على رغم عودة ولي العهد الكويتي رئيس الحكومة الشيخ سعد العبدالله الصباح من رحلة العلاج منذ أكثر من اسبوعين، ما زال من غير الواضح حجم التفويض الذي أعلن ولي العهد منحه لمساعديه في الحكومة في ضوء حاله الصحية غير المواتية، وكذلك حجم وطبيعة التعديل المتوقع اجراؤه للحكومة. والواقع ان أكثرية أعضاء الحكومة وكذلك نواب مجلس الأمة البرلمان ليست لديها فكرة عن التغييرات المرتقبة في هرم السلطة الكويتية التي تمتعت بالثبات والديمومة منذ السبعينات. أحد النواب قال ل"الحياة": "هم أنفسهم الأسرة الحاكمة غير متأكدين مما سيفعلونه من تعديلات في ضوء تراجع صحة الشيخ سعد، ولا يوجد في الدستور أو السوابق التاريخية شيء يحدد لهم ذلك". وأدار الشيخ سعد - رسمياً - الجلسات الأخيرة لمجلس الوزراء ومارس دوره رئيساً لهذا المجلس كما كان يفعل دوماً، كما لم تظهر بوادر للتعديل الوزاري الذي كثرت حوله الاشاعات وجرى ربطه بالتفويض المنتظر. ولاحظ "المنبر الديموقراطي" الكويتي الذي يمثل اليسار الليبرالي في بيان وزعه أمس وجود "حالة مقلقة غير مستقرة تمر بها عناصر مركز اتخاذ القرار الحكومي"، وطالب ب"شعبية الحكم والوزارة" ضمن اصلاحات مطلوبة للادارة السياسية للدولة ما يعني نزع منصب رئاسة مجلس الوزراء من شاغله الحالي، وب"تدوير المناصب الرئيسية في مجلس الوزراء التي لا يجوز ان تحتكر أو تحصن من المساءلة السياسية الدستورية" وأشارت مجموعة من الاحاديث الصحافية أدلى بها أقطاب في أسرة آل الصباح خلال الشهر الماضي الى حال من الحيرة وعدم الاتفاق في شأن ما ستسير اليه الأمور. وقال وزير الدفاع الشيخ سالم الصباح في معرض رده عن سؤال لصحيفة "الرأي العام" في 31 كانون الأول ديسمبر الماضي عن مدى الحاجة لصف ثان من القياديين في الأسرة الحاكمة: "لا يوجد صف ثان، ونحن لسنا صفوفاً". واشار الى ان مؤسس النظام الحالي للحكم الشيخ مبارك الصباح حكم ما بين 1897 - 1915 أوصى بنيه ان "أكبركم أعقلكم والحكم شورى بينكم والرأي جماعي". لكن وزير الاعلام السابق الشيخ جابر مبارك الصباح صرح لصحيفة "القبس" بعد أيام: "لم نسمع بوصية الشيخ مبارك هذه"، ما دفع المستشار بالديوان الأميري محمد سليمان سيد علي للتصريح في 15 كانون الثاني يناير الماضي قائلاً ان "تداول أفراد الأسرة الحاكمة في الصحف لموضوع تسلسل الحكم أمر لا يرضاه أهل الكويت"، وأضاف: "الناس يريدون رؤية انجازات الأسرة الحاكمة وليس اختلافاتها". غير ان تصريحات الشيوخ للصحف اليومية استمرت، ففي 25 من الشهر نفسه صرح رئيس الحرس الوطني الشيخ سالم العلي الصباح لصحيفة "عكاظ" السعودية ان تفويض الشيخ سعد الأمور لنوابه هو "تحت الدرس" وان هذا التفويض "يجب ان يتم في ظل الدستور"، ولم يستبعد تعديلاً في الحكومة في ضوء ذلك، لكنه أوضح: "لم يستقر الرأي النهائي على تشكيل الحكومة أو اجراء أي تعديل عليها. واعتقد ان هذا لن يكون قريباً حتى تتبلور الأمور بشكل نهائي"، ورد عن سؤال في شأن دور "مجلس العائلة" في صياغة القرارات العليا قائلاً: "نحن في الكويت كأسرة حاكمة نختلف عن بعض دول الخليج وبعض الدول المشابهة. فليس لدينا مجلس رسمي للعائلة ولكن الأمور تتم بالتفاهم مع سمو أمير البلاد الشيخ جابر في أي أمر أو شأن حيث يتصل سموه ويدعو لاجتماع تآلفي لا يأخذ طابعاً رسمياً ... المسألة تتم بشكل ودي ومبسط من خلال محضر بسيط من قبل الحضور من أفراد الأسرة في حدود خمسة أو ستة أفراد من آل الصباح الكبار". ومثل هذا التوسع الصحافي في نشر الأمور الأكثر خصوصية للحكم الكويتي شجع قطباً ليبرالياً قديماً مثل الدكتور أحمد الخطيب للخروج من صمته والإدلاء بحديث لصحيفة "القبس" السبت الماضي أفاض فيه في مدح أمير الكويت السابق الشيخ عبدالله السالم الصباح في مجال الممارسة الديموقراطية، معتبراً ان الأمور "انفلتت" بعد وفاته عام 1965 "وبدأ الانحدار". ووجه الخطيب، الذي كان رمزاً معارضاً منذ الخمسينات وشارك في صوغ الدستور عام 1962، انتقادات حادة لأقطاب الحكم الحالي معتبراً انهم غير مؤمنين بالديموقراطية والدستور، وخصوصاً رئاسة الحكومة، مشيراً الى الخلافات بين الشيوخ، وقال: "الخلل عندهم وفيهم، الخلل في النظام نفسه. فهذا ما يولده التفرد بالسلطة: يبدأ بصراع داخلي ثم ينتهي بشلل تام. فالبلد ليس كما كان ولا يمكن ادارته بتفرد". ولاحظت صحيفة "السياسة" في مقالها الافتتاحي قبل أيام عدة ان "الحياة السياسية في البلد كسرت كل الخطوط الحمراء ... ففي العادة إن كلاماً مثل كلام الدكتور الخطيب كان يقال في مجالس مغلقة وليس في عين الشمس وتتداوله نخبة مختارة من السياسيين تمنعه من الانزلاق الى الشارع. لكن مؤسسة الحكم وبسبب توقفها عن حل المعضلات العامة جعلت الناس يتداولون الكلام خارج الخطوط الحمراء ويتجرؤون في النقد ويرفعون أصواتهم بمفردات كانت تعتبر من المحرمات السياسية". هذه المحرمات السياسية ربما لم تكن واردة بالنسبة الى مجلة "الطليعة" المعبرة عن اليسار الليبرالي التي اعتادت منذ سنوات التدخل في شؤون الأسرة الحاكمة، خصوصاً ضد الجناح الذي يمثله الشيخ سعد. لذا لم تكن مفاجأة ان تهاجم "الطليعة" في عددها قبل الأخير حال التردد في نقل الصلاحيات من الشيخ سعد لنوابه، وسألت في عنوانها العريض: "الدستور يفتح المجال لتعيين نائب للأمير يمارس الحكم من أفراد الشعب فكيف لا يكون رئيساً لمجلس الوزراء؟". ورأت المجلة ان مثار قلق الكويتيين "هو الإحساس الشامل بالفراغ في الحكم"، وانتقدت "عدم مصارحة الناس بالواقع خصوصاً حول طبيعة مرض المسؤولين وتشخيصه ... وليس التفنن في نفي المرض"، وكذلك "التغييب التام لدور الناس والمشاركة الشعبية في تبادل الرأي والمشورة لتحديد مصير البلاد وكأن البلاد اصبحت شأن أربعة أو خمسة أشخاص وليست شأن شعب ذاق مرارة الاحتلال العراقي". واعتبرت "الطليعة" ان "الإدارة الحالية للحكومة بقيادة الشيخ سعد لم تتغير منذ ربع قرن، وهي المسؤولة عن الأو ضاع الحالية التي تدهورت اليها البلاد"، كما انه "ليس من المعقول ان تشل البلاد أكثر اذا ما تغيب لسبب ما أحد قيادييها". وإذا كانت الصحافة الكويتية بلغت هذا العمق في الحديث عن شؤون الأسرة الحاكمة وموضوع تداول السلطة في ضوء مرض الشيخ سعد وغيابه المتكرر للعلاج في الخارج فيمكن القول ان الديوانيات الكويتية تتحدث في الموضوع بشكل أعمق وأكثر تفصيلاً، خصوصاً في توقعات التعديل الوزاري الغامض. اما مجلس الأمة البرلمان فلا يبدو انه يملك أدوات دستورية للتدخل في هذا الموضوع، كما ان النواب أنفسهم عازفون عن الخوض في هذا الموضوع أو التصريح للصحف علناً بوجهات نظرهم، فيما يبقى الانتظار سيد الموقف.