تكثر الأسئلة في بيروت عن الأهداف السياسية التي تتوخاها الولاياتالمتحدة الأميركية من دعمها وتغطيتها العمليات العسكرية الإسرائيلية ضد لبنان، ومن تغطيتها التهديدات التي أطلقها رئيس الوزراء الإسرائيلي ايهود باراك ضد لبنان في الأيام الماضية وآخرها أول من أمس. ومن هذه الأسئلة هل تتخذ واشنطن هذا الموقف لاقتناعها بوجوب ضغط سورية على "حزب الله" بوقف العمليات خلال المفاوضات على المسار السوري؟ وهل تغطي الموقف الإسرائيلي بهدف تعديل في الموقف السوري من القضايا المعلقة بين اسرائيل وسورية وصولاً الى تسوية سلمية بينهما، تخوض الإدارة الأميركية اتصالات بعيدة من الأضواء بينهما لإيجاد مخارج لها؟ وهل تدعم واشنطن باراك في تحركه العسكري في لبنان، لأنه يساعده على تجاوز المعارضة الداخلية لسياسته؟ وما معنى أن تدين واشنطن "حزب الله" عندما ينفذ عمليات ضد الجنود الإسرائيليين، ثم تدعو الجميع الى ضبط النفس حين يهدد باراك بالرد؟ وإذ تنطلق كل هذه الأسئلة من مسلمة يبدو ان قراءة الأحداث الدراماتيكية الأخيرة غير ممكن من دونها هي أن التصعيد الحاصل مرتبط بما آلت اليه المفاوضات على المسار السوري، فإن الاقتناع لدى الأوساط الرسمية في لبنان والديبلوماسية على اختلافها، هو أن العد العكسي للتصعيد لن يبدأ إلا بخطوتين ضروريتين هما: انعقاد لجنة المراقبة المنبثقة من تفاهم نيسان ابريل، ومن ثم تجديد المفاوضات على المسار السوري. وفي الإجابة عن كل الأسئلة المطروحة ثمة من يعتقد أن الولاياتالمتحدة الأميركية تتصرف كأنها تترك للتصعيد القائم أن يأخذ مداه، مع امساكها بخيوط ضبط الوضع أو ارخائه، لاعتقادها أن الفريقين، اسرائيل وسورية، سيكتشفان أن هناك مأزقاً يوجب اللجوء اليها من أجل الحؤول دون الوصول الى نقطة اللاعودة في شأن المفاوضات بينهما، فيكون ثمن تدخلها هذا أن تفرض على كل منهما ما تراه مناسباً في حلحلة العقد في القضايا الجوهرية العالقة بينهما بالنسبة الى اتفاق التسوية، وما يتفرع منه، من اتفاقات اقليمية على الأدوار والمواقع والعلاقات مع واشنطن. ووجهة النظر هذه تعتبر أن الإدارة الأميركية تحاول الاستفادة من التصعيد الحاصل لإنضاج التسوية بدلاً من جمودها، أو نسفها، بعد أن تكون سورية كسبت من عمليات "حزب الله" ما أنزله من خسائر فادحة بإسرائيل، وأن تكون الأخيرة ربحت في المقابل عرضاً لقوتها أدى الى "الغاء" سلاح الكاتيوشا، وأظهر ما يمكن أن تكون عليه الحال بعد انسحابها من جنوبلبنان من دون اتفاق، من قدرة على التدمير... الخ. لكن لدى أحد المسؤولين اللبنانيين قراءة ترى أن الجانب الإسرائيلي أراد بضربه المحطات الكهربائية الثلاث في لبنان، أن تكون العودة الى المفاوضات تمت والضربة الأخيرة له هو ولمصلحته، لا لمصلحة سورية، ما دام الإسرائيليون والسوريون لا يرون بديلاً من العودة الى هذه المفاوضات، لكن عملية المقاومة الجمعة الماضي أظهرت أن ليس أكيداً أن الضربة الأخيرة هي لإسرائيل. وتقول مصادر ديبلوماسية غربية في الإجابة عن الأسئلة عن الموقف الأميركي الداعم لإسرائيل، أن الأخيرة والولاياتالمتحدة "تدركان استحالة تعديل تفاهم نيسان ابريل في شكل يؤدي الى وقف عمليات "حزب الله"، بل تذهب الى حد القول أن الدولة العظمى "تدرك أن عمليات "حزب الله" الأخيرة ليست خرقاً للتفاهم ما دامت تصيب جنوداً اسرائيليين، لا المدنيين". وتضيف المصادر "ان الإدارة الأميركية أبدت تفهماً لحاجة باراك الى الانتقام ورد الاعتبار الى حكومته حيال هذه العمليات، لأنها شكلت تصعيداً يعتبره هو وسائر المعنيين بعملية السلام، مرتبطاً بالعراقيل التي أصابت الجولة الثالثة للمفاوضات على المسار السوري. والجميع يعلم أن لدى باراك مشكلات داخلية، جاءت العمليات ضد جيشه لتزيد منها. وفي الوقت نفسه فإن المعطيات عن أسباب تعليق الجولة الثالثة من المفاوضات تشير الى أن أحد الأسباب هو أن لدى الجانب السوري أيضاً ظروفاً داخلية تتعلق بمسار المفاوضات. ساهم بين الأسباب الأخرى في تعليق هذه المفاوضات". وتعتبر المصادر نفسها أن من أسباب التفهم الأميركي للموقف الإسرائيلي أن الأخير بدا محشوراً بسبب عمليات "حزب الله"، ولأن هناك اجماعاً على النظر اليها على أنها جاءت بسبب عرقلة المفاوضات وليس تحت عنوان اجبار اسرائيل على الانسحاب من لبنان فقط. لكن المصادر الغربية نفسها تحرص على التمييز بين سورية و"حزب الله" بالقول: "هذا لا يعني أن مستوى التصعيد سوري. ومن المؤكد أن سورية وضعت الحزب في أجواء العرقلة في المفاوضات، بما يوحي ان المقاومة تستطيع أن تكون مرتاحة أكثر في عملياتها في الجنوب ضد اسرائيل. وعلى الأرجح أن "حزب الله" أخذ بنفسه قرار التصعيد الموجع لأنه يعارض عملية السلام ومستعد ليفعل ما في وسعه لإفشالها". وفي رأي المصادر الديبلوماسية الغربية أن واشنطن تريد تجاوباً سورياً مع طلب اسرائيل ضبط "حزب الله" ووقف عملياته أو تخفيفها إذا لم يكن في الإمكان وقفها فتتصرف على أساس أن في استطاعتها القيام بذلك، أما إذا لم تكن تستطيع فثمة مشكلة أكبر". وتعلق مصادر لبنانية على قراءة المصادر الغربية هذه بالقول "لماذا لا يطلب المعنيون بعملية السلام وفي طليعتهم واشنطن من اسرائيل أن تتجاوب بدورها مع مطالب سورية، سواء ما يتعلق بالتسليم بانسحابها من الجولان حتى حدود 4 حزيران يونيو أو مطالبها الأخرى ولماذا يتصور الغرب أن على سورية أن تتنازل، لا اسرائيل؟ وينتهي المسؤول اللبناني الى القول ان الإدارة الأميركية "تمارس لعبة شد الحبال وعض الأصابع، بالتوافق مع اسرائيل ضد سورية في محاولة مكشوفة لاستبدال التنازلات المطلوبة من حكومة باراك والتي كانت وعدت بها قبل استئناف المفاوضات على المسار السوري بتنازلات من جانب سورية. والمطلوب أن يعود الأميركيون الى الوفاء بالوعود التي كانوا قطعوها لسورية".