في المئة في سنة 2001، وانخفضت مخصصات الاعانات المحلية من 4.65 في المئة الى 3 في المئة في سنة 2001. ويعتبر انخفاض مخصصات هذين القطاعين اتجاهاً ايجابياً، اذ ان انفاق مبالغ كبيرة على الادارة العامة يحد من كفاءة آلية الدولة كما يقلل من قدرتها على الصرف على الموارد المنتجة. ومن ناحية أخرى فان الاعانات تؤدي الى سوء تخصيص الموارد، اذ أن القطاعات غير المنتجة والقطاعات غير المجدية في الاقتصاد تحصل على اعانات نقدية ما يؤدي الى حدوث تشوهات في تقويم آلية المخاطر والعائدات لاقتصاد السوق.
المصاريف الرأسمالية مقابل الجارية
نظراً لندرة البيانات فانه لا يمكن عقد مقارنة بين تقديرات الموازنة والأرقام الفعلية للمصاريف الجارية والمصاريف الرأسمالية، بيد أن الاختلاف في المصاريف الجارية والمصاريف الرأسمالية من سنة الى أخرى يتمثل في أن الأخيرة تنخفض خلال السنوات التي تشهد أوضاعاً مالية صعبة، نظراً لعدم امكانية تخفيض المصاريف الجارية الى أقل من حد معين. وقد وصلت امكانية نسبة المصاريف الجارية الفعلية الى 77 في المئة من اجمالي المصاريف في عام 1998 بينما يتوقع أن تبلغ هذه النسبة ما يقارب 69 في المئة في سنة 2001. ويتوقع أن تؤدي هذه النسبة الكبيرة من المصاريف الحكومية المتجددة الى حدوث تشوهات في القدرة الانتاجية للاقتصاد نظراً لانخفاض حجم الاستثمار الرأسمالي المعني بتحقيق ايرادات في المستقبل.
الدين الحكومي
صرح وزير المال والاقتصاد الوطني السعودي الدكتور ابراهيم العساف يوم الاول من أمس أن الدين الحكومي للمملكة بلغ أكثر من 600 بليون ريال، وبهذا التصريح تكون الحقيقة قد انجلت الى حد ما. غير أن ما يثير القلق هو حقيقة أن هذا الدين ربما يكون أكثر من 600 بليون ريال فإن ذلك ما يعادل نسبة 112 في المئة من الناتج المحلي لسنة 1999 أو 535 بليون ريال.
ان هذا الرقم يعد رقماً كبيراً لأي حكومة، وحسب التقديرات الواردة في أحد تقارير صندوق النقد الدولي فان الدين المحلي للحكومة المركزية يبلغ 602.6 بليون ريال، ويعود معظم هذا الدين الى مؤسسات حكومية وبنوك.
وقد صرح وزير المال أيضاً أنه من اجمالي مبلغ الفائض الذي تحقق خلال سنة 2000 وقدره 45 بليون ريال، يمكن تخصيص مبلغ 33 بليون ريال تقريباً لتسديد الديون وخدمة الديون، أما الجزء المتبقي وقدره 12 بليون ريال فيمكن أن يوجه لتسديد مستحقات المقاولين والمزارعين وكذلك صغار الدائنين، وسيؤدي هذا الى تقليل نسبة الدين الى الناتج المحلي الاجمالي من 112.5 في المئة الى 104 في المئة لسنة 2000.
ان هناك علاقة مباشرة بين عجز الموازنة والدين الحكومي. ويعتبر موضوع عجز الموازنة والدين أمراً معقداً وله أبعاد اقتصادية وسياسية، كما يطرح العديد من المواضيع المهمة التي قد تكون ذات أهمية قصوى للأجيال القادمة. ويطرح هذا الموضوع على وجه التحديد الأسئلة التالية:
- ما هو حجم الدين الحكومي؟
- من هم الدائنون؟
- ماذا يجب على الدولة أن تفعل بالفائض؟
ما هو حجم الدين؟
قبل عام 1982 كانت معظم الموازنات تحقق فوائض، وكان عام 1980 عاماً قياسياً، اذ شهد ذلك العام تحقيق فائض كبير بلغ 112 بليون ريال أي ما يمثل نحو 23 في المئة من اجمالي الناتج المحلي لعام 1980. وقد بدأت حالة العجز خلال عام 1983 نسبة متوسطة شكلت ستة في المئة من اجمالي الناتج المحلي، وارتفعت تلك النسبة تدرجاً إلى مستوى كبير بلغ 25 في خلال عام 1987. ونظراً لأن الدولة ظلت تواجه عجوزات في الموازنة لنحو 17 عاماً منذ عام 1983، فقد بلغ العجز التراكمي في نهاية عام 1999 نحو 92 في المئة من اجمالي الناتج المحلي. ومن الناحية الاقتصادية، يمكن إدارة عجوزات الموازنة من خلال طبع كميات إضافية من العملة أو عن طريق القروض. وإن عملية طبع كميات إضافية من العملة لا تتناسب مع سياسة المملكة التي تتسم بانخفاض معدل التضخم واستقرار نظام سعر الصرف. وعليه، فإن الخيار الوحيد المتبقي هو الاقتراض الذي ظلت تتبعه الحكومة بصورة منتظمة. ومن ثم، فإن القروض التراكمية تشكل الآن ما يقارب 92 في المئة من اجمال الناتج المحلي. وهذه النسبة تعتبر عالية جداً حيث لا يمكن تحملها.
إن الفائض في الموازنة لسنة 2000 قد تم تحقيقه بصفة أساسية من خلال الزيادة في الإيرادات النفطية. ومع أن هذا يعتبر أمراً إيجابياً إلا أنه لا يحدث بصورة مستمرة نظراً لتقلب أسعار النفط والضغوط السياسية من جميع أنحاء العالم التي تنادي بتخفيض سعر النفط. وبناء على تصريح وزير المال بهذا الخصوص، فإن حجم الدين الحكومي بلغ أكثر من 600 بليون ريال أي ما يعادل 112 في المئة من اجمالي الناتج المحلي، وهو رقم كبير جداً بجميع المعايير، وما لم توضع السياسات الواضحة والمحددة للتعامل مع هذا الدين فإن أثره السلبي على الاقتصاد الوطني والموازنات المقبلة سيكون مهماً للغاية.
من هم الدائنون؟
لمن يعود الدين هو السؤال الأكثر إلحاحاً الذي يجب أن نهتم به. يعود الدين الحكومي السعودي إلى ثلاث جهات وهي:
- الدين الذي يعود إلى المؤسسات الحكومية المستقلة وهي المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية وصندوق التقاعد. وهناك نحو 74 في المئة من إجمالي الدين التقديري يعود إلى هذه المؤسسات. وعندما يعود الدين إلى مؤسسة حكومية، فإن هذا الأمر لا يشكل سوى صفقة محاسبية تشير إلى أن هناك قرضاً من مؤسسة حكومية إلى أخرى.
- الدين الذي يعود إلى مستثمرين أفراد ومؤسسات في شكل سندات حكومية طويلة وقصيرة الأجل. وتشكل هذه السندات نحو 21 في المئة من إجمالي الديون التي تعود بصفة أساسية الى البنوك. وفي نهاية الربع الثاني من سنة 2000 بلغت السندات غير المسددة للبنوك 104.45 بليون ريال تمثل مطالبات البنوك على القطاع العام، في عام 1995 بلغت 52.28 بليون ريال.
- قد يعود الدين إلى جهات أجنبية في أشكال مختلفة. وهذا الدين يشار إليه بالدين الخارجي. ونسبة هذا الدين بالمملكة تعتبر ضئيلة للغاية حيث تبلغ خمسة في المئة فقط.
ماذا يجب على الدولة أن تفعل بالفائض؟
بما أن الحكومة قد حققت فائضاً بلغ 45 بليون ريال خلال سنة 2000،فإن السؤال الذي يقفز إلى الأذهان هو: ماذا ستفعل الحكومة بالفائض؟. لقد ظل المركز الاستشاري للاستثمار والتمويل يتابع موضوع الدين الحكومي لسنوات عديدة منذ أن أصبح الدين موضوع اهتمام المحللين الاقتصاديين والسياسيين. ويمكن اعتبار الإجراءات التالية بدائل للحكومة فيما يتعلق باستخدام فائض الموازنة البالغ 45 بليون ريال:
- البديل الأفضل: وفقاً لهذا البديل فإن الحكومة تقسم الفائض إلى جزءين: الجزء الأول لتسديد الدين الخاص بالبنوك والمقاولين وإرجاء الدين الخاص بصندوق معاشات التقاعد والمؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية إلى مرحلة لاحقة. ويتميز هذا النهج في إعفاء الحكومة من دفع عائد مرتفع على السندات الحكومية وسندات المقاولين بالإضافة إلى ضخ سيولة في الاقتصاد السعودي. والسبب في عدم الوضع في الاعتبار تسديد ديون المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية وصندوق معاشات التقاعد فوراً هو أن هذه الديون قد تكون كلفتها أقل من تكلفة السندات التي يتم حسمها في البنوك كما أن هذه المؤسسات شبه الحكومية لديها فائض نقدي موجب نظراً لانخفاض نسبة المتقاعدين إلى نسبة العاملين ليس لديها القدرة الفنية الكبيرة لاستثمارالفائض كما هي الحال لدى البنوك. أما الجزء الثاني من الفائض فيخصص للإنفاق على المشاريع المرتبطة بتحسين الإنتاجية وبالتالي زيادة اجمالي الناتج المحلي. تبلغ نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي حالياً 112 في المئة. ووفقاً لهذه الطريقة فإن الدين سينخفض واجمالي الناتج المحلي سيرتفع وبذلك تنخفض نسبة الدين إلى الناتج الإجمالي تدرجاً مع الوقت.
- البديل المتوسط: تخصيص كل الفائض لتخفيض الدين الحكومي: للبنوك والمقاولين والمؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية وصندوق معاشات التقاعد. وستكون نتيجة ذلك هي انخفاض نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي ولكن بمعدل منخفض عن البديل الأفضل في الأمد الطويل. ذلك لأن الحكومة إذا قامت بتخصيص كل الفائض لتسديد الدين، فيسكون هناك افتراض ضمني بأنه لن يتبقى للحكومة أي أموال إضافية للاستثمار في المشاريع الإنتاجية ما عدا الإيراد المتوقع في الموازنة الجديدة وبالتالي لن يؤدي ذلك الى حدوث تنمية اقتصادية قوية تدفع بعجلة الاستثمار بشكل يؤدي إلى زيادة الطاقة الإنتاجية في الاقتصاد الوطني وإحداث زيادة كبيرة في الناتج المحلي. وبناء عليه، ففي الوقت الذي سينخفض فيه الدين، فإن الناتج المحلي لن يحقق نمواً مهماً مستقبلاً.
- البديل الأسوأ: في هذا البديل، لن تقوم الحكومة بتخصيص الفائض لتسديد الدين أو للإنفاق على المشاريع الإنتاجية بل ستخصصه للاستهلاك أو المصاريف الجارية. وكما هو معلوم فإن المصاريف الجارية أو الاستهلاك لا تؤدي إلى زيادة الإنتاجية. وفي حين يؤدي الاستهلاك إلى حدوث نمو في اجمالي الناتج المحلي في المدى القريب، فإنه لا يؤدي إلى تحقيق إنتاجية أو حدوث نمو اقتصادي على المدى البعيد كما هو الحال بالنسبة للإنفاق على المشاريع الاستثمارية. وهكذا، ووفقاً لهذا البديل، فإن الدين سيظل بدون تغيير أو سيزداد، بينما سيظل الناتج المحلي بدون تغيير تقريباً أو سينخفض.
إن معظم الدين السعودي طويل الأجل مرتبط بالمؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية وصندوق معاشات التقاعد التي تملك مراكز نقدية ضخمة بالنظر إلى النسبة المنخفضة للمتقاعدين إلى العاملين. ومن ناحية ثانية فإن الجزء قصير الأجل للدين العائد إلى المقاولين والجهات الأخرى في هيئة سندات تنمية حكومية بحاجة إلى أخذه في الاعتبار بشكل فوري، بل إن هذه السندات يتم شراؤها مباشرة من قبل البنوك بسعر أقل من قيمتها ثم تقوم باحتجازها حتى تواريخ استحقاقها. إن الأثر الاقتصادي لتخفيض هذا الجزء من الدين العائد للبنوك والمقاولين مختلف عن تحرير الدين الذي يعود للمؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية وجهات أخرى. فتخفيض السندات الحكومية قصيرة الأجل يؤدي إلى تحسين مستويات السيولة لدى البنوك المحلية. ومن ناحية أخرى فإن سداد دين المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية سيشكل إضافة فقط إلى المركز النقدي الحالي للمؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية والتي سوف تضطر إلى الاستثمار في الخارج.
وعليه فاننا نرى وجوب توظيف القدر الأكبر من الفائض الجديد لسداد الدين الحكومي قصير الأجل للبنوك والمقاولين وللانفاق على المشاريع المرتبطة بزيادة الانتاجية والاستثمارات المنتجة.
وحسب تصريح وزير المال والاقتصاد الوطني الدكتور ابراهيم العساف في جدة يوم الاول من أمس فانه يبدو أن الحكومة قد اختارت البديل المتوسط وذلك بتخصيص حوالي 33 بليون من الفائض لصالح الدين المستحق لصندوق معاشات التقاعد، والمؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية، والباقي وقدره 12 بليون ريال لصالح دين المقاولين.
اننا كما ورد سابقاً نفضل تخصيص جزء من الفائض لتسديد الديون المستحقة للبنوك لأن هذا من شأنه أن يزيد من السيولة البنكية لصالح القطاع الخاص ولأن كلفة الديون البنكية قد تكون أعلى من تكلفة الديون من المؤسسات الحكومية، كما أن هذه المؤسسات الحكومية وهي مصلحة صندوق معاشات التقاعد والمؤسسات العامة للتأمينات الاجتماعية تحظى بسيولة نقدية كبيرة، ولا تتوافر لديها الأجهزة الاستثمارية المتوافرة لدى البنوك ولذلك فان الاستثمارات الحكومية قد تكون البديل الأفضل لهذه المؤسسات، فهذه الاستراتيجية من وجهة نظرنا، سيكون أثرها على الاقتصاد الوطني من ناحية توفير السيولة للقطاع الخاص وزيادة الطاقة الانتاجية أفضل من ضخ الجزء الأكبر من السيولة في خزينة صندوق معاشات التقاعد والمؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية، وهي أي هذه المؤسسات ليست في حاجة لهذه الأموال في الوقت الراهن، كما أن الاستثمار الفائض من أموالها في سندات الدين الحكومي يعتبر من الاستثمارات الجيدة في ظل امكانياتها الاستثمارية الفنية ومجال الاستثمار المحدد لها.
ان هذه الأموال لن يتم تدويرها الى القطاع الخاص على هيئة قروض أو استثمارات في الطاقة الانتاجية للاقتصاد الوطني فهذه مؤسسات حكومية غير معنية بالاقراض وغير معنية بالاستثمارات الانتاجية طويلة الأمد، وقد يكون السبب غير المعلن في اعطاء الأولوية لتسديد ديون هذه المؤسسات الحكومية هو خوف الحكومة من حاجتها الى الاستدانة في المستقبل القريب، وتريد أن تضمن بأن يكون لدى هذه المؤسسات الحكومية من الأموال ما يسد حاجة الحكومة اذا دعت الضرورة الى ذلك.
* رئيس المركز الاستشاري للاستثمار والتمويل.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.