حاول بعض العرب إقناعنا، في غمرة حرب الخليج، أن أهمية اسرائيل الإستراتيجية، منظوراً إليها من الولاياتالمتحدة، تراجعت. ومع ان الحجّة المستخدمة غريبة بعض الشيء إذ تشير إلى المشاركة العربية في تأمين المصالح الإستراتيجية الأميركية، فإن وقائع السنوات اللاحقة، حتى اليوم، جاءت لتثبت أن العكس صحيح. لم يقدم أحد من مروّجي الأوهام على مراجعة ما قاله. ولكن الواضح أن هذه الأحداث أكثر خفوتاً هذه الأيام. فهي لا تكثر من الصراخ حول تراجع الأهمية الإستراتيجية لاسرائىل في حال عمّ السلام الشرق الأوسط. ربما كان في ودّ البعض استخدام هذه الذريعة البالية ولكن ايهود باراك هو مِنَ الصراحة بحيث يعطّل ذلك. إن الصورة التي يقدّمها دعاة السلام الاسرائىليون عن المستقبل تقول أن قوة اليوم ستكون مضاعفة غداً وأن اسرائيل التي تقدم على السلام، لأنها متفوّقة ستصبح أكثر تفوقاً عندما تنهال عليها المساعدات الأميركية لقاء "المجازفة" التي أقدمت عليها. وفي الأنباء أن "الفاتورة" العسكرية التي تقدّمت بها تل أبيب تبلغ 4،17 بليون دولار وقد بدأ الأميركيون دفعها عبر الموافقة المبدئية على صفقة الطائرات الضخمة. ويكاد مدير وزارة الدفاع الاسرائىلية يمضي جلّ وقته في واشنطن متفاوضاً حول "الخدمة الأمنية" المطلوبة مقابل إنسحاب من الجولان. ولعلّ الخبر الطيّب لدافع الضرائب الأميركي هو أن الرجل قدّم، في الأسبوع الماضي، لائحة طلبات تقلّ، بحوالي نصف البليون دولار عن السابقة. ولكن هذه اللائحة حملت مفاجآت. فهي تصرّ على ان يكون حوالي نصف المبلغ بالشيكل من أجل إشراك الصناعات الحربية الاسرائىلية، بتمويل أميركي، في التعويض الأمني. وهي تقترح المساعدة على إنشاء نظام أقمار إصطناعية خاص باسرائيل لتأمين استقلاليتها عن ذلك الذي تديره أميركا ويمدّ "جيش الدفاع" بالمعلومات. وبالإضافة إلى ذلك جرت مضاعفة عدد صواريخ "كروز" المطلوبة رغم الإحراج الذي يتسبّب به الأمر للإدارة الأميركية الموقّعة على إتفاقات حظر إنتشار الصواريخ والتكنولوجيا الخاصة بها، والتي تخوض معارك ضدّ روسيا والصين وكوريا تحت هذا الشعار بالضبط. ومن باب المقارنة فقط يجب القول ان الرئيس ياسر عرفات عاد من زيارته الأخيرة إلى واشنطن خالي الوفاض سياسياً. ولكن أحد وزرائه بدا سعيداً وهو يؤكّد أن السلطة الوطنية حصلت على وعود بمساعدات تمتدّ على سنوات وتصل الى مبلغ 900 مليون دولار أي أقلّ من بليون واحد. وكان الشرط الأميركي للوعد بالدفع الموافقة على أن يتمّ تحديد وجهة الإنفاق ثنائياً، أي عملياً، ثلاثياً طالما أن حقّ النظر الاسرائىلي وارد. إن البلايين التي تطلبها اسرائيل والتي شرعت تحصل على بعضها خاصة بالجانب العسكري من الإنسحاب. أما الجوانب الأخرى ثمن منشآت مدنية، إعادة إسكان، الخ.. فلها بلايينها أيضاً قد تبلغ العشرات. ويحصل ذلك كله من غير أن يكون إتفاق وقّع أو إنسحاب حصل. ومع أن الولاياتالمتحدة قد لا تدفع ما هو "متوجّب" عليها بالكامل فإن ما ستحصل عليه اسرائيل، وهو طائل، لا يُعتبر مؤشراً على تراجع الأهمية الإستراتيجية.