لم يوفر المقاتلون الشيشان الروس من الحرج، حتى في انسحابهم من غروزني، إذ تحول هذا الانسحاب الى انتصار بحد ذاته، كونه لم يتم الا بكسر الحصار المفروض على المدينة وفي اطار خطة تكتيكية لتوسيع رقعة الاشتباكات مع القوات الروسية. وفي وقت سعت موسكو الى تأكيد "الانتصار" الذي سجلته باحكام قبضتها على غروزني، اعتبرت وزيرة الخارجية الاميركية مادلين اولبرايت الموجودة في موسكو ان "الوقت حان لوقف ما يجري في الشيشان". دخلت الحرب الشيشانية منعطفاً مهماً امس الثلثاء باعلان المقاتلين الشيشان انسحابهم من غروزني حيث واصلت القوات الروسية محاولاتها الانتشار في وسطها. ودارت اشتباكات عنيفة بين الجانبين. وتزامن ذلك مع عمليات إنزال جديدة نفذها الروس في جنوب الشيشان واعلنوا انهم قطعوا بذلك على خصومهم، طريق الامدادات جنوباً. وانتقلت خطوط الدفاع الشيشانية إلى المناطق الجبلية جنوب غربي العاصمة حيث يتحصن اكثر من عشرة آلاف مقاتل. وتفاوتت التحليلات للتطورات. واعتبرها الموقف الروسي الرسمي "تحولاً جذرياً في سير العمليات" ينذر ب"انكسار" المقاومة الشيشانية خلال أيام، حسبما قال قائد الجبهة القوقازية الجنرال فيكتور كازانتسيف. لكن انصار القائد الشيشاني شامل باساييف وزعوا بياناً باسمه جاء فيه ان "الجيش الشيشاني أنجز هدفه العسكري وسيتصرف الآن وفقاً لخطة الدفاع عن دولة الشيشان"، في اشارة الى ان خطة الانسحاب من غروزني وضعت قبل اسبوعين واعلن عنها في حينه وهي ترمي الى توسيع رقعة الاشتباك مع الروس وتخفيف الضغط على المقاتلين في العاصمة. وعجزت السلطات الروسية واجهزة الاعلام الناطقة باسمها عن مواكبة التطورات المتلاحقة، إذ سبقتها الأنباء الصادرة عن مصادر غربية أو تصريحات الشيشانيين الموالين لموسكو. ولم يوضح مسؤولون روس حقيقة ما يجري في غروزني وحولها، فيما اكد مالك سعيد اللايف رئيس ما يسمى ب"مجلس الدولة الشيشاني" الذي شكلته موسكو، ان حوالى ألف مقاتل شيشاني انسحبوا من غروزني في مجموعات عدة متفرقة عبر منطقة قرية يرمولوكا واتجهت نحو قواعد شيشانية في جوار بلدة الخان قلعة. وتولى تغطية الانسحاب ما بين 1500 و2000 مقاتل واصلوا التصدي للقوات الروسية في المدينة. وقال القائد الشيشاني المتعاون مع موسكو بيسلان غانتميروف ان الروس اشتبكوا في يترمولوكا مع طليعة المقاتلين المنسحبين من غروزني الذين ناهز عددهم ال 700 عنصر، فيما حوصرت مجموعة ثانية من المنسحبين مكونة من حوالي 800 شخص بعد خروجها من غروزني مباشرة. وتكبد المنسحبون خسائر في الارواح. وعرف بين قتلاهم ليتشا دودايف محافظ غروزني وابن شقيق بطل الاستقلال الراحل جوهر دودايف. وافيد ان شامل باسايف أصيب بجروح بالغة، ما اضطر المسعفين الى بتر ساقه اليمنى. وأضاف غانتميروف ان المقاتلين المحاصرين في يرمولوكا، عرضوا إلقاء السلاح والاستسلام للميليشيات الشيشانية المتعاونة مع القوات الروسية، إلا أن قيادة الاخيرة طالبتهم بالاستسلام للضباط الروس فقط، ما أسفر عن فشل الاتصالات. ولم تؤكد المصادر الروسية انباء تحدثت عن مقتل القائدين الشيشانيين خونكار باشا ايرابيلوف واسلام بك اسماعيلوف. وسقط اكثر من 150 قتيلاً شيشانياً في وسط غروزني. ومن جهة أخرى، قالت مصادر في مجلس الدوما النواب ان مشروع قانون لتمديد فترة العفو عن المقاتلين الذين يلقون اسلحتهم الى ما بعد الاول من شهر شباط فبراير الحالي سيقر في احدى جلساته في الاسبوع المقبل. وفي تعليقه على انباء خروج المقاتلين الشيشان من غروزني قال ايغور ايفانوف ان أي خيار آخر غير الانسحاب لم يتوفر لديهم، فيما قالت نظيرته الأميركية ان "الوقت حان لوقف ما يجري، ويجب على الطرفين الجلوس الى الطاولة والتفاوض". يذكر ان الشيشان نفذوا انسحاباً مماثلاً من غروزني عام 1995 ثم استعادوا السيطرة على الجمهورية واجبروا الروس على التقهقر في 1996. كما قتل زعيمهم جوهر دوداييف في المراحل الاخيرة من تلك الحرب، عندما أصيب بصاروخ روسى أثناء تحدثه فى هاتف يعمل عبر الاقمار الاصطناعىة.