يبدأ وزير الخارجية الفرنسي هوبير فيدرين اليوم زيارة رسمية لتونس تستمر أربعاً وعشرين ساعة تلبية لدعوة من نظيره التونسي السيد حبيب بن يحيى هي الأولى لوزير فرنسي منذ "الخضة" التي عرفتها العلاقات الثنائية في أعقاب الانتخابات الرئاسية والاشتراعية في تونس في 20 تشرين الأول اكتوبر الماضي. ويجري فيدرين والوفد المرافق له غداً محادثات مع كبار المسؤولين التونسيين، في مقدمهم الرئيس زين العابدين بن علي ووزير خارجيته بن يحيى. ثم يوقع الوزيران في ختام الزيارة اتفاقاً للتعاون الفني يتيح اشراك خبراء وفنيين تونسيين في دورات تدريبية في فرنسا. وأفادت مصادر فرنسية ان المحادثات ستتناول ايضاً مسائل ثنائية وقضايا اقليمية ودولية بينها الوضع في المنطقة المغاربية والإعداد للمؤتمر الوزاري الأوروبي - المتوسطي الذي تستضيفه مرسيليا في النصف الثاني من العام في ظل الرئاسة الفرنسية للاتحاد الأوروبي وتطورات مسار التسوية السلمية في الشرق الأوسط ومستجدات العلاقات بين العراقوالاممالمتحدة. وأشارت المصادر الى ان انضمام تونس الى مجلس الأمن بوصفها عضواً غير دائم منذ مطلع العام يمنح المشاورات في شأن هذه القضايا أهمية خاصة. زيارة جوسبان ورجح مراقبون ان تتطرق المحادثات الى موضوع إعداد زيارة يقوم بها رئيس الوزراء الفرنسي ليونال جوسبان لتونس، وكانت "وكالة الانباء التونسية" أكدت أواخر الشهر الماضي ان جوسبان سيزور تونس، لكنها لم تحدد موعداً للزيارة. وتعكس زيارة فيدرين وكذلك تزايد الكلام عن زيارة محتملة لجوسبان انفراجاً واضحاً في العلاقات التونسية - الفرنسية التي مرت في احتقان شديد الخريف الماضي في أعقاب الرد التونسي على تعاطي الاعلام الفرنسي في قضايا حقوق الانسان والذي تمثل اساساً بإنهاء معاودة بث برامج القناة التلفزيونية الثانية الفرنسية مباشرة الى المشاهدين التونسيين واتخاذ قرار فوري بتعريب المؤسسات الاقتصادية والإدارية العامة. إلا ان العلاقات بدأت تتحسن منذ تعيين باريس سفيراً جديداً في تونس وتسلم الرئيس بن علي أخيراً رسالة خطية من الرئيس شيراك اضافة الى اجراء اتصالات هاتفية بين الرئيسين. وتوقع مراقبون ان تساهم زيارة فيدرين في اجراء "حوار صريح وشامل" بين الجانبين يتيح وضع كل الملفات الدقيقة والساخنة على مائدة البحث. يذكر انه كان مقرراً ان يزور فيدرين تونس مطلع العام الماضي ليقود الجانب الفرنسي الى اجتماعات الدورة الأخيرة للجنة المشتركة للتعاون، الا ان خلافاً بروتوكولياً قاد الى إرجاء الزيارة في اللحظة الأخيرة وحل الأمين العام للوزارة لويك هانكين محله في رئاسة الوفد الفرنسي. كذلك تردد في اعقاب زيارة قام بها وزير الاقتصاد الفرنسي السابق دومينيك ستراوس للعاصمة التونسية العام الماضي ان جوسبان سيقوم بزيارة قريبة لتونس، الا ان التوتر الذي عرفته العلاقات الثنائية لاحقاً حمل الحكومتين على إرجائها. وتأتي زيارة فيدرين وسط قلق فرنسي من الاهتمام الاميركي المتزايد بالمنطقة، وهي تجيء بعد زيارات قامت بها خمسة وفود اميركية تداولت على العواصم المغاربية منذ مطلع العام، وآخرها وفد قاده مساعد وزيرة الخارجية الاميركية ادوارد ووكر وضم نائبه رونالد نيومان والذي زار تونس الأربعاء الماضي واجرى محادثات شاملة مع الرئيس بن علي ووزير الخارجية بن يحيى. الا ان مصادر فرنسية أكدت ان باريس لا تخشى من المنافسة كون العلاقات الثنائية مع تونس قائمة على مصالح متشابكة وإرث تاريخي عريق "وهي ليست من النوع الذي تزعزعه رياح آتية من خارج المنطقة". واستدلت بكون فرنسا تحتل الرتبة الأولى بين المستثمرين الاجانب في تونس وهي في مقدم شركائها التجاريين اضافة الى كونها شكلت دائماً مدافعاً عن المصالح التونسية داخل الاتحاد الأوروبي. ومن تونس ينتقل فيدرين الى الرياض في زيارة للسعودية هي الاولى له منذ سنتين. وتتمحور محادثات الوزير الفرنسي على العلاقات الاقتصادية. وتريد باريس خصوصا الافادة من الانفتاح وعملية الخصخصة في الاقتصاد السعودي في وقت تسجل فيه العائدات النفطية السعودية ارتفاعا على غرار اسعار النفط الخام. وفي هذا السياق اعلن مساعد الناطق باسم الخارجية الفرنسية فرنسوا ريفاسو الجمعة الماضي ان "فرنسا ترغب في المساهمة في الازدهار الاقتصادي في السعودية في مرحلة مهمة من اعادة هيكلة الاقتصاد السعودي كما تريد ان تعزز وجودها على المدى الطويل وتكون اكثر نشاطا في قطاعات اساسية مثل الطاقة والمياه والاتصالات والنقل". كما سيذكر ايضا بموقف فرنسا من العراق. وفي هذا الصدد قال الناطق ان باريس تؤيد عودة مفتشي الاممالمتحدة لكنها تعارض سياسة واشنطن المعلنة التي تسعى الى دعم المعارضة لنظام الرئيس صدام حسين مما قد يؤدي الى زعزعة الاستقرار في هذا البلد وهذا "ما لا تريده دول الخليج" على حد قوله.