في مناسبة مرور 40 عاماً على نيل شاعر ايطاليا الراحل سلفاتوري كوازيمودو جائزة نوبل للآداب، يقام حالياً في القصر الملكي للعروض الفنية وسط مدينة ميلانو معرض لرسوم هذا الشاعر المبدع مع عدد كبير من الاعمال الفنية التي خلدته واستوحت من قصائده وهي لعدد من الرسامين الايطاليين امثال ريناتو كوتوزو، جاكمو كمزو، فرانشيسكو ميسينا، دومينيكو كنتوتورا. شعر كوازيمودو يمثل ثلاث مراحل، تبين التطورات العاطفية والشعرية التي تميزت بها شاعريته بالمقدرة الفائقة على شحن القصيدة بالعواطف الحسية الانسانية العميقة. والاتجاهات الفنية التي مر به الشاعر، تتمثل بمحبته الكبيرة جزيرة صقلية التي لا تزال ارضها حافلة بالشحوب التاريخي، والتي تلوح متدثرة بماضيها العريق، بعذابات ابنائها، وجراحاتها العميقة المتمثلة في البطالة المزمنة وبعصابات المافيا التي ارتبط اسمها بإسم الجزيرة فبلغت قصائده المأسوية ذروتها، وهي مأساة ذات وجه رومانسي. وارتبطت المرحلة الثانية بمظالم الحرب العالمية الثانية وما افرزته مرحلة الحكم الفاشي من بشاعات في الاوساط التي كانت تعاديها، فكانت قصائده تحمل القلق الثائر الصامت. اما المرحلة الثالثة فعكست واقع الحياة ما بعد الحرب. وتتميز هذه المرحلة بتدني شاعريته التي تألقت ما قبل الحرب وعكس من خلالها مأساة الضياع التي عاشها جيله في بحثه عن الآتي المجهول. الا ان تجربته الشعرية عموماً تظل متفردة وقد لا يشاركه فيها احد من الشعراء الا من بعيد. فقد حققت قصيدته الاقتراب من لغة الكلام المحكي، اي جعل الشعر شعبياً بعد ان طال اغترابه في دنيا المثقفين، وتغير عنده القاموس اللفظي، واستطاع كوازيمودو بأحساسه المرهف، وسمعه اللغوي الدقيق، ان يمد الالفاظ بمعان جديدة، وان يخرق القاعدة الشعرية المتبعة مدفوعاً بحسه الفني، من غير ان يسيء الى اللغة وانما كان يشدها الى الامام. ولد الشاعر في مدينة سيرقوسة بجزيرة صقلية عام 1901، وتوفي في مدينة نابولي عام 1968. هنا ترجمة لقصيدة شهيرة له: مرثية الجنوب القمر الاحمر والريح ولونك لون امرأة سمالية تمتد بامتداد الثلوج وقلبي فوق تلك المروج وتلك المياه التي يتظلل عليها الضباب فقد نسيت البحر وأصدافه ونسيت اغاني الرعاة الصقليين وقرقعة العربات على الطرقات الطويلة التي يرتعش فيها الخروب بأدخنة التبن المحروق نسيت خطى المارة... وها انا هنا في هواء المرتفعات الخضراء في ارض وانهار لومبارديا لكن الانسان يصرخ الماً لمصير بلاده وما من احد يعيدني الى الجنوب آه ... لقد تعب الجنوب من حمل الموتى على شواطئ مستنقعات الملاريا تعب من الوحدة من ثقل السلاسل فذلك الفم لا يزال تعباً لما يكيله من شتائم لأصناف البشر للذين نشروا الموت مع صدى آباره الذين شربوا دماء قلبه لهذا يعود اطفاله الصغار لتحتضنهم الجبال ليربطوا خيولهم تحت اغطية النجوم وليأكلوا ازهار الطلح طوال الطريق فلقد احمرت من جديد ولا تزال حمراء ... حمراء وأنا لم يعدني احد الى الجنوب فهذه الليلة المكللة بالشتاء لا تزال ليلتي وها اقول من جديد بأن خلافاتي الغامضة الملأى بالغضب والمحبة هي توجعات عشقية من دون عشق.