أكثر من 200 ألف شاركوا في كرنفال الافتتاح. الحدث الضخم الذي بثته قنوات التلفزيون والاذاعة المحلية والدولية كان فريداً في ذاكرة الكويت، وكان ايضاً عنوان الاحتفال الكبير الذي عاشت الكويت ايقاعه منذ الثاني من الشهر الجاري مع انطلاق فاعليات مهرجان "هلا فبراير 2000". عند تقاطع شارع الخليج مع شارع محمد المبارك ومن "التل السياحي" الى القهوة الشعبية في السالمية حيث نزل الناس في كرنفال الافتتاح، تفتح الشوارع ذراعيها اليوم لتنظيم الكرنفال الختامي. الكويت تستعد غداً لعيد التحرير عندما تحتفل باستعادة انفاسها الحرة في 25 شباط فبراير 1991. هناك فرحتان في موعد واحد. والشعور بالراحة يتقدم لدى المنظمين والسكان على أي شعور آخر. أصحاب العيد يقفلون الباب اليوم ويغلقون الرتاج. يلمّون أغراضهم وقد عبرت بهم مسرعة طويلة أحداث هذا المهرجان الذي ملأ ذاكرتهم بشحنة فرحة كبيرة قبل ان يعودوا الى حياتهم الروتينية، استعداداً لموعد جديد العام المقبل. "هلا فبراير 2000" انتهى، اسعاره وعروضه التخفيضية ستبقى مستمرة حتى 28 الشهر الجاري. عيد حل وانقضى. 22 يوماً من البهجة والفرحة اكتملت. الكويتيون أيقنوا هذه المرة ان من حقهم ان يبتهجوا. يدهم عادت تمتد مشرقة الى من حولهم في بلدان الخليج وبقية العالم لتدعوهم الى مواعيد لقاء لم تكن متاحة من قبل، بسبب الحزن، وربما ايضاً بسبب الخوف من ان يتركوا انفسهم ينساقون وراء البهجة، وهم الغارقون ابداً في كابوس الغزو ومأساتهم التي يأبون ان ينسوها. في ردهة مجمّع الصالحية، عند فندق "ميريديان"، تقوم عند المدخل "كوشة" العروس وطرحة طويلة يفوق طولها 500 متر، تمتد معلقة فوق رؤوس المتسوقين حتى تغطي الثريا المعلقة عند مقهى "مريديان". الطرحة عنوان عرس خليجي صغير تمدد على حافة الشاطئ ومد أذرعه الشاسعة التي لم تكف عن النمو فوق الرمال وبين المنازل والجادات الكثيرة التي ملأتها زحمة العيد ازدحاماً وحركة ناشطة. مشهد المدينة كان يتغير كل يوم. العاصمة الكويتية ليست المدينة التي كانت عليها. هناك واجهات بحرية تنمو بحيوية عند الشاطئ. زحمة المجمعات السكنية. العاصمة ليست مدينة ذات نمط اميركي أو غربي صرف، بل مدينة عربية تحمل ملامح الصحراء الملونة بخطوط النيون وظلال النخيل. هناك جهد واضح للمحافظة على معايير الجودة. الذين استثمروا في هذه المجمعات - والكويت بلد يسكنه تجار بالسليقة - يدركون ان هناك زبائن قادمين يطلبون الأفضل والأجود... كأن الكويت العاصمة اليوم تحمل في بعضها ملامح دبي عندما أفرشت أرضها معالم بناء حديث ملون يجود بألوان الراحة والترفيه. لكن الكويت تبقى ايضاً أرضاً تحاذر إلا ان تكون محافظة في تقاليدها وما تقدمه لزوارها. العام الماضي كان الاسلاميون يحذرون من ان نزول الفرحة الى الشارع يعني تقنين الانحلال وجعله نمطاً معلناً للحياة. شيء من مخاوفهم لم يتحقق. اعتراضاتهم زالت والكويت اثبتت انها تتمسك بإطار عائلي محافظ يضفي دفئاً على عرسها السنوي الذي تنتهي اليوم فاعليات عيده الثاني. أحمد المشاري، رئيس اللجنة العليا ل"هلا فبراير 2000" يقول ل"الحياة": "هذه السنة كنا نتحرك بثقة أكبر. وهذا نتيجة الدعم الذي نلقاه يوماً بعد يوم. الرعاة ازدادوا عدداً. وصلوا الى 15 راعياً رئيسياً، وكذلك ارتفع عدد المجمعات التجارية المشاركة، وهذا يدل على ثقة لم تكن موجودة بهذا المستوى العام الماضي، والسبب أنهم لمسوا مدى نجاحنا". كل مساهم رئيسي سدد 50 ألف دينار نحو 180 ألف دولار وبعضهم، مثل "شركة الاتصالات المتنقلة"، سدد أربعة أضعاف المبلغ المطلوب منه وشارك في تمويل أنشطة اخرى اضافية. والأموال التي جمعتها اللجنة العليا لتمويل الفاعليات وتنظيمها تضاعفت أربع مرات عن السنة الماضية وسط "تنافس بين الرعاة الرئيسين على المساهمة بأكبر قدر ممكن". المشاري يضيف: "أضفنا أشياء كثيرة على هذا النوع من المهرجانات لم تكن في دول مجاورة مثل تنظيم الكرنفال. حتى اسلوب تنظيم الاحتفالات الغنائية والأمسيات الشعرية حمل جديداً خاصاً بالكويت". يتابع قائلاً: "تكون هناك، إن شاء الله، أفكار أخرى سيحملها مهرجاننا للعام المقبل لأن مسيرة هذا النوع من المهرجانات يمكن ان تستوعب أنواعاً كثيرة من الأفكار الجديدة والابتكارات". المسؤول الكويتي الذي يتابع بصبر وأناة التفاصيل الكثيرة التي يحملها الهم التنظيمي وحضور الاحتفالات الكثيرة التي يتضمنها المهرجان يقول: "تجربتنا التنظيمية كويتية مئة في المئة واستطعنا والحمد لله، ان نطورها. العام الماضي كان هناك تفكير في ان نلجأ الى الاخوة في مهرجان دبي للتسوق لنستعين بخبراتهم، ولكنني طلبت استبعاد الفكرة وعدم اللجوء الى أي خبرات أجنبية. كان رأينا ان بوسعنا ان ننظم المهرجان وان نضفي عليه طابعاً كويتياً صرفاً، حتى لا نتأثر بأفكار غيرنا". هناك مستقبل ينتظر هذه المهرجانات. يضيف السيد المشاري: "السبق كان لدبي وللشيخ محمد بن راشد ولي العهد الذي أوجد هذا النوع من المبادرات ويولد نمطاً جديداً من السياحة يختلف عن السياحة التقليدية بأنماطها السبعة العادية". يتابع قائلاً: "أرقام الزوار السنة الجارية فاقت ضعفي اعداد السنة الماضية وكذلك مداخيل المحلات المشاركة في موسم التخفيضات. ونحن نتوقع ان نكون العام المقبل أكثر فاعلية وتنظيماً وان نحصل على قدر اكبر من المساهمات". نائب رئيس اللجنة الاعلامية والثقافية سعد العتيبي يؤكد ل"الحياة" ان هناك جديداً آتياً: "هلا فبراير 2001" سيكون مغايراً تماماً. هناك دراسة نقوم بإعدادها واستبيانات وزعت على الجمهور وفق عينات عشوائية سيتم على ضوئها تحديد مواضيع فاعليات "هلا فبراير 2001". نحن مهتمون باللحاق برغبة الناس وان نقدم لهم نوع الفرحة التي يرغبونها، لأننا حريصون على استقطاب أكبر عدد من الجمهور. هناك 143 مجمعاً استهلاكياً في الكويت من بينها 30 مجمعاً رئيسياً. وثمة 18 مجمعاً رئيسياً انضوت في المهرجان وشاركت فيه. يقول العتيبي: "النجاح الذي نقصده كمهرجان للتسوق يتحقق في المجمعات الاستهلاكية. من الممكن لأي كان ان ينظم حفلات غنائية، لكن قياس النجاح يتحقق عبر مستوى المشاركة التي يتم تسجيلها في المجمعات والسحوبات التي تنظم فيها. ويكفي تدليلاً على مدى نجاح "هلا فبراير 2000" ان سحباً واحداً في أحد المجمعات، وهو مجمع حمرا مول، استقطب أكثر من 30 ألف مشارك دفعة واحدة، علماً ان هذا المجمع ليس داخل العاصمة نفسها وانما في الأطراف. وهذا برأيي "مؤشر كبير على النجاح". أكبر ساندويتش كان في وداع فاعليات المهرجان الذي ركز السنة الجارية على الطفولة والعائلة، وتضمن مناسبات واحتفالات توزعت في كل المرافق الترفيهية في الكويت. السندويتش استغرق 1250 ساعة لتحضيره وشارك فيه 35 من الطهاة ليصل طوله الى 120 متراً حيث أكله المشاركون في مجمع الفنار. في جانب صالة التزلج التي تستقبل الحفلات الغنائية والشعرية، بعدما تحولت الصالة الى مسرح كبير يتسع لأكثر من ثلاثة آلاف متفرج، تقع مكاتب "الشركة الكويتية للخدمات السياحية". عند المدخل هناك كبسولة زمنية، على شكل صندوق ضخم، مصنوع من الخشب، وضعت فيها مساهمات كثيرة. الكبسولة تنقل اليوم الى المتحف الوطني في الكويت لتحفظ فيه، على ان تفتح "إن شاء الله" في الأول من شباط فبراير عام 2025. الكبسولة هدية رمزية تخزن اسماء وصوراً، ونبذات شخصية عن المشاركين والمنظمين، على ان يستلمها ابناء الكويت ومنظمو المهرجان بعد ربع قرن. الخطوة تعكس ثقة القائمين على المهرجان بقدرة الحدث الذي تحول الى موعد سنوي وجزء من حياة هذه البقعة من العالم. المدير العام ل"الشركة الكويتية للخدمات السياحية" ممدوح الحكيم يقول ل"الحياة": "كان هدف منظمو مهرجان هلا فبراير. تأكيد قدرة الكويت على التحول الى وجهة سياحية متكاملة أسوة بالدول الخليجية المجاورة. ونحن نرغب في الارتقاء بوضع الكويت سياحياً وتعريف منظمي الرحلات الجماعية بالكويت والوصول اليهم لإدراج الكويت على خارطة برامجهم ورحلاتهم السياحية. وهذا المسعى تكلل حتى الآن بالنجاح". يضيف: "لدينا هدف مزدوج نسعى اليه من خلال تسويق الكويت سياحياً لمنظمي الرحلات الجماعية وهو ان تربط الكويت مع الدول الخليجية الأخرى ايماناً منا ان كل دولة خليجية، بما في ذلك الكويت، لديها طابع مميز وشيء خاص بها تسهم به لحفز الحركة السياحية الى المنطقة ككل". الشركة التي تعمل بالتعاون مع "الكويتية للعطلات" و"الخطوط الجوية الكويتية" لإنجاح المهرجان، تحت اشراف اللجنة العليا ل"هلا فبراير"، تستعد بخطة ترويج سياحي للكويت في الدول الأوروبية والشرق الأوسط خلال السنة المقبلة. ويضيف السيد الحكيم: "سنطلق حملة ترويج ودعاية واعلان في الصحف السياحية المتخصصة مع تكثيف جهودنا، عبر التعاون مع الخطوط الجوية الكويتية للترويج للكويت عبر شبكاتها من خلال اعداد رحلات منظمة الى الكويت على مدار السنة تتضمن الاقامة وبرامج ترفيهية". ويتابع قائلاً: "هلا فبراير يخدم الكويت، ولكنه ايضاً يخدم السياحة في الخليج. ونحن كمنظم محترف للرحلات الجماعية لا نسوق الكويت وحدها كوجهة سياحية، بل نسوق معها الوجهات المجاورة مثل دبي والبحرين وقطر وعُمان، لأن من يأتي الى الخليج يخصص الثمن الأكبر من كلفة رحلته لتذكرة السفر، ويصبح مغرياً بالتالي له ان يجمع بين ثلاث وجهات دفعة واحدة وبأدنى كلفة ممكنة". ملامح الثقة التي تغمر المنظمين ل"هلا فبراير 2000" تعود بالذاكرة الى تجربة دبي حينما اجتاز القائمون على مهرجانها السنوي للتسوق مخاوفهم من الفشل، التي اعترتهم في العام الأول، وقلقهم من عدم المواصلة أو النجاح في العام الثاني، قبل ان يثبتوا في مهرجانهم السنوي الذي تحول الى محطة عربية ودولية لافتة. في شوارع الكويت زحمة لا داعي لها. تخطيط مستديرات الطرق يجعلها كبيرة متشعبة، مما يضاعف الوقت الضروري للانتظار قبل اشتعال ضوء اشارة المرور الأخضر. بناء جسور أو حفر انفاق يمكن ان يخفف الازدحام، أو حتى تقليص مساحة الأرصفة العريضة التي تتوسط الشوارع. ولكن بانتظار حلول أخرى تبقى الحركة بطيئة عند المستديرات وبعض الشوارع الرئيسية. الازدحام جزء من حياة المهرجان، وهو ازدحام موقت في بعض ساعات النهار أو الليل. أما أمام فنادق الكويت فهو ازدحام دائم للسيارات التي لا يتوقف تدفقها لتفرغ أو تحمل النزلاء والمشاركين في الاحتفالات والمعارض والحفلات التي افترشت كل الصالات وكل مكان. والاسوأ هو انتظار السيارات عند الخروج والذي قد يستغرق في أحيان كثيرة 20 دقيقة بسبب حركة السير المتواصلة. ظاهرة الازدحام شيء عرفته الكويت مساء أمس. الحفلة الشعرية السادسة أحياها الشاعر السعودي الكبير طلال الرشيد. الجمهور تدفق، صغاراً وكباراً رجالاً"ونساء، عامة وكبار القوم، كما في كل الحفلات الاخرى: غزيراً حاشداً. قوات الأمن ردت الذين لا بطاقات لهم والذين طمعوا في تجريب حظهم لعلهم يحظون بفرصة الإنصات الى سحر الكلمة عن كثب داخل الصالة. في كل الحفلات الموسيقية، وآخرها مساء اليوم مع المطرب الخليجي محمد عبده، وفي كل الحفلات الشعرية كان الازدحام يكرر نفسه. الكويتيون ذواقة للشعر ومحبون للشعراء. أبناء الخليج الذين نزلوا بينهم خلال فترة المهرجان كانوا بين المحتشدين. الكلمة لا تزال صاحبة السطوة الأولى في عالم الجزيرة العربية. سحر البيان سمّر المستمعين وجعلهم يتعلقون بنبض الحروف وايقاعات كلماتها. التراث هنا كان شيئاً من لون الصحراء ومن لذة الكلمة التي أتت الى الكويت في مهرجاناها مسافرة تبحر في وجدان عميق يبعد آلاف السنين في ذاكرة هذه الأرض، ومن دون ان تربطها بحياة اليوم خطوط هاتف ولا صور تلفزيون، انما ذاكرة استحضرت مادة حياتها من ماضٍ لا تحصي مدى عمق جذوره. الموسيقى وأهلها عاشت خلال المهرجان تحت حماية الشرطة، المعجبون كثر لم يلههم اهتمامهم بالتهام أكبر كعكعة واكبر آيس كريم وأكبر بيتزا وأكبر ساندويتش خلال المهرجان عن انتظار أمسياتهم الموسيقية والغنائية بفارغ الصبر. المطربون والشعراء كانوا ينتظرون قوات الأمن لتساعدهم على الابتعاد بسرعة عن حشود المعجبين. نوال الزغبي احتاجت الى الشرطة لتهرب من الباب الخلفي. الحرس منعوا ادخال الكاميرات الى صالة التزلج حيث نظمت الحفلات الموسيقية الكبيرة. لكن الكاميرات وأصحابها كانوا يتكدسون عند بوابة الخروج في انتظار خروج النجوم، وكان المعجبون يدورون على فنادق الكويت يسألون عن مكان نزول نجومهم لعلهم يحظون بلفتة منهم. الكرنفال اليوم خاتمة المهرجان الطويل، مسؤولو الأمن حرصوا على تلافي الملاحظات والسلبيات التي برزت خلال كرنفال الاحتفال. جاليات كثيرة ستشارك في حفل اليوم الكبير لتعرض فقرات تعبر عن تراثها الثقافي والحضاري. أشكال "كرتونية" جديدة وألعاب نارية مختلفة ستقدم. كل الجهات التي شاركت في تمويل المهرجان من شركات ومؤسسات تجارية ستشارك بمركبات تحمل شعارها. ستقدم ايضاً عروض موسيقية مختلفة تضفي أجواء من البهجة والمتعة على الجمهور. خاتمة المهرجان سيكون حفل محمد عبده هذا المساء. الكويت لا تزال على موعد مع الفرحة. مهرجانها "هلا فبراير 2000" محطة ثانية، ولكنها محطة تمهد لمحطات كثيرة واعدة بعدها... قد لا تكون الكبسولة الزمنية آخر مواعيدها.