السعودية تتصدر دول «العشرين» في نمو عدد السياح الدوليين في 2024    وطن بلا مخالف.. ضبط 22716 وترحيل 12101 غير نظامي    الشرقية: عروض عسكرية للقوات البحرية احتفاءً بيوم الوطن    بلدية الخبر تحتفل باليوم الوطني ب 16 فعالية تعزز السياحة الداخلية    البكيرية تستعد للاحتفاء باليوم الوطني 94 بحزمة من الفعاليات    الصين لا تزال المصدر الرئيس للاوراق العلمية الساخنة    القيادة تهنئ الحاكم العام لبيليز بذكرى استقلال بلادها    كلية الملك فهد الأمنية الشرف والعطاء    زاهر الغافري يرحلُ مُتخففاً من «الجملة المُثقلة بالظلام»    الفلاسفة الجدد    حصن العربية ودرعها    أبناؤنا يربونا    "البريك": ذكرى اليوم الوطني ال94 ترسخ الإنتماء وتجدد الولاء    موعد مباراة الأهلي القادمة بعد الفوز على ضمك    تشكيل الإتحاد المتوقع أمام الهلال    شكر وتقدير لإذاعتي جدة والرياض    مآقي الذاكرة    اختفاء «مورد» أجهزة ال«بيجر»!    إسرائيل - حزب الله .. لا تهدئة والقادم أسوأ    مصر: تحقيق عاجل بعد فيديو اختناق ركاب «الطائرة»    انخفاض سعر الدولار وارتفاع اليورو واليوان مقابل الروبل    "الأوتشا" : نقص 70% في المواد الطبية و65% من الحالات الطارئة تنتظر الإجلاء في غزة    الشورى: مضامين الخطاب الملكي خطة عمل لمواصلة الدور الرقابي والتشريعي للمجلس    رياح سطحية مثيرة للأتربة والغبار على القصيم والرياض    فلكية جدة: اليوم آخر أيام فصل الصيف.. فلكياً    2.5 % مساهمة صناعة الأزياء في الناتج المحلي الإجمالي    «النيابة» تحذر: 5 آلاف غرامة إيذاء مرتادي الأماكن العامة    خطيب المسجد النبوي: مستخدمو «التواصل الاجتماعي» يخدعون الناس ويأكلون أموالهم    "مدل بيست" تكشف مهرجان "ساوندستورم 2024" وحفل موسيقي لليوم الوطني ال 94    "أكاديمية MBC" تحتفل بالمواهب السعودية بأغنية "اليوم الوطني"    "تعليم جازان" ينهي استعداداته للاحتفاء باليوم الوطني ال94    الأخضر تحت 20 عاماً يفتتح تصفيات كأس آسيا بمواجهة فلسطين    حاملة الطائرات الأميركية «يو إس إس ترومان» تبحر إلى شرق البحر المتوسط    شرطة نجران تقبض على شخص لحمله سلاحًا ناريًا في مكان عام    مجلس الأمن يعقد اجتماعا طارئا لبحث التطورات في لبنان    الدرعية تحتفل بذكرى اليوم الوطني السعودي 94    بيع جميع تذاكر نزال Riyadh Season Card Wembley Edition الاستثنائي في عالم الملاكمة    رياض محرز: أنا مريض بالتهاب في الشعب الهوائية وأحتاج إلى الراحة قليلاً    «لاسي ديس فاليتيز».. تُتوَّج بكأس الملك فيصل    الناشري ل«عكاظ»: الصدارة أشعلت «الكلاسيكو»    «مكافحة المخدرات» بجازان تقبض على شخص لترويجه 13,981 قرصاً من الإمفيتامين    أمانة القصيم توقع عقداً لمشروع نظافة مدينة بريدة    رئيس جمهورية غامبيا يزور المسجد النبوي    وزارة الداخلية تُحدد «محظورات استخدام العلم».. تعرف عليها    ب 2378 علمًا بلدية محافظة الأسياح تحتفي باليوم الوطني ال94    المراكز الصحية بالقطيف تدعو لتحسين التشخيص لضمان سلامه المرضى    زعلة: ذكرى اليوم الوطني ال94 ترسخ الانتماء وتجدد الولاء    "الصندوق العالمي": انخفاض معدلات الوفيات الناجمة عن مرض الإيدز والسل والملاريا    حركة الشباب تستغل النزاعات المحلية الصومالية    خطيب المسجد النبوي: يفرض على المسلم التزام قيم الصدق والحق والعدل في شؤونه كلها    خطيب المسجد الحرام: أعظم مأمور هو توحيد الله تعالى وأعظم منهي هو الشرك بالله    محافظ حفرالباطن يرأس المجلس المحلي    محمد القشعمي: أنا لستُ مقاول كتابة.. ويوم الأحد لا أردّ على أحد    حصّن نفسك..ارتفاع ضغط الدم يهدد بالعمى    احمِ قلبك ب 3 أكوب من القهوة    احذر «النرجسي».. يؤذيك وقد يدمر حياتك    قراءة في الخطاب الملكي    برعاية خادم الحرمين.. «الإسلامية» تنظم جائزة الملك سلمان لحفظ القرآن    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أمير "كتيبة الرحمن" في أول حديث منذ حمله السلاح . مصطفى كرطالي ل "الحياة": مصيبة قواسمي في حاشيته زيتوني والزوابري
نشر في الحياة يوم 08 - 02 - 2000

روى "أمير جماعة الرحمن" الجزائرية الحاج مصطفى كرطالي، في أول حديث صحافي يُدلي به منذ حمله السلاح من آيار مايو 1992، تفاصيل نشاطه داخل "الجماعة الإسلامية المسلحة" منذ 1994 وحتى إنشقاقه عنها في الشهر الأخير من سنة 1995. وأكد انه إلتحق بالجبال "إضطراراً"، وان الجبهة الإسلامية للإنقاذ لم تكن تُخطط سراً لإنشاء جناح مسلح لها خلال سنوات العمل السياسي. وتناول كرطالي في حديثه قادة "الجماعة"، ممتدحاً شريف قواسمي الذي حصلت في عهده "الوحدة"، وهاجم الأميرين اللذين خلفاه، جمال زيتوني وعنتر الزوابري. ووصف الأخير بأنه "أمي".
وهنا نص المقابلة:
لماذا قررتم التخلي عن العمل السياسي وحملتم السلاح في وجه الحكومة؟
- قضية السلاح - بين قوسين: حتى لا نقول صعدنا بفتوى ونزلنا بفتوى - لم تكن كما يتصورها كثيرون. فقد كنا ننشط في إطار حزب ديموقراطي في إطار قوانين الدولة. وكانت هناك إنتخابات برلمانية أعقبها إنقلاب على الإرادة الشعبية سنة 1992. وعلى رغم ذلك لم نلجأ إلى العمل المسلح. فقد نظمنا مسيرة سلمية، في الوسط، في السابع من شباط فبراير 1992. غير أن رد السلطة كان عنيفاً، إذ قُتل العديد من المناضلين وسُجن العديد منهم، وحدثت تجاوزات كثيرة حتى قبل إعلان حال الطوارئ في التاسع من شباط. وأذكر انني كنت رئيس بلدية منتخب بإسم الجبهة الإسلامية للإنقاذ، وأخذتني قوة
من الدرك الوطني إلى سجن البليدة. وبعد اسبوع أُخذت إلى قاضي التحقيق في محكمة بوفاريك 30 كلم غرب العاصمة. وبعد جلسة درس فيها قاضي التحقيق مختلف التهم الموجهة إلي، قرر إخلاء سبيلي. غير أن قوة الدرك الوطني التي نقلتني إلى المحكمة رفضت تطبيق القرار. وعدت مباشرة إلى قاضي التحقيق الذي نصحني بالعودة إلى السجن حتى بروز مخرج للوضع، وقال أن العمل العادي يقتضي منه إخلاء سبيلي لكن إتخاذ مثل هذا القرار قد يؤدي به إلى الموت أو يُستغل للزج به في المعتقلات المفتوحة حديثاً في الصحراء. تمت محاكمتي بعد ثلاثة أشهر، وقررت المحكمة الحكم لمصلحتي بالبراءة. غير أنه ومع خروجي من السجن، بدأ الضغط عليّ من قوات الأمن التي تعرف مكانتي في الجبهة الإسلامية للإنقاذ. وكثرت مع مرور الوقت الإستفزازات. فرأيت برفقة عدد من الشباب أن لا حل للوضع الذي نعيشه سوى برفع السلاح.
هل كنتم مهيئون إذن لرفع السلاح قبل هذا التاريخ؟
- إننا لم نصعد للقتال بل كان لا بد من مخرج للأزمة. وحتى في ديننا الحنيف يقول الرسول صلى الله عليه وسلم أن "من قتل دون نفسه أو عرضه فهو شهيد". فالدولة لم تكن قائمة بالمعنى الصحيح، ولم نجد جهة واضحة يمكن أن نشتكي اليها أو تقبل منا شكوانا. وأنا لا أتحدث هنا عن نفسي بل عن مئات الشباب الذين وجدوا أنفسهم ضحية وضع لم يتسببوا فيه.
لكن هناك من يقول أن الجبهة الإسلامية للإنقاذ كانت هيّأت إطاراً مسلحاً بديلاً عن العمل السياسي العلني الذي تبنته، وأنها فضّلت تأخير التوقيت لكشف جناحها المسلح؟
- الجبهة لم تكن تحضّر أبدا لأي جناح مسلح. واقول هنا شهادة لله وللتاريخ أنه في نهاية سنة 1990 ومع بداية مؤشرات التوتر في علاقة الجبهة الإسلامية بالسلطة قال أحد الحضور في لقاء مع رئيس الجبهة الشيخ عباسي مدني: "ماذا لو نحضّر جناحاً مسلحاً للجبهة الإسلامية؟". فرد عليه الشيخ قائلاً: "لو قام أناس بهذا العمل في الجبهة فكأنهم ضربوني بخنجر". صحيح أن الجبهة كانت جبهة بأتم معنى الكلمة وأنا لا أستبعد هنا وجود بعض التيارات داخلها كانت تحمل فكرة العمل المسلح. لكن ما يهمني هو أن قيادة الحزب كانت ضد أي عمل مسلح وكانت في الكثير من المرات تتدخل لتهدئة الوضع عندما تسمع بوجود نزاع بين شباب حول قيادة المساجد. فكان كل من الشيخ عباسي وعلي بن حاج يتدخلان لنصح الشباب وتهدئتهم.
ماذا حدث بعدما وجدتم أنفسكم "أسرى الإستفزازات"؟
- بعد هذا التضييق إجتهدت الجماعة وقالوا: كل واحد يتوجب عليه الدفاع عن نفسه. فقررنا رفع السلاح ضد الدولة حماية لأنفسنا وذوينا. وفي ذلك الوقت كانت برزت بعض الجماعات مثل الجماعة الإسلامية المسلحة وحركة الدولة الإسلامية التي يقودها السعيد مخلوفي، وهذه جماعات كانت مستقلة عن بعضها البعض مثلما كنا نحن في منطقة الأربعاء 25 كلم جنوب الجزائر مستقلين عن أي تنظيم مسلح.
كيف كانت بداية عملكم المسلح؟
- بداية الجهاد كانت عمليات عسكرية بحت، ولم نكن نظلم الشعب أو عائلات الجيش وقوات الأمن.
كيف وجدتم بين أيديكم أسلحة ومعدات حربية تواجهون بها قوات الأمن والجيش؟
- البداية كانت من فراغ. فقد صعدنا إلى الجبل بعدما كنا محل مطاردة من قوات الأمن. وقد إجتهدنا في الحصول على الأسلحة، وكان أول قرار قمنا به هو نزع بنادق الصيد التي كانت في حوزة افراد الشعب. كما إشترينا وبأموالنا الخاصة أسلحة من تجار ومهربي السلاح مثل أسلحة "عوزي"، وهو ما مكننا في وقت لاحق من إسترجاع أسلحة النظام في بعض العمليات التي نفذناها ضد الدرك والشرطة.
كيف كنتم تعيشون في الجبل، وهل كان سهلاً حصولكم على أغذية ومؤن؟
- كنا نجد صعوبات في البداية. ولكن في سنتي 1994 و1995 كانت بعض المناطق مستقلة بالنسبة الينا أي أنهم يسيطرون عليها. فكانت تأتينا المؤونة والأغذية بالشاحنات والسيارات مثلما هو الحال في الأربعاء وتابلاط. غير أن الأمور عادت لتصعب من جديد سنة 1996، ولكن ليس في كل المناطق.
كيف كنتم تنظّمون عملية الحصول على مؤن وأغذية؟
- كانت كل كتيبة فيها "تكليف": هناك أشخاص، مدنيون أو عسكريون، يقومون بدور تنسيقي مع الشعب في ما يخص المؤن أو للحصول على الإشتراكات من المناضلين. كان العمل داخل الكتيبة ينقسم إلى عمل مدني وآخر عسكري - قتالي.
وكيف كنتم تنظرون إلى الوضع في البلد وأنتم في أعالي الجبال؟
- كل واحد كانت له نظرته، وكل واحد سار بحسب فكرته، الأمر الذي يفسر الإنقسام الذي وجدنا عليه بعضنا بعد أشهر. بالنسبة الينا يقصد كتيبة الرحمن كنا مقتنعين بأننا لن نستطيع قهر النظام أو القضاء عليه، كما كنا مقتنعين بأن النظام لن يكون بمقدروه القضاء علينا. كنا نرى بأنه لا بد من أن نصعد إلى الجبل للدفاع عن أنفسنا. وكانت لنا علاقات نسب مصاهرة مع الشعب، الأمر الذي جعل عملياتنا حذرة حتى لا نفقد ثقته ودعمه. وحتى عندما كنا نضطر إلى ضرب أعوان الدولة مثل الشرطة أو الدرك أو الجيش، كنا نختار الأشخاص الذين عُرفوا بين عامة الشعب بإرتكابهم الشر. وكنا في كل عملية نعتقد بأننا بهذه الأعمال سنساعد الخيّرين في الدولة للتحكم في الوضع وإسترجاع زمام المبادرة. إنني كنت على قناعة بأن أصحاب الخير في الطرفين خضعوا تحت الضغط للخطاب المتطرف، فكانت النتيجة الوضع الذي عرفته البلاد.
كيف إلتحقت ب"الجماعة الإسلامية المسلحة" ولماذا فضلتم "الجماعة" دون غيرها من الجماعات؟
- مع مرور الوقت وكثرة العمليات والتضييق علينا في منطقة الأربعاء كان لا بد علينا أن ننتمي إلى تنظيم مسلح سواء لإعتبارات متعلقة بالشرع أو المصلحة لتفادي الإقتتال الداخلي بيننا. وعندما أعلنت "الجماعة الإسلامية المسلحة" الوحدة سنة 1994 كنت وبصراحة أرى وأتوسم الخير في "الجماعة الإسلامية" بسبب وجود بعض الشخصيات التي أعرفها عن قرب مثل الشيخ محمد السعيد وعبدالرزاق رجام والشريف قواسمي الذي أعرفه رجلاً متديناً ومعتدلاً على رغم أن مصيبته كانت في حاشيته مثل جمال زيتوني وعنتر الزوابري. وقد إلتحق ب"الجماعة"، في هذه الفترة بالذات، عدد كبير من الكتائب المستقلة بهدف جمع الكلمة وتوحيد الصف.
رأينا الخير في "الجماعة"، لكن حدث الذي حدث. فقد قتل الشريف قاوسمي في ظروف غامضة ثم عُزل الشيخ محمد السعيد وجماعته ثم بدأت التصفيات. وعلى رغم ذلك كنا نلتزم تطبيق قرارات "الجماعة" على رغم بعض التحفظات التي كنا نبرزها من حين لأخر.
زيغ "الجماعة"
كيف تتحفظ عن قرارات تصدر من قيادة "الجماعة"؟
- كنا نتحفظ في جانب المعاملات. كانت تصلنا بعض القرارات فيها غموض مثل قضية تخريب المدارس والشركات التي لم تكن مقبولة عندنا. وكنت في كل مرة أحاول إقناع نفسي أن لدينا قيادة نثق فيها لأنها لا تتخذ قرارات عشوائية. وبعد وقت من تطبيق بعض التعليمات توقفنا عن التخريب بعدما برز لنا بوضوح زيغ هذه الأعمال خصوصاً عندما قررت قيادة "الجماعة الإسلامية المسلحة" توسيع نطاق عملياتها لتشمل "عائلات الطواغيت" زوجات واقارب رجال الأمن والدولة، فرفضنا تطبيق هذه التعليمة.
وهل تلقيت عتاباً من "الجماعة" على رفضك تطبيق هذه التعليمة؟
- مع الوقت بدأت مشاكلي مع "الجماعة" تكثر وأذكر أنني حاولت الإستفسار عن خلفيات تعليمة قتل أقارب الطواغيت ومبرراتها سواء الشرعية أو المصلحية. لكنني لم أجد رداً. كان هدف "الجيا" في هذه المرحلة التخطيط لتصفيتي، فخافوا من رد الفعل من جانب الجند الذين كانت تربطني بهم علاقة قوية. فعمدوا إلى اتباع أسلوب النفاق. فهم يحدثون الجند بشيء ويحدثوني خلاف ذلك.
كيف ذلك؟
- منذ دخولي "الجماعة الإسلامية" كانوا يرون في كتيبتي وفي منطقة الاربعاء عموماً حصناً منيعاً يصعب إختراقه نظراً الى الصلة التاريخية التي تجمعنا بسكان المدينة إلى درجة أن مختلف كتائب الجماعة وصفتنا بالعنصريين لأننا كنا نتعامل بحذر في مسألة الدماء، كما أننا كنا نرفض الإنصياع لأي مسلح لا نعرفه أو ليس من المنطقة. وكان قرارنا ذلك ينبع من مخاوف الوقوع في لعبة رجل لا نعرف أصله، إن كان من المخابرات أو عميلاً للسلطة يشوه العمل المسلح. كما أننا كنا نخاف الوقوع تحت رحمة رجل يسيئ إلى علاقتنا بالسكان من خلال إستهدافهم في أعمال مسلحة.
عايشتم كلاً من الشريف قواسمي وجمال زيتوني. فكيف تنظرون إلى دور كل واحد منهم في توجيه وقيادة "الجماعة الإسلامية المسلحة"؟
- الفرق كبير جداً ولا يمكن حصره إطلاقاً. فالشريف قواسمي كان مسؤولاً محلياً للجبهة الإسلامية للإنقاذ في منطقة بئر خادم ضواحي العاصمة، وهو كذلك إمام وتربى في المسجد وكانت معاملته للناس طيبة للغاية على رغم إرتكابه بعض الأخطاء مثل تعليمات التخريب وخصوصاً إعتماده مبدأ "لا حوار، لا هدنة ، لا صلح". وأنا متأكد أنه ما قام بذلك إلا تحت ضغط حاشيته التي كانت من مناطق بوفاريك والبليدة وأولاد يعيش يقصد عنتر الزوابري وجمال زيتوني. إنه رجل طيب وهذه شهادة للتاريخ. أما جمال زيتوني فهو رجل عادي لا شخصية له. ونحن لحد الساعة نتساءل كيف أصبح زيتوني أمير الجماعة. وحتى عنتر الزوابري فهذا الرجل أعرفه جيداً. إنه أمي ولم يترب في المسجد. وأنا أتساءل كيف أصبح هذا الرجل أميراً على الجماعة.
كيف تمكن هؤلاء إذن من قيادة "الجماعة" ولماذا ابعدت المرجعيات الإنقاذية عن العمل المسلح؟
- هناك أمور أجيب عنها اليوم وهناك قضايا قد أجيب عنها يوماً ما. لكن المؤكد أن هناك حقائق أخرى أنا متأكد أن الوحيد الذي يستطيع الإجابة عنها هو التاريخ. وينبغي قبل الرد على سؤالك الإشارة في البداية الى أن الصعود إلى الجبل لم يكن من طرف كل أبناء المساجد أو الذين لهم عقيدة أو مستوى ثقافي. فغالبية الشباب الذين إلتحقوا بالعمل المسلح كانوا شباناً متحمسين من دون تربية مسجدية وكان غالبية هؤلاء جاهلين بالفكر الإسلامي.
وللتاريخ اقول أن بعض الشباب الذي إلتحق بالعمل المسلح كانت لديه قابلية للشر. وقد سارت الأمور بسرعة، فكان المثقفون أول ضحية للجماعة المسلحة. وأذكر هنا حديث بعض الشباب في الجبل: "الحمد لله أننا لم نترب في المسجد".
لكن لماذا يصرح هؤلاء بما يناقض أصل صعودهم إلى الجبل وهو "الجهاد في سبيل الله"؟
- هناك تفسيران: الأول هو أن الناس أصبحت تخاف من قيادة "الجماعة الإسلامية المسلحة" فهي تمحو صورتها الإسلامية تفادياً لتعرضها لأي مكروه. وهؤلاء يستعملون هذه الكلمات لتجنب أذى الجماعة. أما البقية فهم "مافيا" ويعلنون قولهم من دون خوف بأن مقاليد "الجماعة" أصبحت بين أيديهم. ولا عجب أن يكون قادة الإنقاذ الضحية الأولى لهؤلاء المرتزقة.
كيف ذلك؟
- لقد إتهم زيتوني كل مناضل سابق في الجبهة الإسلامية، بعد قيادات الإنقاذ، بالضلالة وبأنهم مبتدعة لأنهم كانوا ينشطون في تنظيم سياسي. إتهمهم بالحزبية، الأمر الذي أدى إلى قتل بعض قادة الجبهة مثل الشيخ محمد السعيد وعبدالرزاق رجام وآخرين.
ولكن لماذا لجأت قيادة "الجماعة" إلى القضاء على المرجعيات الإسلامية على رغم أنها كما يفهم من إسمها "جماعة إسلامية"؟
- الناس الذين مثّلوا الإسلام في الجماعة الإسلامية المسلحة، وأقصد بذلك الضباط الشرعيين، لم يكونوا على القدر والمستوى. فخلال إمارة الشريف قواسمي لم نصل إلى الحد الذي تعرفه "الجماعة" الآن، لأنه وبصراحة لم تكن هناك نيات سيئة. صحيح كانت هناك أفكار في المساجد وصعدت إلى الجبل مع إلتحاق الشباب، لكن أريد أن أؤكد هنا أن ليس كل من إدعى السلفية هو سلفي حقيقة. فهناك من إستعمل إسم السلفية على رغم بعده عنه. فهؤلاء كانوا معزولين في المساجد وكانوا يرون شيوخ الدعوة الإسلامية مثل الشيخ عباسي مدني، الشيخ محمد السعيد ومحمد سحنون، مجرد مبتدعة. ومع صعودهم إلى الجبل بدأوا في تنفيذ مخططهم الذي يستهدف تصفيتهم بمبررات واهية تحت غطاء السلفية. هذا يقولون عنه أن له عقيدة أشعرية والآخر يرمونه ببدعة. ومع مر الوقت، بدأ الوازع الديني يغيب عن إدارة العمل داخل "الجماعة" واستُبدل ذلك بتصفية الحسابات. فقد كنا نشهد في السابق محاكمات شرعية تقام ضد من يشتبه في عقيدته أو دينه، فيتم الإستماع اليه والتداول في شأنه قبل أن يتم التخلي عن فكرة المحاكمة الشرعية ويتم إعتماد نظام التصفية الجسدية من دون أي وازع ديني. فأصبح مسموحاً لأمير سرية إتخاذ قرار بالموت ضد أي كان من دون الحاجة إلى التبيان أو التحري الشرعي أو المحاكمة.
وأذكر أننا كنا نتلقى تقارير أغرب من الخيال عن مستوى قيادات الجماعة خلال مرحلة زيتوني وحتى عنتر الزوابري. ومن ذلك أذكر قصة رجل كبير لقي حتفه على يد عناصر سرية. فقد كانوا يستعملون حديثاً نبوياً يقولون فيه بأن الأمير أو الرجل الأكبر في السن هو الذي يبدأ في الأكل إن كانوا في جماعة. غير أن أحد الرجال الذين كان مع الحضور في أحد الايام قلل من شأن الحديث وعبّر عن تخليه عن الحديث وطلب منهم أن يأكلوا معه من دون تحرج. فكان مصيره أن ذبح وقطع قطعاً صغيرة من دون الحاجة إلى فتوى أو محاكمة جزاء تهاونه، بحسب الجماعة، بحديث شريف.
هل بالإمكان ان تدقق لنا في طبيعة قيادة "الجماعة" التي برزت خلال السنوات الأخيرة؟
- هؤلاء الناس يدّعون الإسلام ولكن لا صلة لهم به. والذين حملوا الفكرة الإسلامية قتلوا عن آخرهم. وما تبقى كان يعمل تحت الضغط. إنها "مافيا" ولا أذيع هنا سراً عندما أقول لك أن عنتر الزوابري عندما إلتحق بالجبل كانت بيده قنينة خمر. هذه حقيقة وكل قيادة "الجماعة" على علم بذلك. وأعتقد أن الدليل واضح اليوم. فكل عناصر "الجيا" الذين رفعوا في السابق شعار "لا هدنة، لا حوار ولا مصالحة" والذين إستفادوا من تدابير الوئام المدني عادوا
إلى عاداتهم القديمة، فغالبيتهم الآن في الحانات يحتسون الخمر، والبقية عادت إلى إستعمال المخدرات كما كان عليه وضعهم سنة 1990. لقد شوهوا الإسلام وعادوا بعد ذلك إلى أصلهم. أنظر مثلاً إلى "كتيبة الموت" التي كانت تنشط في الشراربة. فقد كانت عبارة عن "مافيا" بأتم معنى الكلمة: تذبح وتقتل من دون أي وازع ديني أو مصلحي وقد ملأت بئرين في المنطقة بجثث الابرياء الذين قتلوا من دون سبب شرعي.
كيف إتخذتم قرار الإنسحاب من "الجماعة"؟
- بعد بروز إنحراف قيادة "الجماعة" عن الخط الأصيل للجهاد بدأت محاولاتهم في التدخل في مسؤولياتي على رأس الكتيبة. رفضت ذلك مراراً وقررت وضع حد لهذه المحاولات. فإتصلت بأمير المنطقة الأولى للجماعة عبدالقادر سعودي - وهو الذي خلف الحبشي عندما كان جمال زيتوني أمير الجماعة - بهدف إيجاد حل. ولاحظت أنذاك أنهم يماطلون في الرد علي إلى غاية القضاء علي من خلال تحريض الجند ضدي. قررت في البداية الإستقالة في آب اغسطس 1995 من منصبي "أمير الجند" في منطقة الاربعاء ومن مهماتي كمنسّق الجماعة في كل من سيدي موسى ومفتاح وتابلاط. وكان ذلك بعدما جاءت تعليمة قتل نساء الطواغيت، وأحمد الله هنا أن الشباب كانوا يريدون في هذا الشهر شن هجوم كاسح على مقر إقامة عائلات الشرطة في المنطقة بناء على التعليمة. فطلبت منهم عدم السير في هذا الإتجاه، فسمعوا لي وأوقفوا العملية التي كادت تعصف بالعشرات من الأبرياء. وكرد فعل على قراري بوقف الهجوم على أقارب رجال الشرطة، قررت الجماعة الإسلامية المسلحة تعيين شاب جيء به من أعالي العاصمة من منطقة بوزريعة ليتولى قيادة الكتيبة ومواصلة تنسيق العمل المسلح في المنطقة.
إذن قراركم لم يكن مرتبطاً بمقتل الشيخ محمد السعيد وجماعته؟
- لا العكس. أخذنا القرار رداً على موجة التصفيات التي مست قيادات "الإنقاذ". وأذكر أنه عندما قتل الشيخ محمد السعيد قالت قيادة "الجماعة" انه سقط في كمين ورفضوا القول بأنهم قتلوه. وبعد أيام فضّلوا تحسس مواقف الجند، فأرسلوا رسالة إلى مختلف السرايا جاء فيها أن محمد السعيد ورجام من "الجزأرة" وأنهم "مبتدعة". كان موقف الجند على العموم مرحباً بمقتلهم الأمر الذي هيّأ لقيادة الجماعة الإقرار في وقت لاحق بأنها هي التي دبرت العملية وطالت أربعة من قيادات "الجزأرة" في منطقة الاربعاء. عقب ذلك مباشرة، قررت الخروج عن الجماعة برفقة 15 عنصراً فقط من كتيبتي، وكان ذلك في كانون الأول ديسمبر 1995. ولم يكن من السهل إتخاذ مثل هذا القرار خاصة أن الجماعة الإسلامية المسلحة كانت في مرحلة التمكين. لقد خرجنا الى الجبل لنموت مظلومين وليس ظالمين أو نكون سبباً في قتل الأبرياء.
وأذكر جيداً أنه في تلك الأيام سمعت قيادة الجبهة الإسلامية للجهاد المسلح "فيدا" التي يقودها محمد أبو الفداء بخروجي من الجماعة، فإتصلوا بي للإستفسار لأنهم كانوا بعيدين عن الواقع. فأخبرتهم بما يحدث داخل الجماعة خصوصاً أننا كنا على إطلاع بما يجري داخلها نظراً إلى كون قياداتها كانت تنشط في المناطق المجاورة لنا من بوقرة إلى البليدة. وقررت قيادة الجبهة الإسلامية للجهاد المسلح مباشرة بعد لقائهم بي الإنسحاب من الجماعة، كما قررت جماعات أخرى الإنسحاب من "الجيا" للأسباب نفسها. وعلى رغم أن عدد المنسحبين في المرحلة الأولى كان قليلاً، لكن تدريجاً ومع مرور الوقت بدأوا يدركون حقيقة الجماعة الإسلامية المسلحة. وكانت الحجج التي يقدمونها لمختلف الكتائب لتبرير إنسحابي قولهم أني كنت أريد الإنقلاب على قيادة الجماعة لإخذ الإمارة، علما أنني لم أبحث يوماً في حياتي عن قيادة أي عمل إسلامي. فقد إخترت رئيساً للبلدية وقت الجبهة الإسلامية للإنقاذ عندما كنت أؤدي مناسك الحج في حزيران يونيو 1990. وعينت على رأس كتيبة الجماعة من قبل الشباب لكبر سني.
كيف كان رد فعل الجماعة سيما وأنكم كنتم أول كتيبة تخرج عنها؟
- وجدنا أنفسنا بعد خروجنا في حصار كبير وتحت ضغط متزايد، لدرجة أننا كنا مهددين بالموت حتى من قبل بقية عناصر الكتيبة الذين كانوا يعلمون بأماكن تحركاتنا وتنقلاتنا وصعّبوا لنا من مهمتنا. وأذكر أنه عندما ضاقت علينا الأمور كثيراً دخلنا جميعاً، 15 عنصراً، "كرزمة" ملجأ تتسع لثلاثة أفراد وأقمنا بها لساعات عدة حتى أغمي على بعضنا من الإختناق. وبعد إعلان الجبهة الإسلامية للجهاد المسلح الخروج عن الجماعة، بدأت الأمور تتسع خاصة عندما إلتحق بنا بقية عناصر كتيبة الأربعاء، وكذلك مع خروج كتائب أخرى عن الجماعة مثل كتائب الشراربة، تابلاط ومفتاح، بسبب إنحراف الجماعة. وكانت الكتائب التي أتصل بها تقتنع بالحجج التي أقدمها لها.
هل تعرضتم لإعتداءات من الجماعة؟
- كتيبة الأربعاء كانت صعبة الإختراق، فإضطرت قيادة الجماعة الإسلامية المسلحة إلى اللجوء إلى اسلوب ضرب عائلاتنا في بعض المجازر. وأذكر ان 11 عنصراً من أقارب أحد جنودي أُبيدوا، وحتى إبن خالي قتل في حاجز مزيف لما ثبت وجود صلة قرابة له بي.
كيف تشعر الأن عندما تسترجع شريط ذكرياتك في الجبل تحت لواء "الجيا"؟
- كنت أصل إلى حد الجنون. نعم أكاد أجن عندما أتذكر تلك الايام. فقد كنت أعقد حلقات لعناصر الكتيبة حول أي قضية من القضايا أو تعليمة من التعليمات الغريبة الصادرة عن قيادة الجماعة. كنت أشعر نفسي في كثير من الأحيان أنني قد "خرفت" من الكبر أمام غالبية ساحقة من أعضاء المجلس الشورى التي كانت ضد تصوري. فكان يتوجب علي في كل مرة من المرات أن أراوغهم وأستعمل الحيلة معهم لأسترجع الغالبية. وكنت في كل صلاتي أطلب من الله أن يجد لنا مخرجاً. ماحدث لي في السابق خيال لا أكاد أصدقه اليوم... لا أكاد أصدق أنني كنت أول من خرج عن الجماعة بعدد لا يتجاوز 15 فرداً في وقت تمكنت الجماعة من بسط نفوذها على مناطق واسعة في الوسط. لقد كنت بين نارين: بين نار النظام الذي يتوعدني بالموت، ونار الجماعة التي رأت في خروجي عنها ردة تستوجب القتل.
كيف قررتم الإلتحاق بالهدنة؟
- كانت جماعة مدني مزراق، الأمير الوطني للجيش الإسلامي للإنقاذ، دخلت في هدنة بعد إتصال مع النظام. فقرروا الإتصال بنا عبر عمّي السعيد الذي كان يرأس إحدى بلديات الجبهة الإسلامية للإنقاذ في ولاية بومرداس. فطرح علينا القضية ورأينا أن فكرتهم شرعية ورأينا فيها المصلحة. قلت لك بأننا لم نصعد الى الجبل من أجل القتال. والحق أقول أننا أعجبنا بوجود أناس داخل النظام يؤيدون طرح السلم والمصالحة، وكنا سبباً في دفع الكثير من الكتائب إلى تبني هذا الخيار في 10 تشرين الأول أكتوبر 1997. وبعد ذلك أعلنا بصفة نهائية الإنضمام إلى الجيش الإسلامي للإنقاذ.
كيف تم ذلك؟
- المثل الشعبي يقول: "الذي لسعه ثعبان يخاف من الحبل". وبعد تجربتنا من الجماعة الإسلامية المسلحة إقتنعنا بأننا كنا ضحايا أناس غير معروفين قادوا العمل المسلح ووضعونا في طريق مسدود قبل أن يباشروا ضدنا محاولات تصفية دقيقة. زرت قيادة جيش الإنقاذ في جيجل وإلتقيت بالشيخ مدني مزراق وتعرفت على جنوده ووجدتهم رجال متخلقين ورجال مساجد. إطمأن قلبي لهم وأبغتهم بقرار الإنضمام إليهم.
هل وجدتم متاعب أو مضايقات سواء من "الجماعة" أو قوات الأمن خلال مرحلة الهدنة التي تجاوزت السنتين؟
- في وقت الرئيس اليمين زروال كان هناك عسكريون ساروا معنا. لكن كنا نعلم أن هناك جماعة قريبة من الرئيس نفسه كانت ترفض الهدنة. ووصل هذا الرفض إلى حد الهجوم علينا بالطائرات المروحية في جيجل، أو حدوث إشتباكات معنا قتل فيها بعض عناصرنا على رغم أننا في هدنة. هذه الأطراف الرافضة للهدنة أحدثت لنا مشاكل. لكن القيادة في الطرفين كانت تصر في كل مرة على تجاوز هذه الحسابات التي حركتها أطراف في الجيش.
كيف قررتم في النهاية وضع السلاح؟
- كل هدنة تستهدف أحد أمرين: إما أنك تهادن العدو للصلح أو للرجوع إلى الحرب. وقد تعاملنا مع طرف من رجال النظام ووجدنا أنهم رجال ثقة ورأينا بأن قناعتنا المشتركة أن هذه الحرب لن تنيهنا ولن تنهيهم. ولأننا سمعنا هؤلاء يقولون بأنهم غير مسؤولين عما حدث لجبهة الإنقاذ فقد قررنا وضع السلاح لأننا ما حملناه إلا للدفاع عن أنفسنا. وكان بودنا أن تستفيد "الجماعة" اليوم من قرار العفو والوئام المدني. وخاطرنا بأنفسنا وتوجهت إلى جماعة حسان حطاب في الزبربر وإلى "الجماعة الإسلامية المسلحة" في المدية بهدف إنقاذ الشباب الابرياء من الموت وتخليصهم من أفكار الشر. والحمد لله أننا قد أنجينا من أنجينا ولا نزال لحد الساعة نعمل لنكون مفتاح خير لهؤلاء الإخوة للإستفادة من الحلول التي قد توضع لهم.
وقانون الوئام كيف كان تعاملكم معه؟
- كان هدفنا الاساسي هو البحث عن ضمانات تضمن حقوق عناصرنا. غير أنه بعد المصادقة على قانون الوئام المدني لفت نظرنا وجود كلمة "عند الإقتضاء" في المادة 41 من القانون والمتعلقة بالجيش الإسلامي للإنقاذ وهي تعني إمكان رفع شكوى قضائية عند وكيل الجمهورية ضد أي عنصر من الجماعة. غير أنه بعد مفاوضات شاقة قدمنا تنازلات وقدموا لنا تنازلات وكان العفو الرئاسي. وفي وقت سابق كنا نريد الإبقاء على الأسلحة لمحاربة عناصر الجماعة الإسلامية المسلحة، لكن الشباب لم يتقبل فكرة الدخول في الجيش النظامي وتغيير موقع الجبهة لمحاربة "الجيا". كما رأينا أن هذه الفكرة لم تكن محل قبول واسع داخل الجيش وفي بعض أوساط النظام. فتنازلنا عن الفكرة وتم الإتفاق على فكرة منح اسلحة فردية لبعض عناصر الجماعات المستفيدة من العفو التي تقطن في مناطقة صعبة من الناحية الأمنية.
كيف تقومون الآن تجربتكم بعد ثماني سنوات من العمل المسلح سواء في إطار كتيبة مستقلة أو في داخل الجماعة أو في جيش الإنقاذ؟
- لست نادماً على حملي السلاح وإلتحاقي بالجبل. صحيح انني أرتكبت بعض الأخطاء، لكنني متأكد أنني كنت مفتاح خير. إذ بسببي كانت جماعة "الجيا" في الأربعاء الجماعة الوحيدة على المستوى الوطني التي عرفت باعتدالها في العمل المسلح. وامتد إعتدالنا حتى مع عائلات أعوان النظام، وإن كانت هناك إعتداءات فهي فردية وليست من مسؤوليتي ووقفتها عندما كنت أول من قرر الخروج عن "الجماعة الإسلامية" في وقت بلغت فيه كامل قواها، وأنقذت بقراري هذا الشباب سواء الجنود الذين عملوا تحت إمارتي أو من شباب المدينة. وهذا بفضل الله عز وجل.
عند عودتكم إلى ذويكم، هل كان هناك رد فعل سلبي من عائلات "ضحايا الإرهاب"؟
- يختلف الوضع من منطقة الى أخرى. ففي منطقة الاربعاء كانت هناك عائلات تأثرت بالعمل المسلح بفقدانها بعض أفرادها. لكن لم تكن ردود فعلها كبيرة. فقد شهدنا مناوشات فردين أو ثلاثة أعتقد أن الأمن والإستقرار لا يخدم مصالحهم فقاموا ببعض التجاوزات إزاء بعض عناصرنا. المهم بالنسبة لي اليوم أن رجال الدولة، بارك الله فيهم، كانوا في المستوى، أما على مستوى الشارع فقد حدثت مشاكل لكن أعتقد أن الشعب في غالبيته فرح. ورأيت بعينيك الآن أن بيتي لا يكاد يفرغ من الزوار الذين جاؤوا مهنئين بعودتي. وزارتني حتى عائلات متضررة من أعمال الجماعات المسلحة.
وأريد الإشارة هنا إلى قضية مسّتني كثيراً وهي زيارة شابة ترأس جمعية "جزائرنا" لضحايا الإرهاب التي إتهمتني بقتل أختها. وعلى رغم أنني أكدت لها أن قتل أختها حصل خلال مرحلة إستقالتي من الجماعة وشرحت لها الوضع، لكنها راحت تفتري علي الكذب والبهتان في الصحف. أنا لم أكن أعتدي على المدنيين وكلما رأيت تجاوزات أوقفتها. فقد تم في يوم من الأيام إحضار مناضلين كبار في جبهة التحرير إلى الجبل، فقررت العفو عنهم وهذا كان نادراً ما يحدث في الجماعة الإسلامية المسلحة.
مصطفى كرطالي
ولد الحاج مصطفى كرطالي في 27 نيسان ابريل سنة 1946 في بلدة الأربعاء. متزوج وأب لسبعة أبناء من بينهم مفقود الأكبر، أُخذ سنة 1996 ولم يظهر أي خبر عنه حتى الساعة. ينتمي كرطالي إلى عائلة ثورية. إستشهد إخوته الثلاثة برفقة أبيه خلال ثورة التحرير، وتعرض للتعذيب عندما كان عمره لا يجاوز 15 سنة، وقضى بقية حياته يتيماً.
إنتخب على رأس بلدية الاربعاء في إطار القائمة الإنتخابية للجبهة الإسلامية للإنقاذ سنة 1990. وتولى رئاسة البلدية إلى غاية إعتقاله في 7 شباط فبراير 1992، وقرر بعد إطلاقه في آيار مايو من السنة نفسها الإلتحاق بالعمل المسلح.
يُعد كرطالي من أبرز المرجعيات الإسلامية في المنطقة. وقاد العمل المسلح في "الجماعة الإسلامية المسلحة" منذ 1994، قبل أن يقرر الإنسحاب منها في كانون الأول ديسمبر 1995.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.