طلب البابا يوحنا بولس الثاني امس الصفح عن الاخطاء التي ارتكبتها الكنيسة الكاثوليكية خلال القرنين السابقين، خصوصا الحروب الصليبية وطريقة معاملة اليهود والهراطقة والنساء والسكان المحليين، وذلك خلال قداس غير مسبوق في حاضرة الفاتيكان. وهذه هي المرة الاولى في تاريخ الكنيسة التي يطلب فيها رئيسها المغفرة عن خطايا سابقة. ورحبت اسرائيل باعتذار البابا، لكنها اعربت عن أسفها لانه لم يذكر المحرقة اليهودية بشكل واضح، متمنية عليه ان يذكرها خلال زيارته نصب "ياد فاشيم" لضحايا المحرقة. واصدر الفاتيكان امس وثيقة تاريخية تتألف من 40 صفحة تحت عنوان: "التذكر والمصالحة: الكنيسة وأخطاء الماضي"، بهدف فتح صفحة جديدة في تاريخه شعارها الاعتراف بالذنب ومعاقبة الذات تكفيراً عن الخطايا، إضافة إلى المصالحة مع الأديان الأخرى. وعبر البابا عن اعتقاده بأن أحد مهامه اعادة بناء الجسور المكسورة بين الدين والعقلانية، وإعادة توحيد العقل مع الايمان بعد الصراع بين الكنيسة والعلم ابان العصور الوسطى. كما اكد انه باثبات هذه الأخطاء مع الأخذ في الاعتبار الأطر الخاصة بتلك الحقبة، فإن "الكنيسة لا تخاف الحقيقة وتشعر بوجوب الاعتراف بخطيئة أبنائها وطلب الصفح من الرب والاخوة". وورد في وثيقة "طلب الصفح" عن سبعة أخطاء تشير إلى "الانقسام المؤلم بين الطوائف المسيحية والتعصب وأشكال العنف وانعدام البصيرة لدى العديد من المسيحيين بمواجهة الانتهاكات الأساسية لحقوق الإنسان"، في إشارة إلى محاكم التفتيش التي استمرت أربعة قرون، ومعاداة اليهود عن التعذيب الذي وقع عليهم في أوروبا خلال القرون الماضية. وأخيراً ، الحملات الصليبية التي أمر بها البابا اوربان الثاني عام 1095 وأدت إلى اندفاع موجات من الأصولية المسلحة من كل انحاء ربوع أوروبا نحو المشرق والقدس وصل اجمالها إلى ست حملات واستمرت على مدار مئتي عام وراح ضحيتها آلاف الأبرياء. وفي الاحتفال الكبير الذي اقيم داخل كنيسة القديس بطرس في حاضرة الفاتيكان والذي حضره عدد كبير من المسؤولين الايطاليين ورجال السلك الديبلوماسي وجمهور غفير قدر بأكثر من عشرين ألف مواطن داخل حرم الكنيسة والميدان الرئيسي للفاتيكان، تولى ستة من الكرادلة تعداد أخطاء الكنيسة التي طلب البابا الصفح عنها. ودعا الكاردينال الألماني جوزيف راتزينغر، أشهر المنظرين الكاثوليكيين، إلى الاعتراف ب"الأخطاء التي ارتكبت باسم الحقيقة"، مشيراً إلى العديد من الممارسات التي كانت بعيدة عن روح الانجيل والتي لجأ إليها المسيحيون خلال الحملات الصليبية أو خلال فترة محاكم التعذيب والقتل والإجبار على الاعتراف كوسائل للاضطهاد الديني وطاولت اتباع مذاهب مختلفة. ويتوقع ان يصدر الفاتيكان خلال الفترة القريبة المقبلة تبرئة لكل من المصلحين الكبيرين سافونا رولا الذي عاش أيام عصر النهضة الايطالية في فلورنسا وجوردانو برونو الذي أحرقته محاكم التفتيش الكنسية في روما عام 1600. واعترف الكاردينال الفرنسي روجيه اتشيغاري، رئيس لجنة الاحتفالات بالألفية الثالثة ومن المساهمين الرئيسيين بإعداد هذه الوثيقة التاريخية التي اطلق عليها "أبداً لا"، بالأخطاء التي "خرقت الوحدة المسيحية"، معرباً عن أمله في أن "تمهد الطريق أمام المصالحة" التي بدأ بابا الفاتيكان الحالي بأول خطواتها الجدية. أما الكاردينال الاسترالي ادوارد كاسيدي الذي يقود عملية المراجعة الكبيرة لايجاد السبل والاساليب الكفيلة بتوحيد المذاهب المسيحية، فدعا الى اعادة تأكيد اعتذار الفاتيكان لليهود التي سبق أن صدرت في شأنهم وثيقة تحمل عنوان "نحن نتذكر" عام 1998، اشارت الى عدم القيام بما يكفي لحماية اليهود من الاضطهاد والإبادة الجماعية التي تعرضوا لها في معسكرات النازية ابان الحرب العالمية الثانية. وعلق البابا على هذه الفقرة قائلاً: "امتلكنا الحزن ازاء سلوك أولئك الذين تسببوا خلال مسيرة التاريخ بمعاناة اليهود". وطلب "الصفح"، متعهداً باسم الكنيسة "العيش باخوة صادقة". أما رئيس الاساقفة الياباني ستيفن فوميو هاماو، رئيس مجلس الفاتيكان لشؤون المهاجرين، فأشار إلى الأخطاء التي ارتكبتها الكنيسة ضد ما أسماه "الحب والسلام وحقوق الشعوب واحترام الثقافات والأديان الأخرى". واعترف البابا عبر هذه الإشارة إلى حقبتي الاستعمار والبعثات التبشيرية الأولى التي قامت بها بعض الجماعات المسيحية، منتهكة العديد من القيم الاخلاقية والدينية للعديد من الطوائف الدينية الأخرى، ب"ان المسيحيين تنكروا للانجيل في أحيان كثيرة مستخدمين منطق القوة وانتهاك حقوق الاثنيات والشعوب، ومحقرين ثقافاتهم وتقاليدهم الدينية". واعترف الكاردينال النيجيري فرانسيس ارينزي، رئيس مجلس الفاتيكان للحوار بين الأديان، والذي يعتبر من أقوى المرشحين لخلافة البابا الحالي، بوجود أخطاء فادحة مارسها العديد من المسيحيين في فترات تارخية طويلة مست كرامة المرأة ووحدة الجنس البشري. أما رئيس الأساقفة الفيتنامي فرانسوا نغوين فان ثوان، الذي يشغل منصب رئيس مجلس الفاتيكان لشؤون العدل والسلام، فاعترف بالأخطاء التي ارتكبت في مجال الحقوق الأساسية للإنسان، منوهاً بأن التسامح بين الشعوب والأقوام سمة إنسانية حضارية تنم عن إحساس بالسمو والترفع عن صفات وطبائع القسوة والوحشية وروحية الثأر والضغينة التي سيطرت لقرون. ورحب حاخام الاشكيناز اليهود الغربيون لاو الاكبر اسرائيل لاو في بيان له "بمبادرة البابا طلب الصفح من الشعب اليهودي عن الاضطهاد الذي تعرض له منذ الفي عام"، معتبرا ان "هذه البادرة تشكل امرا حديثا يتناقض مع مواقف اسلافه". لكنه اعرب عن "خيبته الشديدة لانه لم يتم التطرق الى موضوع المحرقة خلال الاحتفال الديني خصوصا ان البابا كان شاهدا عليها" في بولندا خلال الحرب العالمية الثانية. وتابع الحاخام الذي نجا هو ايضا من المحرقة ان "الحل النهائي برنامج ابادة اليهود هو بالتأكيد من عمل النازيين وليس الكنيسة، لكن رئيس الكنيسة في ذلك الحين البابا بيوس الثاني عشر لم يقم بما يلزم لمحاربتها". واعرب عن امله في ان يبدي البابا رأيه بوضوح عن المحرقة خلال زيارته نصب ياد فاشيم لضحايا المحرقة في القدس الغربية.