الرحلة الى مركز القيادة العامة للجيش الاسلامي للانقاذ، الجناح العسكري للجبهة الاسلامية المنحلة، لم تكن سهلة فقد تطلبت قبل كل شيء سلسلة شاقة من الاتصالات التمهيدية مع فعاليات مؤثرة في الدوائر الانقاذية لتأكيد لقاء مسؤولي التنظيم المسلح مع تلقي الضمانات من عدم التعرض الى اي تصفية او اعتداء. ولم يكن التردد في التوجه الى جيجل قائماً في البداية غير ان مسار الرحلة ومخاطرها التي بدأت تبرز مع مرور الوقت حركت نوايا التراجع عن الموعد المحدد مع جماعة الانقاذ في مرتفعات تكسانة. الرحلة وخلافاً لكل التوقعات بدأت في حدود الواحدة زوالا بدل الثامنة صباحاً من يوم الخميس الذي شهد تعيين رئيس حكومة جديد للجزائر حيث قطعت الطريق شرقاً نحو ولاية البويرة "120 كلم" قبل ان اعرج شمالاً نحو ولاية بجاية 300 كلم شرق الجزائر" التي وصلت اليها بعد اربع ساعات ونصف من السفر، في حدود الساعة الخامسة ونصف مساء، وهو موعد غروب الشمس، بجاية او "بوجي" كما يسميها اهلها تعني "الشمعة" واطلقت عليها هذه التسمية لأن الاوروبيين كانوا يأتون اليها في القرون الوسطى لتلقي العلوم وهي كذلك المنطقة التي كتب فيها المؤرخ عبدالرحمن بن خلدون اجزاء معتبرة من "المقدمة" في منطقة الحمادية. اما الوجه الحالي للولاية فهي فضلاً عن كونها منطقة قبائلية تؤوي البربر فانها لا تعرف مشاكل أمنية بالنظر الى كون اهلها، خصوصاً الشباب، متشبثين بالقيم الغربية على العموم ولم يرتبطوا على طوال المراحل السابقة بمد الحركة الاسلامية رغم وجود مدارس اصلاحية عريقة في الولاية. وبدت المدينة، التي تقع في قاع سهل الصومام، وسط سلسلة جبلية مغلقة، مع غروب يوم الخميس، مائلة للنوم وسط علامات تشير الى ان السكان لا يعيرون كثيراً الاهتمام بالارهاب ولا يبدون ادنى خوف من خطره. ورغم ذلك فان الخروج من المدينة الى الجهة الشرقية كان محدوداً للغاية، بخاصة في هذا الوقت من المساء، حيث تقلص عدد السيارات التي ترتاد الطريق الى الصفر مباشرة بعد الخروج من مدينة سوق الاثنين، التي هي آخر بلدية لولاية بجاية على الجهة الحدودية مع جيجل، ليبدأ بذلك العد التنازلي يفرض ايقاعه علي وعلى زميل لي وأحد المساعدين الذي تكفل بنقلي الى "الجماعة". فمع انتهاء جغرافية هذه المدينة البربرية الحدودية مع ولاية جيجل، المدينة الاكثر اهمية في السياحة الجزائرية سابقاً، يبدأ خطر الجماعات المسلحة التي تفرض نفسها ودمويتها عبر الطريق جبلي ضيق "الكورنيش" المؤدي الى مدينة جيجل على مسافة 60 كلم كاملة. الظلام فرض نفسه والحاضرون في السيارة ابدوا خوفهم من كل منعرج او منحدر وقد طلب مني ان تكون قيادة السيارة دون انارة حتى لا يرانا عناصر الجماعة المسلحة فينزلوا الى عرض الطريق الامر الذي صعب السير في مثل هذه الظروف وتقلصت بذلك سرعة السيارة الى حدود 30 كلم في الساعة مما يعقد السير الطبيعي للرحلة ويعزز الخوف من مخاطر السير في هذا الطريق المعزول ليلاً. ولدى دخولنا بلدية زيامة منصورية "20 كلم عن بجاية" بدأت ملامح الجماعات تفرض نفسها فالمنطقة شبه معزولة وحتى حاجز الجيش الجزائري كان يدل على ان الخطر محيط بالمنطقة التي كانت مأوى عناصر كل الحركات الاسلامية سنوات الثمانينات والذين كانوا يقصدونها من كل المناطق الجزائرية لاقامة مخيمات صيفية على ضفاف وادي زيامة. الحاجز الاول للجيش لم يمنعني من مواصلة السير على فرضية اننا سنتوقف قريباً عند نهاية المنطقة السكنية وفي الحاجز الموالي للجيش والذي كان على بعد 7 كلم بمنطقة "الكهوف العجيبة" رفض مسؤول الحاجز ان نتم الرحلة وذكر لنا كل المخاطر التي قد نجدها في الطريق وأمام الاصرار على الوصول الى مدينة جيجل في تلك الليلة تم السماح لنا بعبور المنطقة وقال لنا بأن الرحلة ستكون في كل الحالات في منطقة "أفتيس" حيث يوجد اكبر مركز عمليات للجيش بالمنطقة والذي غلق الطريق عن الحركة منذ الساعة الرابعة ونصف مساء "ساعة قبل غروب الشمس" لاعتبارات امنية. ولم تنفع كل المحاولات لاقناع محدثينا على اهمية التنقل الى جيجل في تلك الليلة على اساس "اني سأحضر وفاة شقيق احد الراكبين الذي هو على فراش الموت بعد مرض عضال". وامام اصرار قيادة الجيش على عدم فتح الطريق قررنا الاقامة في السيارة الى الصباح حيث فتح الطريق امام الحركة في المنطقة الأكثر خطورة في المدينة كلها والتي تقع بين منطقة "أفتيس" ووادي الكبير والتي تسمى عند المنطقة بكليومترات الموت ودائرة "5 كلم" رغم ان الخطر يبقى قائماً الى غاية مدينة العوانة او "كافالو" كما يسميها اهل المدينة. جيجل منطقة ساحلية تحاصرها جبال حجرية وعرة وسكانها في الغالب عائلات محافظة آوت في القرن ال16 المسؤول التركي عروج الذي جاء للجزائر رفقة خير الدين لحماية البلاد من المد الاسباني. ويتقاسم المدينة تياران مسلحان الاول، وهو الاكثر اهمية، الجيش الاسلامي للانقاذ "الأيياس" ام الجماعة الاسلامية المسلحة "الجيا" فبالاضافة الى المرتفعات بين "افتيس" والعوانة فانها تتحكم في بعض المناطق بصفة كاملة مثل بلدية حمزة التي يقول عنها احد الانقاذيين انها بلدية "جيا مائة بالمائة". الطريق الى قيادة جيش الانقاذ الطريق الى قيادة الجيش الاسلامي للانقاذ لم يكن سهلاً فقد كان الطريق الجنوبي المؤدي الى دائرة تكسانة، الطريق الوطني رقم 77، المؤدي الى اعالي ام الحوت وعراً وصعباً حيث بدا متباين الألوان وكأنه قد رقع حديثاً حيث تذكر شهادات من صادفناهم في الطريق ان الجيش استعمل في مكافحته للعناصر المسلحة الطائرات الحربية والمروحيات الحاملة للقنابل الامر الذي اثر على صورة الطريق الذي كانت تتخلله صور مرتبطة بمنطقة القبائل مثل قيام العجائز بالاعمال الصعبة في البيت مثل الزراعة المعاشية او التجول لنقل بعض الحاجيات المنزلية. وفي مدينة تكسانة كان السكان يبدون نوعاً من الارتياح للوضع الذي هم عليه فأمن المدينة يضمن الجيش وكذا تنظيم مدني مزراق. وفي الطريق المؤدي الى ذراع الديسة "منطقة تواجد قيادة جيش الانقاذ وضع حاجز للجيش يحد من اي تحركات مشبوهة نحو مركز قيادة الانقاذ والحجة التي تستعمل في العادة من الغرباء للتسلل الى المنطقة هي "جئت لشراء زيت الزيتون في معصرة احد الأقارب". وبعد نحو 5 كلم عن تكسانة نحو المرتفعات وصلنا الى دشرة "ذراع الديسة" وهي قرية بسيطة اول ما لفت فيها الانتباه حركة عناصر جيش الانقاذ بواسطة لحاهم الكثة وملابسهم الأفغانية والتي فضل بعضهم ان يخيطها بقماش اخضر. الترحيب كان بالعناق على الطريقة العسكرية حيث يحتضن ضيفه ويضرب على الظهر بضربات خفيفة للتحية. تتحسس فيها جهاز الارسال لمن يحمله او تشعر بقرب الكلاشنكوف او البندقية مقطوعة الماسورة التي تسمى في الشارع الجزائري ب"المحشوشة" لدى بقية الجند الذين تواجدوا بالمنطقة. "أهلاً بالجماعة كنا ننتظر وصولكم"، قال شقيق مدني مزراق، لقد كانوا على دراية بأن سيارة زرقاء اللون ومحددة الاوصاف ستصل الى المنطقة، صباح الجمعة، الأمر الذي دفع قيادة الاتصال في التنظيم الى اصدار تعليمات الى كل كتائب الحراسة بالسماح لهذه السيارة من المرور دون اعتراض سبيلها ولا لفت نظر الركاب. وبعد لحظات قليلة من مبادلة الحديث طلب مني وضع السيارة في فناء منزل تقليدي ودخلت بعد ذلك رفقة زميلي الى احد البيوت البسيطة والتي وضع فيها فرن كهربائي بسيط للتدفئة. كان البيت مشقوقاً في بعض جوانبه وحتى طلاء البيت الوردي مال الى الأسود في بعض جوانبه فالرطوبة او الجليد اثر على وضع هذا البيت التقليدي الذي حضر في شكل قاعة انتظار. بعد ربع ساعة دخل الينا عنصران، الاول قيادي في التنظيم رفقة مساعده، اهلاً بكم، وبدأ الحديث عن سلسلة من القضايا المتعلقة بواقع الهدنة ومستقبلها. الجو في قرية ذراع الديسة كان طبيعياً وعدد المساكن محدود وهي متناثرة وتفرق بينها مزارع بسيطة لا تتعدى مساحتها 200 متر مربع يستفيد منها عناصر التنظيم الذين كانوا يوفرون للسكان والمزارعين الأمن سيما وان عدد عناصر التنظيم المحيط بالمقر العام للقيادة تبلغ نحو 3000 عنصر في دائرة تكسانة وحدها حسب ما يذكره عضو سام في قيادة التنظيم الذي التحقت به 22 كتيبة مسلحة منذ اكتوبر 97 "عدد عناصر الكتائب يتراوح بين 50 الى 100 وقد يصل العدد الى 320 مثلما هو الحال بالنسبة لكتيبة نور الهدى". في الطريق الرئيسي للقرية لا تشاهد الا عناصر ملتحية من التنظيم بأسلحة حربية يصولون ويجولون في المنطقة. البعض يحمل احدهم "شنطة" لنقل لوازمه الى منطقة اخرى وآخر يقوم بنقل محصول وثمار احد المزارعين الى مقر قيادة احد مسؤولي الحراسة وبين الحين والآخر تحل سيارات تابعة للقيادة الانقاذية وهي سيارات من آخر طراز تكون السلطات الجزائرية قد اعارتها لهم لقضاء حوائجهم من المدينة. وبين الفينة والاخرى تصل سيارات الى المنطقة يحمل بعضها ترقيم بعض الولايات المجاورة انها عائلات لعناصر في التنظيم جاءت لتطمئن على وضعه وآخرون جاءوا حاملين بعض المتاع لأقاربهم في التنظيم. العملية، يقول عنها احد المسؤولين، تتم بصفة عادية ودون اية عراقيل سواء من قيادة التنظيم او السلطات الأمنية. وما يميز سير هذه السيارات بطء الحركة والحذر الشديد من اثارة الخوف في عناصر التنظيم. وعن ظروف العيش يقول المسؤول الذي تحدث الى "الحياة"، اننا ندبر امورنا بصفة عادية ونسترزق بأموالنا الخاصة" وذكر بأن السلطات لم تقدم لهم ابداً دعماً سواء مادياً او عسكرياً منذ تأسيس التنظيم سنة 1994. وتضمن قوات الامن اللقاءات التي تنعقد بصفة دورية بين اطارات او مسؤولي الجيش الاسلامي للانقاذ في الولايات حيث تتكفل مصالح الامن ضمان حراسة عناصر التنظيم اثناء التنقل بين الولايات. ويتم تبادل المعلومات بين كتائب التنظيم عبر نظام "بريد الجماعة" وهم عدد من المبعوثين الذين ينقلون رسائل المسؤولين والتعليمات الى الكتائب الموجودة في عدد من الولايات مع حماية امنية تضمنها مصالح الأمن لهولاء العناصر بطلي من قيادة جيش الانقاذ. ويتم شراء المواد الغذائية وبقية اللوازم من المدينة بواسطة مجموعة التموين التابعة للجماعة والتي تتكفل بادارة حاجيات التنظيم لسدها دون الحاجة الى دفع عناصر التنظيم الى التفكير في قضاء حاجياتهم. كل عناصر التنظيم يقيمون لوحدهم في المنطقة وقليل هم من ابناء المدينة ونظام جيش الانقاذ يفرض على عناصر التنظيم عدم وضع زوجاتهم في المعسكر، خلافاً للجماعة الاسلامية المسلحة الاخرى، والهدف من ذلك، يقول المسؤول الذي تحدث الينا، عدم التأثير على عناصر الجيش في العمليات الحربية. وتعد منطقة ذراع الديسة آخر منطقة متقدمة قبل الوصول الى ام الحوت، المقر العام للعمليات والذي يبعد عنها حوالي 2 كلم، وهي سكنات قليلة جدا بعضها أقارب مدني مزراق وهي المنطقة التي نشأ فيها مسؤول التنظيم المسلح وكانت مقر اقامة والديه الى غاية وفاتهم قبل سنوات. ام الحوت تعد منطقة استراتيجية بالمفهوم الحربي فهي تشكل نقطة عبور باتجاه جبال تكسانة وتلك المطلة على دائرة الملية شرقاً وسطيف جنوباً وناحية العوانة غرباً حيث معقل الجماعة الاسلامية المسلحة. ويبدو ان حسن العلاقة التي تجمع قيادة تنظيم مدني مزراق بأوساط المؤسسة العسكرية قد دفعت هذه الاخيرة الى التعمد في وضع الهوائي الخاص بنظام الهاتف الخلوي قرب قيادة جماعة قيادة جماعة مزراق حيث كنت في كل مرة احاول الاتصال بالعاصمة من وسط المدينة اعجز عن الدخول في شبكة الهاتف الخلوي وكانت العملية سهلة الى حد بعيد قرب مركز العمليات. ويقول بعض المقربين من الرجل الاول في جيش الانقاذ ان مزراق استفاد من هاتف خلوي قبل اكثر من سنتين لتوثيق الاتصال مع قيادة الأمن العسكري. وخلافاً لما يتصوره البعض فان احد قياديي التنظيم المسلح لم يتردد في التعبير عن سخطه لمرحلة الرئيس الشاذلي به جديد وقال لقد كنا بخير في عهد الرئيس صاحب الشنبات "الموسطاش"، يقصد الرئيس هواري بومدين، واعتبر ما قام به من ابرز انجازات الجزائر وانتقد بحدة ما قام به الرؤساء الذين جاءوا من بعده. مدني مزراق من حركة سرية الى تنظيم مسلح مسؤول التنظيم المسلح مدني مزراق واسمه الحقيقي نورالدين مزراق المدعو ابو الهيثم من مواليد 1959 بأم الحوت عرف في بداياته الاولى ضمن انشط مناضلي التعريب حيث قاد الاضراب الشهير الذي عرفته الثانويات سنة 1979 للمطالبة بالتعريب بثانوية تكسانة. ولم يتردد في الالتحاق في تلك الفترة بالتنظيم السري لحركة النهضة الذي كان يقوده عبدالله جاب الله. ومع دخول الجزائر التعددية سنة 1989 فضل مزراق العمل كإمام واعظ بأحد مساجد المنطقة قبل ان يلتحق بالجبهة الاسلامية للانقاذ المنحلة. يقول عنه السيد "م. ع"، وهو اسلامي قديم تتبع تكوين مزراق، انه "رجل انصهر فيه المد الاسلامي بالبعد الوطني" وقد كان ذلك لافتاً حسبه "منذ بداياته الاولى ولم يؤثر حمله السلاح على هذه القناعة". تصفية كل حركة تمرد على قيادة التنظيم ولأن مركز العمليات يتطلب الصرامة في تسيير كل الكتائب المنضوية تحت لواء الانقاذ فقد يحدث ان تتم عمليات مسلحة ضد كل من يخالف تعليمات القيادة حيث يذكر مصدر مسؤول في التنظيم ان كتيبة نور الهدى التابعة للجماعة الاسلامية المسلحة "300 عنصر" انضمت خلال الاشهر الماضية الى جيش الانقاذ حيث تقرر ان لا يتم اتخاذ اي قرار دون استشارة قيادة مدني مزراق غير انه وقرب الاستفتاء الاخير حول الوئام المدني اتصل مسؤولو الكتيبة بالسلطات العسكرية لتنظيم نزول الجماعة دون علم القيادة وهو ما اعتبرها تمرداً وتجاوزاً للقيادة وقد تم خلالها القرار بأسر أربعة امراء الكتيبة لوقف عملية التسليم التي اراد مدني مزراق ان تكون بإذنه وفي التوقيت الذي يريده غير انه وخلال مباشرة العملية قتل احد الامراء عندما قرر مواجهة عناصر الجيش الاسلامي بالسلاح حيث قتل اثر تبادل اطلاق النار. اللحى والملابس الأفغانية تعود الى جيجل ظاهرة التائبين الجدد او "المسرحون" من الجبال بدأت تبرز مع الوقت في مدينة جيجل بفعل نزول عدد من عناصر جيش الانقاذ وباقي الجماعات المسلحة الى ذويهم وكذا سماح السلطات العسكرية لمسؤول الانقاذ من التحرك بكل حرية في المدينة فضلاً على افراج السلطات القضائية على كل عناصر شبكات الدعم والاسناد التابعة للجماعة الاسلامية المسلحة. الناس هنا متباينون في تقديراتهم للوضعية الحالية بين من يرحب بهذا الرجوع الى "جادة الصواب" كأفضل طريقة لوقف العنف الذي شل المدينة السياحية منذ تصاعد اعمال العنف سنة 1993. ويرى السيد "ع. ع" ان عودة العناصر الى ذويهم تتم بعمل جبار للأقارب لإعطاء مكانة جديدة للعناصر التي التحقت بذويها مؤخراً. ومن ذلك اذكر سهرة قضيتها، يوم الجمعة الماضي، عند احد الانقاذيين حضرت فيها سمراً ساهراً على مائدة شاي وحلويات رمضانية وكانت مفاجئتي كبيرة عندما رأيت ان من بين الحضور عنصراً من الجماعة الاسلامية المسلحة نزل منذ اسبوع من الجب وقال انه مكث في الجبل خمس سنوات دون ان يقتل فرداً واحداً وعلق عليه آخر قائلاًَ "كل الذين ينزلون يقولون انهم لم يقتلوا احداً، كلهم كانوا في المطبخ لم يقتلوا ولم يروا من قتل". اما الرافضون للمسعى فيرون بأن عودة "التائبين الجدد" مثلما يحلوا لهم تسميتهم، باللحى والملابس السلفية وحتى الأفغانية في بعض الأحيان من شأنه ان يؤجج ديناميكية الحركة الاسلامية ويجعل المدينة رهن هذا التيار ويحطم في العمق محاولات مقاومة "المد الأصولي". مشاكل عالقة بين الأمن وجيش الانقاذ حول ما بعد 13 جانفي المقبل كل المؤشرات يدل على ان الوضعية الأمنية لن يتم معالجتها بالسهولة المتصورة فمدني مزراق يشترط الحصول على ضمانات جديدة من الجيش لانجاح العملية ومن ذلك حسن معاملة الذين نزلوا ومنح قواته القتالية اسلحة عسكرية متطورة تمكنه من تتبع ومواجهة عناصر الجماعة الاسلامية المسلحة بعد انتهاء قانون الوئام المدني في 13 جانفي المقبل. والأوساط العسكرية ترفض منح اسلحة حربية لعناصر مدني مزراق لعدة اعتبارات امنية وسياسية يقتنع بها حتى المقربون من مدني مزراق الامر، الذي يجعل نهاية الهدنة ودخول المرحلة الجديدة بين قيادة الامن الجزائري والجيش الاسلامي للانقاذ صعبة للغاية وهو ما يفسر حدة اللهجة التي تبناها العضو القيادي في جيش الانقاذ الذي فضل تمرير رسالته عبر "الحياة" دون الحاجة الى كشف اسمه. وحسب بعض المقربين من الملف الذين التقيت بهم في تكسانة وجيجل فان 13 جانفي المقبل والذي يتزامن تاريخه مع يوم جمعة سيكون فعلاً "بوغ 20000" للجزائر لأن كل المؤشرات تؤكد بأن المعادلة قد تهتز وتصريح الانقاذيين بأن "للكعبة ربّ يحميها" لم يأت من فراغ.