اتفقت مصادر سياسية كويتية تابعت تفاصيل الازمة التي نشأت مطلع الاسبوع الحالي بسبب استقالة الشيخ صباح الاحمد على ان عودته بأمر من شقيقه الأمير الشيخ جابر الأحمد الصباح حلّ موقت لمشكلة موجودة في أعلى هرم السلطة الكويتية ومرشحة للبروز على السطح مستقبلاً. ويتحدث الجميع الآن بصوت عال عن الأمر الذي كانوا يتحدثون عنه همساً في الماضي، وهو و جود اختلاف مهم ومؤثر بين وجهتي نظر واسلوبين في التصور والعمل السياسي لكل من ولي العهد ورئيس مجلس الوزراء الشيخ سعد العبدالله الصباح ونائبه الاول وزير الخارجية الشيخ صباح الأحمد. ولم تتردد الصحف الكويتية هذه المرة في التعليق علناً على هذه المشكلة وان كانت تناولتها في ضوء الأسباب المباشرة والاخيرة لتفجر هذا الخلاف - القديم والمستمر - على السطح. ومن الاسباب المباشرة تجاهل مجلس الوزراء لقرار المجلس الاعلى للبترول الذي يرأسه الشيخ صباح قبل اسبوعين بزيادة اسعار وقود السيارات، ثم تجاوز قرارات صدّق عليها مجلس الوزراء برئاسة الشيخ صباح حول تدابير ضد مخالفي اجراءات البلدية. ثم جاء الخلاف الشديد حول موضوع زيارة زعيم "حماس" الشيخ احمد ياسين للكويت، التي كانت بمثابة تدخل في ملف السياسة الخارجية للكويت الذي احتفظ به الشيخ صباح منذ العام 1963. لكن اسباب الخلاف اكثر عمقاً وتكمن في مساحة سياسية تختصّ بها الأسرة الحاكمة وحدها، وعبّر عن هذه الحقيقة احد النواب خلال ازمة الاستقالة بقوله: "نحن لا نملك ادوات دستورية نتعامل بها مع هذه الازمة". ولن تكون جديدة الاشارة الى وجود نمطين داخل السلطات الكويتية، لكل منهما توجهاته الخاصة في السياستين الداخلية والخارجية، ويمكن رصد توجهات كل من جهة من خلال مواقف التجمعات السياسية الكويتية - الليبرالية والاسلامية منها - من القضايا المختلفة. وليس سراً ان كلاً من هذين النمطين يشكّل "مغناطيساً" يجذب اليه القوى السياسية المناسبة والاقرب الى توجهاته واجتهاداته، لكن تحالف بعض القوى مع أحد قطبي المغناطيس اكثر قوة والتزاماً من تحالف القوى الاخرى مع القطب الآخر كما تبين من حادثة استجواب وزير الاعلام السابق الشيخ سعود ناصر الصباح في آذار مارس الماضي. هذا الاختلاف في وجهات النظر بأهميته وتأثيره وبما يؤدي اليه من فرز سياسي في الكويت، لا يمكن الافتراض بأنه تلاشى بعودة الشيخ صباح عن استقالته، وهي ليست الاولى كما ان الديوانيات تردد انها لن تكون الاخيرة. كان الحل الذي انتهت اليه ازمة الاستقالة ، كما وصفته صحيفة "الطليعة" الليبرالية، مجرد "مخدّر موضعي ومسكّن موقت". وهي حذّرت من "ازمات سياسية عنيفة ما لم تكن التسوية الاخيرة قد وضعت الاساس او انتزعت الوعد بمعالجة المشكلة من اساسها". وما عزّز الشعور باستمرار المشكلة بعد طي ازمة الاستقالة ان قوى سياسية ذات نفوذ صحافي واعلامي بدأت حملة انتقادات واضحة وعلنية في اتجاه احد القطبين. ولا يستبعد مصدر برلماني ان يسعى بعض القوى السياسية في ضوء الازمة الاخيرة الى اعادة طرح موضوع بالغ الحساسية، وهو فصل ولاية العهد عن رئاسة الحكومة. وكان الأمير الشيخ جابر الاحمد الصباح اعلن في كلمته في افتتاح الفصل التشريعي البرلمان في تشرين الاول اكتوبر 1996، ان هذا الموضوع "من اختصاصه وحده" مستبعداً ضمناً الفصل بين المنصبين. ويرى هذا المصدر ضرورة معالجة الاختلاف السياسي في نطاق الصف الاول من رموز الاسرة الحاكمة، لأن تركه للزمن سيؤدي الى تشعبه واستقراره في الصف الثاني والثالث من ابناء الأسرة.