"تشينغداو الصينية" تنظم مؤتمر التبادل الاقتصادي والتجاري بالرياض.. 25 الجاري    مصر: تحقيق عاجل بعد فيديو اختناق ركاب «الطائرة»    اختفاء «مورد» أجهزة ال«بيجر»!    إسرائيل - حزب الله .. لا تهدئة والقادم أسوأ    انخفاض سعر الدولار وارتفاع اليورو واليوان مقابل الروبل    الشورى: مضامين الخطاب الملكي خطة عمل لمواصلة الدور الرقابي والتشريعي للمجلس    "الأوتشا" : نقص 70% في المواد الطبية و65% من الحالات الطارئة تنتظر الإجلاء في غزة    رياح سطحية مثيرة للأتربة والغبار على القصيم والرياض    فلكية جدة: اليوم آخر أيام فصل الصيف.. فلكياً    2.5 % مساهمة صناعة الأزياء في الناتج المحلي الإجمالي    القوات البحرية تدشن عروضها في شاطئ الفناتير بالجبيل    رئاسة اللجان المتخصصة تخلو من «سيدات الشورى»    «النيابة» تحذر: 5 آلاف غرامة إيذاء مرتادي الأماكن العامة    خطيب المسجد النبوي: مستخدمو «التواصل الاجتماعي» يخدعون الناس ويأكلون أموالهم    "مدل بيست" تكشف مهرجان "ساوندستورم 2024" وحفل موسيقي لليوم الوطني ال 94    الاتحاد السعودي للهجن يقيم فعاليات عدة في اليوم الوطني السعودي    الأخضر تحت 20 عاماً يفتتح تصفيات كأس آسيا بمواجهة فلسطين    "أكاديمية MBC" تحتفل بالمواهب السعودية بأغنية "اليوم الوطني"    "تعليم جازان" ينهي استعداداته للاحتفاء باليوم الوطني ال94    رياض محرز: أنا مريض بالتهاب في الشعب الهوائية وأحتاج إلى الراحة قليلاً    شرطة نجران تقبض على شخص لحمله سلاحًا ناريًا في مكان عام    حاملة الطائرات الأميركية «يو إس إس ترومان» تبحر إلى شرق البحر المتوسط    مجلس الأمن يعقد اجتماعا طارئا لبحث التطورات في لبنان    الدرعية تحتفل بذكرى اليوم الوطني السعودي 94    بيع جميع تذاكر نزال Riyadh Season Card Wembley Edition الاستثنائي في عالم الملاكمة    «لاسي ديس فاليتيز».. تُتوَّج بكأس الملك فيصل    النصر يستعيد عافيته ويتغلّب على الاتفاق بثلاثية في دوري روشن للمحترفين    الناشري ل«عكاظ»: الصدارة أشعلت «الكلاسيكو»    بفعاليات وعروض عسكرية.. وزارة «الداخلية» تحتفي باليوم الوطني ال (94)    «مكافحة المخدرات» بجازان تقبض على شخص لترويجه 13,981 قرصاً من الإمفيتامين    رئيس جمهورية غامبيا يزور المسجد النبوي    أمانة القصيم توقع عقداً لمشروع نظافة مدينة بريدة    وزارة الداخلية تُحدد «محظورات استخدام العلم».. تعرف عليها    ب 2378 علمًا بلدية محافظة الأسياح تحتفي باليوم الوطني ال94    أمين الشرقية يدشن مجسم ميدان ذاكرة الخبر في الواجهة البحرية    المراكز الصحية بالقطيف تدعو لتحسين التشخيص لضمان سلامه المرضى    نائب الشرقية يتفقد مركز القيادة الميداني للاحتفالات اليوم الوطني    زعلة: ذكرى اليوم الوطني ال94 ترسخ الانتماء وتجدد الولاء    "الصندوق العالمي": انخفاض معدلات الوفيات الناجمة عن مرض الإيدز والسل والملاريا    الذهب يرتفع بعد خفض سعر الفائدة.. والنحاس ينتعش مع التحفيز الصيني    حركة الشباب تستغل النزاعات المحلية الصومالية    «الأرصاد»: ربط شتاء قارس بظاهرة «اللانينا» غير دقيق    خطيب المسجد النبوي: يفرض على المسلم التزام قيم الصدق والحق والعدل في شؤونه كلها    خطيب المسجد الحرام: أعظم مأمور هو توحيد الله تعالى وأعظم منهي هو الشرك بالله    محافظ حفرالباطن يرأس المجلس المحلي    جمعية النشر.. بين تنظيم المهنة والمخالفات النظامية المحتملة    محمد القشعمي: أنا لستُ مقاول كتابة.. ويوم الأحد لا أردّ على أحد    وظيفةُ النَّقد السُّعودي    حصّن نفسك..ارتفاع ضغط الدم يهدد بالعمى    احمِ قلبك ب 3 أكوب من القهوة    احذر «النرجسي».. يؤذيك وقد يدمر حياتك    أدب تختتم ورشة عمل ترجمة الكتاب الأول بجدة    قراءة في الخطاب الملكي    على حساب الوحدة والفتح.. العروبة والخلود يتذوقان طعم الفوز    صحة جازان تدشن فعاليات "اليوم العالمي لسلامة المرضى"    أكثر من 5 ملايين مصلٍ يؤدون الصلوات في المسجد النبوي خلال الأسبوع الماضي    برعاية خادم الحرمين.. «الإسلامية» تنظم جائزة الملك سلمان لحفظ القرآن    اليابان تحطم الأرقام القياسية ل"المعمرين"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الأزمة في سنتها العاشرة : "الحياة" تتجول على مدار 31 يوماً في الجزائر . الاسلام المسلح : الجزائر دار حرب ودار سلام ! . شعار الجماعات المسلحة :"الأمير" بديل من "الفقيه" والشورى ليست واجبة !7
نشر في الحياة يوم 07 - 07 - 1998

في هذه الحلقة نقدم خارطة مفصلة للإسلام المسلح وجماعاته الأساسية العاملة في الجبال والمدن والمناطق الجزائرية المختلفة، وفيها أحدث المعطيات حول هذه الجماعات، بما في ذلك الأرقام والتواريخ والأسماء المتعلقة بها، وبأعمالها، وأمرائها الذين لقي أغلبهم مصرعه بطريقة مأسوية في المعارك الدموية التي خاضتها هذه الجماعات في صراعها مع السلطة. وباستثناء عنتر الزوابري، فإن كل من ورد اسمه هنا في هذه الحلقة هو إما قتيل أو نزيل السجن. والمعلومات الواردة هي معلومات دقيقة جداً لكونها تستند في جانب منها إلى تقارير أمنية، وفي جانب آخر إلى وثائق الجماعات نفسها، وتتضمن معلومات عن طرق عملها في تجنيد الانصار، والحصول على الدعم، وما شابه.
منذ بداية الثمانينات عرف التيار الراديكالي لجماعة الاسلام السياسي انتقاله الأول من لحظة الاحتجاج التي مثلتها وجوه مثل العرباوي ومصباح وعبداللطيف سلطاني إلى لحظة الدعوة التي كانت تشكل على مستوى الخطاب السلفي آنذاك بذور العمل المسلح. وقد تم في تشرين الثاني نوفمبر 1982 الاعتداء على الطلبة في الحي الجامعي ابن عكنون أعالي العاصمة الجزائرية، واغتيل اثناءها، الطالب كمال أمزال. وبعد عشرة ايام من هذا الحادث أصدرت الجماعات السلفية الراديكالية وممثلوها اول بيان لهم كشفوا فيه عن بداية انتقالهم من شبه السرية إلى العلن. وبالموازاة مع ذلك تشكلت أول نواة مسلحة عرفت بمجموعة بويعلي، وكانت اعمالها الأولى ممثلة في الاعتداء على رجال من الدرك الوطني في منطقة تُدعى "وادي الرمان" في بداية الثمانينات، تلتها بعد ذلك اعمال أخرى كالسطو على أموال عمال وحدة صناعية في "العاشور". وفي 1985 تم الهجوم على مدرسة الشرطة ب "الصومعة" ولاية البليدة التي ستغدو في ما بعد من أخطر المناطق وأكثرها عنفاً في الجزائر.
كان مثل هذا التوجه لفصائل من الإسلام السياسي الراديكالي تعبيراً واضحاً عن مأزق السلطة، ولم تستطع بعد ذلك مجموعة بويعلي ان تستمر في نشاطها وفي انتشارها بعد تفكيكها لمرتين على التوالي.
في 1983، وفي زخم بدايات التعددية، تم اطلاق سراح بعض أفراد النواة الصلبة من مجموعة بويعلي. ومن بين هذه الأسماء التي شملها العفو الرئاسي آنذاك: عبدالقادر شبوطي والملياني اللذان سيكونان من العناصر التي ستعيد تنظيم جماعات الإسلام المسلح. وعلى رغم أن بعض الطروحات كانت ترجع ظهور مثل هذه الجماعات إلى لحظة ما بعد ايقاف المسار الانتخابي 1992، فإن وثيقة أحد الأمراء السابقين ل "الجيا" جمال زيتوني المدعو ابو عبدالرحمن أمين، والتي تحمل عنوان "هداية رب العالمين في تبيين أصول السلفيين وما يجب من العهد على المجاهدين"، تأتي لتكشف ان بدايات تشكيل النواة الأولى لجماعات الاسلام المسلح ذات التوجه العسكري كانت قبل ايقاف المسار الانتخابي.
الجيا: الجذور واستراتيجية العمل المسلح
نواة العمل المسلح تشكلت من عناصر عدة أعلنت تمسكها بمنطلقات جماعة بويعلي مصطفى. وتذكر وثائق "الجيا" - الجماعة الاسلامية المسلحة - المجموعة التي نفذت عملية ضد محكمة البليدة تحت إمارة نصر الدين كحيل سنة 1989، وكذا المجموعة التي قامت بأعمال تفجيرية سنة 1990 في بعض نواحي العاصمة والمكونة من توفيق بن طبيش وفرطاس علي، والتي كانت تحت اشراف محمد الخير أمير "جماعة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر"، وكانت تنشط في الحي العريق "القصبة"، وهو، اليوم، أحد الأحياء الساخنة في الجزائر.
وبعد هذه العمليات لجأ عناصر من بقايا تنظيم مصطفى بويعلي إلى تنظيم اكبر للعمل المسلح في لقاء تم سنة 1990 في "مدينة الأربعاء" التي كانت آنذاك من اهم القلاع المحصنة لحزب "جبهة الانقاذ المحظورة". وضم اللقاء مجموعة من المفرج عنهم سنة 1990 في قضايا متعلقة بالإرهاب امثال: منصوري ملياني وعمر عولمي وشبوطي وعزالدين باغة. إلى جانب وجوه جديدة فضلت الالتحاق بالعمل المسلح مثل: سيد احمد الحراني، وسوسان السعيد، والثاني هو أحد المشاركين في تفجير مطار هواري بومدين، والذي تعرف للمرة الأولى على منصور ملياني. وعلى رغم ان التعددية في الجزائر منحت الحزب المحظور "الجبهة الاسلامية للانقاذ" قوة شعبية مكنته من اكتساح مؤسسات الدولة خلال انتخابات المجالس المحلية التي جرت يوم 12 حزيران يونيو من السنة نفسها، إلا ان عدداً كبيراً من ممارسي الأنشطة العسكرية في الحزب كانوا يرفضون منهج الانقاذ في التغيير، وفضلوا اختصار الطريق عبر لجوئهم إلى العمل المسلح، بتشكيل فرق مسلحة محلية حمل معظمها تسميات كلاسيكية مثل: "جماعة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر" والتي بدأت تنتشر في سهل متيجة بسرعة وكثافة، خصوصاً من طرف جماعة تشكلت بمسجد البشير الابراهيمي في منطقة تدعى براقي في مطلع 1990.
اعتقال عباسي وبن حاج
بعدها بأشهر بدأ التفكير في تحويل "جبهة الانقاذ الاسلامية" إلى آلة حربية، لا سيما إثر الأزمة التي نشبت بين قيادييها وحكومة مولود حمروش، آنذاك، وما نجم عنها من اعتقال كل من عباسي مدني وعلي بن حاج خلال الفترة الأولى لحكم سيد احمد غزالي، عندما لجأ عدد من أعضاء الانقاذ إلى تنظيم لقاء في إحدى ولايات الجزائر باتنة لاعطاء نفس جديد لمراكز القرار في الحزب. غير ان هذا اللقاء سرعان ما انحرف ليصبح نقطة تحول مهمة في تاريخ المغالبة التي رفعها الانقاذيون، إذ قام انصار بلقاسم لوناس المعروف في الحزب بالشيخ محمد السعيد بانقلاب ضد التيار السلفي، وفرض خلال اللقاء فكرة العمل المسلح التي كانت تبلورت في ذهن احد قادة التنظيمات في ما بعد السيد سعيد مخلوفي قبل أشهر من ذلك. وما لم يعلنه الانقاذيون للصحافة آنذاك حسب رواية مطلع على الوثائق انهم اتفقوا في لقائهم التاريخي على التحضير للعمل المسلح على اساس ان الحكم يريد ضرب الحركة الإسلامية.
ويشكل اعتقال عباسي مدني وعلي بن حاج - بالنسبة إليهم - بداية التراجع عن الخيار الشعبي. ولم يكن سهلاً رد الفكرة القائلة إن "هناك رجالاً يريدون الموت ولا نريد ان نحرمهم من الجنة" امام العدد الكبير لقيادة الجزأرة التي حضرت ذلك اللقاء، من امثال عبدالرازق رجام ومحمد السعيد. في الوقت نفسه، تقريباً، اعلن عن توحيد كل التنظيمات المحلية المسلحة التي كانت تحمل اسم "جماعة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر" تحت إمارة نورالدين سلامنة، والذي خلفه بعد مصرعه في شباط فبراير 1992 محمد علال المدعو "موح ليفي" الذي كان يشتغل في كراج لتصليح السيارات يملكه عبدالحق لعيادة الذي سيصبح واحداً من أهم امراء الجماعات، وأول منسق لنواتهم واخطرهم.
وكان هذا التنظيم، حسب وثائق الجماعات، النواة الأولى ل "الجماعة الاسلامية المسلحة" التي تبنت عمليات عدة باسمها الجديد مثل: الهجوم على ثكنة عسكرية في منطقة قمار ولاية الواد في تشرين الثاني نوفمبر 1991 وقادها عبدالرحمن دهان والطيب الأفغاني، وكذا الهجوم على قيادة الدرك ببني مراد في البليدة في كانون الأول ديسمبر 1991. وفي شباط فبراير 1992 قام منصور الملياني بعملية هجوم ضد الثكنة البحرية العسكرية في العاصمة، وبعد إلقاء القبض عليه من طرف مصالح الأمن خلفه أحمد الود.
وفي الوقت نفسه، كانت مجموعة اخرى تابعة لها تنشط في العاصمة تحت إمارة محمد علال الذي خلفه بعد مصرعه عدلان عبدالحق لعيادة. وفي تشرين الأول اكتوبر 1992 عقد لقاء حضرته عن جماعة الملياني تحت امارة احمد الود، مجموعة من عناصر هذا التنظيم شديد البأس، منهم منير وسيد أحمد الحراني وفتحي، وقرروا الانضمام الى جماعة لعيادة وتمّ للمرة الأولى تسميتها رسمياً ب "الجماعة الاسلامية المسلحة". وأصدر عبدالحق لعيادة خلال هذا اللقاء بياناً تبنى فيه معظم العمليات على مستوى البلاد، كما اصدر القانون الأساسي لها.
اعتقال لعيادة في المغرب
وبعد ان ألقت السلطات المغربية القاء القبض على عبدالحق لعيادة في مدينة وجدة الحدودية بطلب من السلطات الجزائرية، والذي استغرقت عملية تسليمه إلى الجزائر أشهراً طويلة، تولى امارة الجماعة عيسى بن عمار في تموز يوليو 1993، وهو من مواليد بوفاريك في ولاية البليدة، وكان تحت إمرته عنتر زوابري. ولم تدم رئاسته إلا شهراً واحداً فاستُبدل بسيد أحمد مراد المدعو جعفر سيف الله، وهو من نشطاء حي "المنظر الجميل" في العاصمة الذي أرعب اعداء الله بشهادة العالم منح منصب نيابة مسؤول المدينة إلى الدموي أبي يونس السايح عطية المعروف في منطقته المدية باسم الخُن، والذي سقط في معركة مع مصالح الأمن في منطقة بوعيشون بالمدية يوم 3 رمضان سنة 1994. وبعد اسبوعين من ذلك سقط الرقم الأول في الجماعة سيد أحمد مراد في اشتباك مماثل.
عقب ذلك لجأ هذا التنظيم إلى تولية احد نشطاء منطقة بئر خادم في الجزائر العاصمة شريف قوسمي المدعو ابو عبدالله احمد الذي قام خلال الأشهر الستة التي تزعم فيها الجماعة بتسطير فلسفة بالغة التشدد في تكفير السلطة في كتاب سماه "القواعد الأساسية المفلحة في الجماعة الاسلامية المسلحة". وأمام الضربات القوية التي وجهتها مصالح الأمن لهذا التنظيم عمد المسؤول الأول إلى "إعلان الحكومة الاسلامية للخلافة الراشدة" يوم 14 أيار مايو 1994 مع انضمام عدد من اعضاء الجزأرة في جبهة الانقاذ المحظورة ، كذلك حركة الدولة الاسلامية وذلك بشرط التوبة من الجبهة ومسارها الديموقراطي. وبعد مصرع علي شريف قوسمي يوم 26 كانون الأول ديسمبر 1994 في العاصمة، خلفه جمال زيتوني المدعو ابو عبدالرحمن أمين الذي شرع في تطهير الجماعة من الجزأريين والذين عمدوا في تشرين الثاني نوفمبر 1994 إلى تشكيل تنظيم مواز هو الفيدا لضمان مستقبلهم في العمل المسلح وتعويضهم بعناصر اكثر تشدداً في مقاتلة السلطة.
تصفية المترددين
توضح وثائق الجماعة الاسلامية المسلحة انها تنطلق في تحقيق اهدافها العسكرية من فرضية تقسيم الجزائر من الناحية الدينية البحتة إلى "دار مركبة فيها المعنيان فهي دار حرب ودار إسلام"، علماً ان العلماء في الإسلام يُقسمون العالم كله إلى دار اسلام ودار دعوة. وقد غذى التطرف الديني نزعة العنف التي تسربت إلى المجتمع مطلع الثمانينات مع جماعة مصطفى بويعلي التي انتهجت سبيل العمل المسلح، وشكلت أخطر "فرق الموت" التي كانت تهدف أساساً إلى ضرب استقرار الدولة بمختلف الوسائل والفتاوى، واسقاط السلطة بالعنف لبناء دولة اسلامية. ويجب ان نلحظ الطابع المتشدد الذي يميز الجماعة وبقية التنظيمات المسلحة، من خلال النظر في آلية العقوبات الداخلية التي سنتها، وتنتهي كلها بالموت، ومن ثم تخويف المترددين من فكرة تسليم أنفسهم إلى مصالح الأمن، وكلها عوامل جعلت عناصرها تنشط في جو سيكولوجي حاد يأخذ مع كل عملية عسكرية طابعاً دراماتيكياً خاصاً.
وضمن هذا المنظور كشفت تصريحات عدد من الأعضاء التائبين ان قادة الجماعة المسلحة تفتك بكل عنصر متردد مخافة ان يثبط عزيمة الآخرين. وبلغت التصفيات داخلها في احدى الفترات ال 500 عنصر. ويضيف خبير من المثقفين الجزائريين في وضعية الاسلام المسلح نتكتم عن ذكر اسمه أنه من خلال الشروط التي تحددها الجماعة لأعضائها الجدد، وانعدام المستوى الثقافي لدى هؤلاء الاعضاء، والأطماع في الأموال والسبايا، والسرقة بالأسلحة، كل هذه عوامل جعلتهم يعرفون مرحلتين أساسيتين ميزتا نشاطهم من النشأة إلى اليوم. فقد بدأت الاعمال المسلحة بقتل الجنود واعوان الأمن سنة 1992، ثم اغتيال المثقفين ورجال الاعلام خلال 1993 و1994 في ظل تنظيم عسكري يغلب عليه توظيف الطابع الديني لكسب تعاطف مناضلي الحزب المحظور "الجبهة الاسلامية للانقاذ"، واستدراجهم إلى العمل المسلح تحت قيادة عدد من مسؤوليه أمثال: الطيب الأفغاني وجعفر الأفغاني وعبدالحق لعيادة، قبل ان تدخل الجزائر المرحلة الثانية من الموت الأعمى وبعد ذلك الاجرام الواسع ضد الأبرياء من المدنيين، والذي كانت انطلاقته الأولى في نهاية كانون الثاني يناير 1995 عندما انفجرت سيارة مفخخة في أحد شوارع العاصمة شارع عميروش مستهدفة مركزاً للشرطة، وموقعة عدداً كبيراً من الضحايا المدنيين.
أوكلت في تلك المرحلة قيادة المجموعات المسلحة إلى جيل جديد من الاسلاميين تغلب على شخصيتهم نزعات العنف وهم، هذه المرة، من ذوي السوابق العدلية أمثال: حسين فليشة وموح مارطو وجيتا ولاتشا، وغيرهم من الأسماء التي تنم عن طراز خاص من الناس! وحسب ما يصف البعض، هنا، فقد لجأ رجال هذا التنظيم في مراحل كثيرة إلى التنكيل بالجثث، والتفنن في القتل، وممارسة اعمال بشعة من شأنها إثارة الشعور العام بالخوف، كوسيلة لفرض الهيمنة. وهذا ما شل السلطة والمواطنين معاً في بداية الأمر. ويفسر البعض شلل السلطة الأولي، وعدم تمكنها من التعامل العسكري مع الجماعات المسلحة لصالحها، بعنصر المباغتة الذي ميّز عمل هذه الجماعات من جهة، وتزامن هجماتها مع انسحاب الدولة من اكثر من 100 بلدية، الأمر الذي ادى في السنوات الأولى من الأزمة إلى ما يشبه السلطة التامة للجماعات على مناطق مثل: سيدي موسى والكاليتوس والاربعاء، إلى درجة أنها اعتبرت آنذاك "مناطق محررة" ومحرمة على الدولة وأنصارها.
فتاوى الجماعة المسلحة بين التبرير والتأويل
يبدو من خلال وثائق "الجماعة الإسلامية المسلحة" أنها تحاول أساساً كسب التعاطف معها عبر جملة من المنطلقات الدينية، محدثة بذلك غموضاً فقهياً في مسائل حيوية عدة، من ذلك قولها انها "تعتبر الجزائر داراً مركبة فيها المعنيان فهي دار حرب ودار إسلام"، أي أن الجزائر، حسب هذا الخطاب الإسلامي المتشدد، ليست بلداً مسلماً ولا كافراً، فهي شيء ثالث له منزلة بين المنزلتين، على رغم ان الشعب الجزائري يدين بالإسلام منذ 14 قرناً. وحول جمع الأموال يقول مصدر متتبع لنشاطها ومطّلع على وثائقها ان في أدبياتها ما يسمح لعناصرها بجمع الأموال، على رغم ان هذا محرم في الإسلام. وفي إحدى هذه الوثائق نقرأ: "احق الناس بالمال المجاهدون في سبيل الله حتى تتحقق الكفاية ولو مات الرضيع والأطفال والجيع، لأن حفظ الدين اولى من حفظ الأنفس".
ولضمان وصول الدعم والامداد المالي لهم حرمت "الجماعة الإسلامية المسلحة" وجود جماعات أخرى بإعلانها ان "تعدد الرايات في الجهاد حرام".
وترى وثائق الجماعة ان "الاعذار المعتبرة من مرض وعمى وعرج وفقر وعجز لا تسقط واجب النصر والنصح والاحسان" لعناصر التنظيمات. ولأن قيادة هذه المجموعات المسلحة لا تتطلب تضلعاً بالإسلام أو وعياً فقهياً، فإنها ترى أن منصب "الأمير" ضروري لاستمرار انشطتها، هذا في ظل غياب فقهاء وعلماء وأناس مرجعيين معتمدين من المجتمع وذوي فهم عال "وانعدام الامام على المسلمين لا يسقط الجهاد بل يكفي تأمير أحدهم".
إنطلاقاً من هذه الرؤية، فإن العمل المسلح بالنسبة إلى الجماعات لا يحتاج إلى مشاورات بين عناصرها، فهو معلن مفتوح "والشورى غير ملزمة وليست واجبة". ويفسر بعض قراء الوثائق الداخلية ل "الجماعة الإسلامية المسلحة" ان تصفية المرتدين واجبة، خصوصاً من سبق لهم ان قدموا الدعم لها في المناطق النائية سواء كان هذا الدعم مادياً أو عبارة عن معلومات حول أوضاع الجيش وقوى الأمن ومناطق تمركزهم. فهؤلاء يعتبرون مرتدين عنها وفتاوى "الأمراء" تحض على ان قتل هؤلاء أوجب من قتل الأعداء. أما أهم فصائل الجماعات المسلحة فهي: "الجماعة الاسلامية المسلحة" و"الجيش الإسلامي للإنقاذ"، وهو بمثابة الذراع الاستراتيجي لجبهة الانقاذ، و"الجبهة الإسلامية للجهاد المسلح" وهي حركة الجزأرة عملياً، و"الجماعة الاسلامية المسلحة" واختصارها الجيا.
الجبهة الإسلامية المسلحة الجيا
تعتبر هذه الجماعة أقوى الجماعات وأكثرها تشدداً وشراسة، قادها عناصر، بعضهم يتمتع بسجلات امنية وسوابق عدلية. ويقال في الجزائر، والعهدة على القائل، انه في سنة 1990 منح الرجل الثاني في الجبهة الإسلامية علي بن حاج منصوري الملياني مبالغ مالية ضخمة بهدف تشكيل وتنظيم الجماعات المسلحة التي ستضم في نواتها الأولى عناصر صلبة من الأفغانيين وجماعة "التكفير" التي سيذهب ضحية نشاطاتها والأنشطة المضادة لها آلاف الضحايا والأبرياء إلى جانب عدد معتبر من النخب المثقفة كالطاهر جاعوط وجيلالي اليابس وبختي بن عودة وغيرهم. وخلال سنة 1993 وبعد إلقاء القبض على قائدها، تولى الحركة العائدون من افغانستان أو ما يعرف بالأفغانيين، وقد ضربوا بلا رحمة ودموية تحت قيادة سي مراد المعروف بجعفر الأفغاني. هذا الأخير الذي كان ينظر بعين الريبة والشك إلى مختلف الحركات المسلحة الأخرى، والذي دخل مع الدولة في صراع ادخل الجزائر في دوامة مظلمة من التقتيل والعنف الأعمى. وفي سنة 1994 وضعت مصالح الأمن حداً لنشاطه مع عشرة من المقربين إليه في أعالي العاصمة.
بعد سي مراد انتقلت القيادة إلى أفغاني آخر هو شريف قوسمي المدعو: ابو عبدالله أحمد الذي حافظ على الخط المتشدد نفسه الذي انتهجه سلفه جعفر الأفغاني، مع توجه إلى عزل الجزائر عن العالم الخارجي، وذلك عن طريق اغتيال الأجانب. وقد دعا إلى إقامة نظام الخلافة، حين اعطى لبعض القادة الإسلاميين، وعلى رأسهم علي بن حاج، مناصب عليا ضمن المقاومة الاسلامية. ولكن ما لبثت قوات الأمن ان قضت عليه بعد ستة اشهر من ذلك. ولمدة تقارب السنتين قاد الجماعة بعد ذلك جمال زيتوني الملقب بعبدالرحمن أمين. وقد وجه زيتوني فصائله نحو القيام بأعمال كبيرة طالت أهدافاً عسكرية ومدنية، بينها اهداف اقتصادية. وشهدت مرحلته سلسلة اختطافات كالقرصنة التي تمت لطائرة الخطوط الفرنسية سنة 1994، واختطاف الآباء المسيحيين البيض في أيار مايو 1996، وتنسب إليه موجة التفجيرات التي عرفتها فرنسا. على ان فترته، ايضاً، شهدت صراعات دموية وتصفية حسابات داخل صفوف الجماعات المسلحة نفسها. لذلك، وبأوامر من القادة المتواجدين في الجزائر العاصمة، تم التنديد بجمال زيتوني و"تجاوزاته"، وطلب هؤلاء القادة من كل الكتائب عدم إطاعته. وفي سنة 1996 أعلن بيان الجماعة عن مقتل جمال زيتوني وأبرز مكانه قائداً آخر هو عنتر زوابري. وهذا الأخير صاحب مسار لا يختلف كثيراً عن سابقيه، وتنسب إليه المذابح الجماعية التي وقعت في الرايس وبن طلحة وبني مسوس، والتي يتميز وقوعها بغموض شديد. لكنها في الوقت نفسه شهادة على بربرية الفاعلين. وهذه الجماعة تنشط على محاور ولايتي البليدة والمدية.
الجيش الإسلامي للانقاذ
انشئ سنة 1994 وهو الذراع المسلحة لجبهة الإنقاذ الإسلامية، نواته الأولى كانت في جبال ولاية جيجل. وحسب معلومات صحافية جزائرية فإن الجيش الاسلامي للانقاذ لا يتجاوز عدده 4500 رجل. ودائماً، حسب المصادر نفسها، يضم القائد الوطني لمنطقة الشرق الجزائري مدني مرزاق بين 2500 و 2800 رجل، وفي منطقة الغرب تحت امارة احمد بن عيشه 1500 و 4700 رجل.
لا يعرف الكثير عن هذه الجماعة، سوى انها الجناح المسلح للجبهة الإسلامية للإنقاذ. وكونها، أيضاً، محاطة بالكثير من الأسرار. وقد سمحت الضربات التي تلقتها من طرف الجيش الوطني الشعبي و"خلايا الدفاع الذاتي" التي تسمى "باتريوت" في المناطق التي كانت تحت سيطرتها إلى تشتيت عناصرها وتراجعهم إلى الجبال، أضف إلى ذلك الحرب الشرسة التي أعلنت عليها من طرف الجماعة الإسلامية المسلحة والخسائر الكبيرة التي مُنيت بها في صفوفها. لذلك، وبعد مفاوضات سرية، استسلم واحد من أهم قادة "الجيش الإسلامي للإنقاذ" إلى مصالح الأمن وهو العربي مرزاق، وقد أعلن عمه قائد الجيش مدني مرزاق عن خطأ استسلامه وتوبته.
في تموز يوليو 1997 أعلن في الصحافة أن مدني مرزاق يتفاوض بشروط من اجل استسلامه، ولم تكذب السلطات الجزائرية ذلك في حينه. وبعد ذلك بأشهر أمر قائد "الجيش الإسلامي للإنقاذ" في بيان له كل قادة فصائله، والذين هم تحت جناحه، بوقف العمليات المسلحة بدءاً من أول تشرين الثاني نوفمبر. فكانت الهدنة التي تحققت بعد ذلك، وتبعتها هدنة اخرى بوقف اطلاق النار من طرف بن عيشة امير منطقة الغرب الذي انضم إلى موقف مدني مرزاق، طالباً من عناصره احترام نداء قائدهم الأعلى.
الجبهة الإسلامية للجهاد المسلح الفيدا
تشكلت هذه الحركة المسلحة من تيار الجزأرة، وتعد من أنشط الجماعات المسلحة في الجزائر العاصمة. بدأت نواتها الأولى في جامعة العلوم والتكنولوجيا بباب الزوار عندما كان انور هدام ومحمد بوجلخة استاذين هناك.
وعلى النقيض من مختلف الجماعات المسلحة الأخرى، فإن "الفيدا" تنتقي عناصرها بدقة، وهي عادة لا تضم في صفوفها أصحاب المؤهلات العلمية والثقافية.
وتتلخص استراتيجية الجماعة في فقرتين: الهجوم على قوات الأمن ونزع اسلحتهم، ثم القيام بعمليات دقيقة تستهدف الصحافيين والمثقفين ورجال السياسة على نحو خاص. وهذه الحركة ما تزال سرية القيادة، ولا تعرف الأوساط المعنية في الأزمة الجزائرية والاسلام المسلح الكثير عن قادتها، مع ذلك فمن المعتقد انه تم القضاء على نواتها الصلبة سنة 1995 في سعيد حمدين في الجزائر.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.