علّقت رئيسة حزب "التجمّع من أجل الجمهورية" الديغولي ميشال اليو-ماري أمس، مهام رئيس بلدية باريس جان تيبيري في رئاسة الفرع الباريسي للحزب، في اول اجراء رسمي ضده يصدر عن حزبه. وجاء ذلك بعد أشهر عدّة من الجدل والصخب حول تورطه في الفساد، في أعقاب ما سُمي بقضية الاعضاء الحزبيين الوهميين، اذ قدّم معاونوه لائحة بحوالي 1500 اسم طالبين ادراجها على لائحة الاعضاء الحزبيين. وبعد التدقيق في اللائحة تبين ان 60 اسماً فقط من اصل 1500 يمكن ادراجها على اللائحة المركزية، في حين ان الاسماء الاخرى تعود لأشخاص توفّوا ام انتقلوا من باريس لم يسددوا الرسم المتوجب على انتمائهم للحزب. لكن هذه القضية ليست سوى السبب المعلن، للبدء في تطويق تيبيري وابعاده عن الرئاسة الفرعية لحزب التجمع تمهيداً لابعاده عن رئاسة بلدية باريس. فالشبهات المتعددة تراكمت من حوله على مدى الأشهر الماضية. ولم توفّر زوجته كزافيير التي مثلت امام المحكمة بتهمة تولّي وظيفة وهمية، وجعلته يبدو في مظهر الشخص المثير للارباك والذي بات اذاه اكبر من فائدته على الحزب الذي ينتمي اليه. ورغم ان احدى هذه الشبهات تحولت الى تهمة وجهت اليه رسمياً في 28 حزيران يونيو الماضي بسوء استخدامه لصلاحيات منصبه في اطار عملية تلزيم المساكن ذات الاجور المتدنية التي تتولاها بلدية باريس، لم يترك تيبيري اي مناسبة الا وردد فيها انه عازم على ترشيح نفسه مجدداً لرئاسة البلدية في سنة 2001. وبدأ هذا الاصرار، الذي ترافق مع حملة يشنها الاشتراكيون حول ضرورة تنقية اداء بلدية باريس واضفاء الشفافية عليه، يثير تخوّفا من احتمال خسارة حزب التجمع لرئاسة هذه البلدية التي تعد معقلاً تاريخياً له. كما ان تيبيري عمل على قطع الطريق أمام شخصيات حزب التجمع، المحتمل ترشيحها لخلافته. ووصل به الامر الى حد اعفاء معاونته في المجلس البلدي الوزيرة السابقة فرانسواز دو بانافيو من منصبها بسبب اعلانها عن عزمها ترشيح نفسها، في الانتخابات البلدية المقبلة. في الوقت نفسه، اصبح تيبيري في الآونة الاخيرة يشكّل مصدر ارباك للرئيس الفرنسي جاك شيراك نظراً للترابط القائم بين سيرتيهما السياسيتين. فتيبيري خلف شيراك في رئاسة البلدية، وعمل قبلها ولمدة سنوات عدة معاوناً له، كما ان الرئيس الفرنسي هو الذي عينه قبل 15 عاماً في منصب رئيس فرع حزب التجمع في باريس. وحرص تيبيري باستمرار على ابراز الروابط التي تجمعه بشيراك، وعلى التأكيد بأن هذه الروابط تحول دون تخلّي شيراك عنه. ولكن مثل هذا القول كان يصّح لو ان حزب التجمع يشهد فترة انتعاش وشعبيته في حالة تنامي، فيما الواقع ان هذا الحزب يمر بأسوأ فتراته ويبحث لنفسه عن موقع وهوية، يسمحان له باعادة كسب ما خسره في السنوات الماضية. وعندما يكون على شيراك الاختيار بين حزبه ومعاونه السابق، من الطبيعي ان يكون خياره لصالح الحزب الذي لم يعد قادراً على المجازفة بخسارة موقع آخر جديد بعد خسارته لغالبيته البرلمانية وبالتالي للحكومة. وفي هذا الاطار، وصف قصر الاليزيه الاتصال الذي اجراه شيراك مع تيبيري الذي كان يخضع لفحوصات طبية في مستشفى "فال دو غراس" بأنه انطوى على طابع "انساني" أكثر منه "ودّي" للحؤول دون اقدام رئيس البلدية على استغلال هذا الاتصال كدليل على دعم رئيس الجمهورية المستمر له. والمتوقّع ان تشهد الفترة المقبلة المزيد من الاجراءات لإحكام الطوق حول تيبيري والحدّ من قدرته على الايذاء، عبر تصميمه الذي لا يزال قائماً على ترشيح نفسه لرئاسة البلدية ووصفه للإجراء الذي اتخذته بحقه اليو-ماري بأنه "ظلم لم يسبق له مثيل".