مع الاحتفال باليوم العالمي لحقوق الانسان غداً الأحد في لوزان في سويسرا، تسيطر مفاهيم غير كلاسيكية على معنى "حقوق الانسان". ويبدو ان العولمة هي التي تفرض معظم العناوين على المنظمات الكثيرة التي نزلت الى الساحة بأجنداتها. فاذا كانت الطفولة المعذّبة هي الاضافة النوعية التي طرأت هذا العام، فالاضافة الثانية تمثّلت في الجانب الاقتصادي المتشعّب. ذاك ان القناعة الجديدة الصاعدة عالمياً هي: ان التخلص من الديكتاتوريين لا يكفي. فهؤلاء، من دون حدوث تحولات اقتصادية ايجابية، يمكن ان يعودوا وتعود معهم الحروب الاهلية والمجاعات. اذن لا بد من الربط بين الحقوق والقدرات التي لا توفّرها الا التنمية المنسجمة. فقد استبقت "منظمة العفو الدولية" أمنستي انترناشونال اليوم العالمي ببيان يدين اعمال العنف والتعذيب ضد الاطفال المعتقلين. واتهمت قوى الامن ومجموعات المتمردين بالتسبب في الانتهاكات. ومما كشفته المنظمة ما يتعرّض له الاطفال المقيمون والعاملون في الشوارع، والمقدر عددهم بنحو مئة مليون في العالم، لا سيما في دول كبنغلادش والبرازيل وكولومبيا وغواتيمالا والهند وكينيا ونيبال واوغندا. وتحدثت عن تعرض الاطفال للضرب بالهراوات والكراسي واخمص البنادق والسوط والاسلاك الكهربائية. والأبعد من هذا أن "الاطفال غالبا ما يحاولون اخفاء حقيقة انهم تعرضوا للاغتصاب. وتبقى تالياً حالات كثيرة غير معروفة كما يبقى المسؤولون عنها من دون عقاب". ولم تتردد "منظمة العفو" في مطالبة الحكومات بفتح تحقيقات في عمليات التعذيب واحالة مرتكبيها على القضاء. كما حضّت قادة المجموعات المسلحة المعارضة على "افهام قواتها ان اعمال التعذيب غير مقبولة". وفي نظرة اكثر شمولاً الى العلاقة بين حقوق الانسان والتنمية، أدلت منظمة "هيومان رايتس ووتش" بدلوها في تقرير رأى ان العولمة حققت ثروات لا يمكن انكارها، واوجدت ملايين فرص العمل، الا ان النظام العالمي الراهن لا يزال يفتقر الى اعلاء حقوق الانسان وبعض القيم الأخرى. وقالت المجموعة التي تتخذ من نيويورك مقرا لها في تقريرها السنوي الحادي عشر، ان "المعايير الدولية لحقوق الانسان قائمة لكنها لا تحظى بدرجة واحدة من القبول، ولا تطبق بشكل فعال، ولا تتكامل بالقدر الكافي مع الاقتصاد العالمي". فالحقوق، بحسب التقرير، لا تأتي تلقائيا بمجرد زيادة تدفقات رأس المال والمعلومات والبشر. ومن هذا القبيل لم يحل ازدهار التجارة الدولية في الصين دون مضي الحكومة في قمع المعارضة. وفي السودان سمحت عائدات النفط التي اتاحتها الاستثمارات الاجنبية لحكومة الخرطوم بمضاعفة موازنتها العسكرية خلال عامين لتمويل الحرب الاهلية. اما في سيراليون وانغولا فأشعلت تجارة الماس، رغم انها غير مشروعة، حروبا اهلية دموية كما زاد عدد المهجّرين والضحايا مع ازدهار التجارة. وبالمعنى نفسه رأى كينيث روث، المدير التنفيذي للمنظمة في مؤتمر صحافي في واشنطن، انه ليس ضد العولمة انما يريد "التأكد من انها تعمل في اطار احترام الحقوق الاساسية". فالاممالمتحدة التي لديها الخبراء لا تتمتع بالسلطة، وليست لديها الموارد لتطبيق الحقوق الانسانية والاجتماعية. فيما منظمة التجارة العالمية التي لديها سلطات لتنفيذ القرارات تتخاذل عن استخدامها، من دون ان تملك "خبرة او وعياً او تقليداً يتصل بحماية حقوق الانسان". وما لاحظته المنظمة الحقوقية اكده "مؤتمر الاممالمتحدة للتجارة والتنمية" الذي كشف، في تقرير له، ان حجم تدفق الاستثمارات المباشرة في العالم سيبلغ اكثر من 1100 مليار دولار في العام 2000، اي بزيادة نسبتها 14 في المئة قياساً على 1999. الا ان الدول المتقدمة هي التي استفادت من اكثر من ثلاثة ارباع قيمة هذه الاستثمارات التي جاءت، بصورة رئيسية، على شكل عمليات اندماج وصفقات شرائية. اما الدول النامية فلم تتعدّ استثماراتها خلال العام 2000 مبلغ 190 ملياراً، اي انها حافظت على المستوى نفسه الذي كانته في العام الماضي. لا بل سجّلت تراجعا عن 1997. بيد ان الوجه الاقتصادي من حقوق الانسان لم يقتصر على الدفوق المالية والاستثمارات، فتعدّاها الى الزراعة. ذاك أن "منظمة الاغذية والزراعة" الفاو حذّرت، هي الأخرى، من تحول العوز والمجاعة خلال السنوات العشر المقبلة، ظاهرةً تضرب المدن الآسيوية اكثر مما تضرب الارياف، على عكس ما كان الحال قبلاً. وهذا ما سوف يُضطر دول تلك القارة الى زيادة انتاجها الغذائي الى حد كبير. واضافت المنظمة في تقرير نشر في بانكوك ان "مشاكل الغذاء في آسيا باتت تطاول المدن"، لأن "نصف سكان المنطقة تقريباً يُرجّح انتقالهم الى الاقامة في المدن بحلول العام 2010". وهكذا ستتحول "تلبية الحاجات الغذائية المتزايدة والمتنوعة لسكان المدن المتنامية اعدادهم احدَ التحديات الكبرى التي ستواجهها آسيا". وتبعاً لتوقعات "الفاو" فان تموين المدن الآسيوية بالاغذية هو ما يجب ان يتضاعف "كل اربعة عشر عاما" بالنظر الى وتيرة النمو الحالية، اذا ما اريد تفادي حصول المجاعات. اذ يتوقع ان يرتفع عدد سكان منطقة آسيا المحيط الهادئ بنسبة 40 في المئة بحلول نهاية العقد الحالي. ولم تنس منظمة الاغذية التذكير بان التوسع السريع للمدن في القارة المذكورة يرافقه تزايد في عدد الفقراء وفي نسبتهم الى مجمل السكان، حيث يعاني اكثر من 500 مليون شخص من اصل 800 مليون في مجمل انحاء العالم سوء التغذية. وبدوره سيترك توسع المدن آثاره على البيئة لجهة التلوث والظروف الصحية والاستقرار السياسي في المنطقة. وهذه كلها مما يستدعي، في نظر المنظمة، حلاً يشمل "التحسين المستمر" لشبكات النقل والاتصالات والتوزيع.