لعبت قلعة دمشق عبر تاريخها الطويل أدواراً مختلفة تبعاً للجهات التي سيطرت عليها، مذ بناها الأمير السلجوقي اتزبن أوق عام 1076م، وحتى فترة الاحتلال الفرنسي الذي حولها إلى سجن، واستمر ذلك حتى عام 1985. تقع القلعة وسط مدينة دمشق على مساحة تبلغ 33176 متراً مربعاً ويتراوح طولها بين 225 و240 متراً وعرضها بين 165 و120 متراً. ويبلغ عدد أبراجها 12 برجاً. ونتيجة التغيرات الديموغرافية التي طرأت على مدينة دمشق بعدما أصبحت تعج بكل صخب الحياة وزيادة عدد السكان وتنوع الاقتصاد وضرورة توسعها وتطوير البنية التحتية والعلوية لها من أشكال ومحال ومخازن وأبنية، حصل تغير واضح وجذري في عمارة هذه المدينة وتعقيد الحركة فيها ما دفع المعنيين إلى اتخاذ قرار لحماية المدينة ومعالمها الأثرية مطلع عام 1982. وبالتعاون مع "يونيسكو" سُجلت مدينة دمشق كأقدم مدينة آهلة بالسكان وتم تشكيل لجان الحماية للمدينة وتقرر المحافظة عليها وعلى الشريحة الواقعة ضمن سورها وترميم الأزقة والشوارع والحواري والدور السكنية الصغيرة والكبيرة والمعالم التاريخية الأخرى والبارزة منها، كالجامع الأموي الذي كان ضمن أضخم المشاريع التي نفذت في المدينة على مدار خمس سنوات متواصلة من الدراسة والتحليل واجراء التجارب واختيار أنسب الحلول المعمارية والفنية والترميمية. وكان لقلعة دمشق والدور السكنية المسجلة في عداد المباني الاثرية النصيب الأكبر من المساعدات. وتقرر البدء بمشروع إعادة ترميم القلعة من قبل المسؤولين في "المديرية العامة للآثار والمتاحف" بعدما عاشت القلعة سنوات من العزلة عن العالم الخارجي وعن البحث والدراسة والتحليل. ويقول مدير المشروع المهندس فرج العش ل"الحياة": "لم يكن ذلك بالجهد البسيط، إذ شارك خبراء من الخارج ومعهم لجان فنية من قطاعات الدولة المعنية في اجراء الدراسات حتى تقرر البدء بالعمل وتنفيذ هذه الخطط، وعملنا في البداية على ازالة الكتل الدخيلة والعمائر الملحقة بأثر القلعة والظاهر تطفلها، وباشرنا بعدها أعمال التنقيب للكشف عن التاريخ والتحقق منه". وتابع: "تحول شكل العمل إلى خطة بناء وإعادة تأهيل وإحياء القلعة على رغم كل العقبات والصعوبات، وتمثل ذلك بإعادة بناء البرج الثامن المتاخم لسوق الحميدية في الزاوية الغربية منه والذي يغطي مساحة 400 متر مربع، واحتاج هذا القرار إلى عمل ضخم وجبار لإعادة تأهيل المواد المستخدمة في البناء وكان العمل وطنياً بكل أبعاده من دراسات وتنفيذ واشراف وسنوات من الجهد والبناء، إلى أن برزت أهم المعالم والتي تهدمت بسبب الظروف السابقة وتم اكتشاف عدد من العمائر والمعلومات التي أعطت وأغنت الدراسات الحديثة عن القلعة". وأدى هدم الكتل الطفيلية الحديثة من داخلها إلى ابراز المعالم الجمالية لعمارة القلعة من الداخل والخارج، ليظهر واضحاً التاريخ العريق الذي تحكيه كل صخرة فيها. ومنذ عامين تم تشكيل فريق عمل مشترك من سورية ومصر للعمل على ادخال أعمال الرفع المعماري والتوثيق التاريخي عن طريق الحاسوب وتطويرها. وساهم هذا التعاون في تشجيع دول أجنبية على المشاركة في أعمال الترميم، إذ قدمت اليابان منحة عينية شملت معدات ثقيلة وأدوات وأجهزة متطورة، كما شاركت دول أخرى في أعمال الدراسات والتنقيب. وقامت مديرية الآثار والمتاحف بوضع خطة لتوظيف قلعة دمشق واستثمارها على ان تحملها إلى العالم أجمع من خلال مشاركتها في معرض "اكسبو 2000" الذي سيقام في مدينة هانوفر. وتتضمن خطة الاستثمار انشاء خندق مائي يحيط بالقلعة ومسرح في الهواء الطلق وآخر للعرائس، إضافة إلى مطاعم ومقاهٍ حديثة داخل القعلة وخارجها، ومركز للمعلومات الثقافية ومقهى للانترنت وقاعات لإلقاء المحاضرات والندوات والموسيقى والعرض المتحفي، إضافة إلى انشاء سوق للمهن اليدوية والمصنوعات الشرقية وبانوراما بالصوت والصورة لتاريخ القلعة، علاوة على قطار يمكن الزائر من مشاهدة دمشق من داخل القلعة وخارجها.