يتساءل المهتمون بآثار دمشق القديمة عن اسباب تأخر عمليات ترميم قلعة دمشق، وبقاء هذا المعلم التاريخي خارج حيز الاستثمار السياحي والثقافي فهي قيد الترميم منذ العام 1985، ولا يمكن للسائح أو المواطن زيارتها والتعرف الى معالمها الداخلية، الا باذن خاص! وأصلاً الزيارة لا تجدي كثيراً، فجزء مهم من العناصر الاثرية والفنية للقلعة غير واضح بسبب أعمال ورشة الترميم، والقسم الظاهر منها يشغله معهدا الآثار والفنون، وهو عبارة عن مبان أدخلها العثمانيون على القلعة ولا تتمتع بقيمة فنية ومعمارية تقارن ببقية اجزائها. اذاً تبقى التساؤلات قائمة: أين وصل مشروع الترميم، ومتى تستعيد القلعة رونقها ويتمكن الناس من ملامسة سحرها وقراءة معالم أيامها الماضية؟ ولعل افضل من يجيب عن هكذا اسئلة خبراء الترميم باعتبارهم معايشين للمشروع ومطلعين مباشرة على حيثياته. لهذا دعت جمعية اصدقاء دمشق المركز الثقافي العربي المهندسين همام الزعيم رئيس دائرة آثار دمشق القديمة وادمون عجي المشرف الحالي على ترميم القلعة ليتحدثا عن مشروع الترميم وتوظيف القلعة. وقبل الخوض في تفاصيل الترميم أوجز المهندس عجي تاريخ القلعة التي بناها الملك العادل وأولاده في القرن السابع الهجري على مساحة ثلاثة وثلاثين ألف متر مربع، وكانت توسعاً لقلعة سلجوقية صغيرة لا تتمتع بميزات عسكرية كالقلعة الايوبية التي تشكل حصناً منيعاً في شمال غرب دمشق القديمة، وتتميز عن باقي القلاع بأنها مبنية على مستوى الأرض الطبيعية وليس على مرتفع كعادة بناء الحصون والقلاع، وتضم اثني عشر برجاً تتصل مع بعضها بممرات تسهل التنقل داخل القلعة في الظروف الحربية والسلمية. استخدمت القلعة في مجالات عدة عبر مراحلها التاريخية، فبعد بنائها كانت للسكن وملتقى المصالح العقارية في المدينة. واثناء الفترة العثمانية اضيفت لها ابنية حديثة تختلف موادها وبنيتها المعمارية عن البناء الاثري للقلعة. ثم أتى الفرنسيون واستعملوها كسجن وأدخلوا اليها مباني من الاسمنت المسلح اساءت للبناء الأساسي. وخرج الفرنسيون من سورية لكن بقي السجن بيد وزارة الداخلية لفترة طويلة، حتى اخلته العام 1985. وتسلمت مديرية الآثار والمتاحف القلعة لتبدأ بترميمها. ولم يكن العمل سهلاً، كما يقول عجي، فازالة الابنية الاسمنتية المتداخلة والمتلاصقة مع البناء الاثري تتطلب حذراً شديداً ووقتاً طويلاً حتى لا تتأثر الجدران الاساسية للقلعة. ومن الاعمال المهمة والشاقة خلال المرحلة السابقة اعادة بناء البرج الشمالي الشرقي للقلعة الذي كان مهدماً تماماً. وتحدث المهندس همام الزعيم عن دور المنظمات الدولية خصوصاً اليونسكو في الحفاظ على الاماكن الاثرية ومنها دمشق، فهي تلعب دوراً مهماً بتحقيق تعاون اقليمي وتدريب كوادر بشرية في مجال حفظ الآثار وترميمها. وأهم خطوة لليونسكو فيما يتعلق بقلعة دمشق كان تنظيم ندوة في دمشق أوصت باقامة مشروع ترميم رائد يعتمد أسساً علمية متطورة بعيدة عن العشوائية. وتحقق اقتراح الندوة بمشروع ترميم القلعة الذي بدأ منذ عام تقريباً بشكل مختلف عما كان خلال السنوات الماضية، فارتكز على فكرة حتمية تكامل العملية الترميمية، وضرورة دراسة عناصرها الهندسية والبيئية وغيرها. وأشار المحاضر الى ان الابحاث الحديثة اثبتت ان الوضع الحالي للقلعة كان حصيلة تدهور ظروف بيئية مثل تغير المياه الجوفية، والهزات الارضية، مما اثار في بنيتها المعمارية. ولهذا ينطلق مشروع الترميم من معالجة الظروف البيئية المسيئة للقلعة، فالمرممون الآن يدرسون ميكانيك التربة ومدى تأثر القلعة بالمياه الجوفية وبمياه نهر بردى المار قربها. وجاء في خطة الترميم وضع رؤية شاملة واقتراح وسائل تتناسب وحالة القلعة، باستخدام مواد معالجة للبناء تتطابق مع مواصفات البناء الاصلي، اضافة لرسم مخططات هندسية ومساقط لكل اجزائها بعد تحديد المشكلات الهندسية. واذا طبقت هذه الشروط فقد ينتهي مشروع الترميم بايجاد اثر معماري ذي قيمة عالية فنياً وانسانياً يمكن توظيفه سياحياً وتحقيق مردود اقتصادي جيد من اقامة نشاطات فيه تتناسب مع مكانته كرمز اثري. وتقوم رؤية المهندس الزعيم المستقبلية الى القلعة على اعداد تخطيط عمراني للمنشآت والطرقات المحيطة بحيث تتشكل منطقة اثرية كبرى متماسكة الاجزاء ضمن دمشق القديمة، تحوي القلعة والجامع الاموي والاسواق القديمة المتمددة وكل ما يمكن توظيفه سياحياً هناك، وقد تربط القلعة بالجامع بشكل ما في المستقبل. لكن ليس مستساغاً الحديث الآن عن مجالات توظيف القلعة قبل انهاء اعمال الترميم كاملة، فقد تظهر اعمال التنقيب اشياء غير معروفة تغير مجرى التصورات، فمثلاً اكتشف المنقبون اخيراً باباً تحت الأرض للبرج التاسع ربما يستخدم مستقبلاً بشكل ما. اما الوقت المخصص لانهاء مشروع ترميم القلعة والبدء بخطوات توظيفها فيصعب تقديره كما يقول المهندسان، فالأمر يتعلق بالمستجدات وبنتائج التنقيب والدراسات الهندسية والفنية، اضافة لموازنة المشروع المقدرة مبدئياً ب 200 مليون ليرة سورية تدفعها الحكومة السورية على مراحل. ولكن ثمة فكرة لتوظيف القلعة كأجزاء متتابعة حيث يوضع كل قسم ينتهي ترميمه تحت الاستثمار. وفي حال اعتماد هذا الاقتراح، فقد يبدأ الناس بملامسة نتائج الترميم خلال السنتين المقبلتين، بينما المشروع ككل يستغرق سنوات أطول.