يفصل السيد الصادق المهدي في هذه الحلقة استعدادات حزب الأمة للمرحلة الجديدة عبر برنامج تفصيلي، وعبر بطاقة فكرية ينتظر أن يتبناها المؤتمر العام المقبل للحزب ويؤسس عليها برنامجه حول شؤون التحديث والديموقراطية والتنمية والعلاقات الاقليمية والدولية. كان حزب الأمة دائم التطلع للتوفيق بين الأصالة والتجديد، ومثلما حرص على تجديد معالم الأصالة والارتباط بها حرص على فهم مستنير للأصالة بحيث تقبل التجديد. لذلك كان برنامجه بعد ثورة أكتوبر "إصلاح وتجديد". وكان تحالفه في تلك المرحلة بعنوان: اتحاد القوى الجديدة. وبعد انتفاضة رجب/ نيسان أبريل أضاف حزب الأمة لاسمه عبارتي: القومي الجديد. هذه النزعة للتطور والتجديد تجعل الحزب متجدداً باستمرار. هنالك في هذه المرحلة أسئلة مشروعة هي: ما هو الشكل التنظيمي الذي سيواجه به حزب الأمة المرحلة القادمة؟ وما هي القطاعات الوطنية التي سوف يعتمد عليها حزب الأمة في الدعوة لخطابه القومي؟ وما هي البطاقة الفكرية التي سوف يطرحها حزب الأمة للمرحلة القادمة؟ كان حزب الأمة بعد الهجمة التي تعرض لها على يد انقلاب "الإنقاذ" يعمل بجناحين: جناح داخلي سري، وجناح خارجي علني، يعملان بصورة استثنائية. فتح "نداء الوطن" صفحة جديدة إذ انفتح مجال العمل السياسي العلني في الداخل. لذلك عقدنا اجتماعاً فوق العادة لقيادات الحزب في القاهرة في شباط فبراير 2000 لتداول الأمر. هذا الاجتماع قرر أمرين: الأول: إقامة تنظيم موحد مرحلي للحزب يقوده إلى حين المؤتمر العام. والثاني: عقد المؤتمر العام في 26 كانون الثاني يناير 2001م ذكرى التحرير الأول للسودان. على ضوء قرارات هذا الاجتماع المشترك، أجريت مشاورات لتنفيذ التكوين المرحلي ثم كتبت مذكرة بمثابة خريطة تنفيذية للقرارات المشتركة في نيسان 2000م. تباينت وجهات نظر عدد من القياديين حول ما جاء في هذه المذكرة. وتزامن الأمر مع عودة بعض القيادات للداخل. وتباين الاجتهاد حول مسائل متعلقة بموقف الحزب من التجمع الوطني الديموقراطي - لا سيما ما حدث في اجتماع هيئة قيادة التجمع في أسمرا في حزيران يونيو 2000. كما تباينت الاجتهادات حول سرعة وكيفية مفاوضات الحل السياسي الشامل. تهمة الانشقاق هذا التباين في الاجتهادات وجدت منه الصحافة الوطنية والدولية مادة فأعطى ذلك انطباعاً بأن حزب الأمة كغيره من الأحزاب السودانية يعاني انشقاقاً. هذا لم يكن صحيحاً لثلاثة أسباب: - وجود إجماع على القيادة. - وجود اتفاق على القضايا الاستراتيجية. - وجود قاعدة شعبية متماسكة. ولإزالة ما بدأ من تراشق بين قياديين، ولتوحيد الرؤية حول القضايا الأساسية والتنظيم المرحلي، دعوت لاجتماع قيادات من الداخل والخارج في القاهرة في آب أغسطس 2000م. هذا الاجتماع أصدر قرارات وحدت الرؤية حول القضايا الأساسية في الساحة: الموقف من التجمع الوطني الديموقراطي، والتفاوض مع النظام، وآليات الحل السياسي الشامل. وتناول الاجتماع قضية التنظيم المرحلي وقرر الآتي: أولا: ان المطلوب التزاوج بين الشرعية المنتخبة 1986 والشرعية المكتسبة نتيجة للنضال منذ الانقلاب. ثانيا: تحقيق مشاركة الأجيال المختلفة بصورة تزاوج بين التجربة والحماسة الشبابية. نتيجة لهذا الاتجاه تقرر: 1- توسيع مؤسسة الرئاسة واستيعاب أصحاب التجربة والعطاء من شيوخ الحزب فيها. 2- تكوين قطاعات للعمل التنفيذي تسند لأصحاب البلاء والتجربة من كهول الحزب. 3- تكوين أمانات متخصصة للعمل التنفيذي التابع للقطاعات. هذه الأمانات تسند للشباب من أصحاب البلاء والعطاء. 4- تكوين تنظيمات للحزب في الأقاليم تعمل بصورة لا مركزية. هذا التنظيم المرحلي الذي أقمناه لدى اكتماله سوف ينظم 2000 من الكوادر القيادية في أجهزته الرئاسية، والقطاعية، والتنفيذية، والإقليمية. - في نطاق التنظيم المرحلي صُعِّد 50 عضواً للمكتب السياسي من كليات انتخابية محددة. ثم كلف هؤلاء بتصعيد مئة شخص عبر كليات محددة ليصبح المكتب السياسي مكوناً من 150 عضواً. نعم هذا عدد كبير لمكتب سياسي، ولكن المرحلية توجب إشراك كل وجهات النظر ويستطيع المكتب أن يعالج بوسائله مسألة حجمه. - وصُعِّد 26 شخصاً بحكم مناصبهم للمجلس القيادي المكون من الرئيس، ونائبيه، ومساعديه وهم 11، ورؤساء القطاعات وهم 11، ورئيس المكتب السياسي ومقرره. - وسيجمع بين مسؤولي مؤسسة الرئاسة مجلس يسمى مجلس الرئاسة، وسيجمع بين القطاعات مكتب تنفيذي يرأسه النائب الأول للرئيس. ووضع هيكل تنظيمي لسودان المهجر. كما وضعت لائحة لتنظيم أعمال هذه الأجهزة في مؤسسة واحدة: مؤسسة حزب الأمة المرحلية. هذا التنظيم المرحلي هو الذي سوف يقود العمل إلى حين انعقاد المؤتمر العام المقبل. وهو الذي سوف ينظم ورشات العمل الخاصة بدراسة التنظيم المقبل للحزب وتقديم التوصيات بشأنه للمؤتمر العام. وهو الذي سوف ينظم ورشات العمل لدراسة البطاقة الفكرية والبرنامج الجديد للحزب في المرحلة المقبلة. ثم يقدم التوصيات بها للمؤتمر العام. التنظيم المقترح الذي سوف تدرسه ورشة العمل الخاصة به ثم تقدم ما تراه توصية يدرسها المكتب السياسي المرحلي ويرفعها للمؤتمر العام هو: 1- رئيس الحزب ينتخب وتتكون معه مؤسسة رئاسة من مجالس متخصصة في المجالات المختلفة. 2- أمين عام منتخب من الشباب ومن إقليم مختلف عن الإقليم الذي منه الرئيس. 3- تكوين مكتب تنفيذي من رؤساء قطاعات العمل المختلفة. 4- تتبع للقطاعات أمانات وشعب متخصصة في المجالات المختلفة تسند للشباب ذكوراً وإناثاً بنسب معلومة. 5- تطوير وحدة المعلومات والإعلام الإلكتروني، لتخدم كل أغراض التوثيق والأرشفة وتكون بمثابة الجهاز العصبي للحزب. 6- إقامة تنظيمات قوية للحزب في الأقاليم. 7- إقامة تنظيم قوي لسودان المهجر. 8- إقامة شبكة اتصال بين مركزية الحزب والأقاليم وبينها وبين سودان المهجر للاتصال المستمر. 9 - تقوية صلة الحزب بمنظمات المجتمع المدني العاملة في كل المجالات. 10- مراعاة المشاركة النسوية، والشبابية في الحزب بنسب مواكبة ومراعاة التوازن الجهوي في إسناد المسؤوليات، مع اتخاذ الديموقراطية القاعدة الذهبية لاتخاذ قرارات الحزب وحسم الخلافات الداخلية لكي يصبح الحزب بمعنى الكلمة: الحزب القومي الديموقراطي المتجدد. القوى الاجتماعية التي ينطلق حزب الأمة منها هي: 1- الثورة المهدية وكان هدفها أممياً وكونت بطريقة غير مباشرة هوية السودان الحديث الوطنية. لذلك في الصراع حول المصير السوداني كان الكيان الذي خلفته الأكثر انتصاراً لاستقلال السودان أمام الخيارات التي كانت متاحة في ظل الحكم الثنائي. هكذا قامت رابطة تاريخية بين حزب الأمة كمنبر سياسي استقطب السودانيين للدعوة الاستقلالية والأنصار. لذلك ستكون غالبية الأنصار أقرب للانتماء لحزب الأمة. ولكن بعض الأنصار ولتطورات لاحقة سوف يتجهون لأحزاب أخرى سواء احتفظوا بهويتهم الأنصارية أو نقضوها. غالبية الأنصار سوف تؤيد حزب الأمة حتى إن لم تكن غالبية مؤيدي حزب الأمة من الأنصار. 2- توجد قبائل معينة لها صلات تاريخية بحزب الأمة غالبيتها قبائل أنصارية ولكن هنالك قبائل غير أنصارية تؤيد حزب الأمة ويستقطبها الحزب. 3- توجد كيانات دينية وطرق صوفية غير أنصارية تؤيد حزب الأمة. إضافة الى تلك المجموعات فإن ظروف حزب الأمة تفرض عليه حتماً مخاطبة الثنائيات الآتية: 1- حزب الأمة يشكل هو وكيان الأنصار أكبر حلقة وصل بين سودان وادي النيل، والسودان الغربي. 2- وهناك قبائل عربية تنتمي لكيان الأنصار وحزب الأمة تعيش في منطقة التجاور بين القبائل العربية والقبائل النيلية شلك، نوير ودينكا على طول الخط من ود دكونة شرقاً إلى الضعين غرباً. هذه الحقيقة تجعل كيان الأنصار وحزب الأمة حلقة وصل بشري قوي بين شمال السودان وجنوبه. 3- إن حزب الأمة وكيان الأنصار متجذِّران في لب السودان التقليدي. ومنذ عهد الإمام عبدالرحمن صار الإمام عبدالرحمن رائد السودان الحديث في كل مجال للريادة: في التعليم، في التنمية، في الصحافة، في الفن والثقافة، في رعاية الخريجين، في التطور الإداري... وهلم جرا. ومنذ الطفرة التجديدية الحديثة في حزب الأمة صار الحزب متجذِّراً في القوى الحديثة في المهنيين، والفنيين، والعمال، والطلبة، وفي النهضة النسوية. هذا يجعل للحزب دوراً مهماً: حلقة وصل بين سودان الأمس وسودان الغد. إن تجذُّر حزب الأمة في هذه المجموعات الوطنية يشكل أسس منطلقاته التي ينطلق منها ليخاطب القوى الاجتماعية الأخرى في سبيل رسالته القومية. وخطابنا في مجال الانتماءات المكتسبة أي الفكرية والطبقية يبدأ هو الآخر من منطلقات محددة، كالمجال الطبقي، فالحقيقة أن غالبية مؤيدي حزب الأمة يسكنون في مناطق مهمشة وينتمي كثر منهم للشرائح الفقيرة، لذلك فإنهم أكثر الناس انتفاعاً بإقرار مضمون اجتماعي للتنمية لإنصاف المناطق الأقل حظاً من التنمية ولإنصاف الطبقات الفقيرة. والتوزيع العادل للثروة والبعد الاجتماعي للتنمية سوف يكونان عنصراً مهماً في خطاب حزب الأمة الاقتصادي الاجتماعي. هذا الخطاب سوف يتجه في المقام الأول نحو الوسط ويسار الوسط. البطاقة الفكرية لحزب الأمة أما البطاقة الفكرية لحزب الأمة التي سوف يتبناها المؤتمر العام القادم ويؤسس عليها برنامج الحزب فلا تنطلق من فراغ، فحزب الأمة واصل دراسات فكرية وسياسية داخل البلاد وخارجها طيلة عهد "الإنقاذ" وتبنى شعارات محددة ألخصها في سبعة ملفات هي: 1- ملف التأصيل والتحديث. 2- ملف الديموقراطية المستدامة. 3- ملف التنمية المستدامة. 4- ملف السلام العادل. 5- ملف العلاقات الإقليمية. 6- ملف العلاقات الدولية. 7- ملف العمل الجماعي. سأتناول في ما يلي هذه الملفات لتوضيح أهم معالمها. التأصيل والتحديث التأصيل للمؤمن الملتزم واجب مفروض مثلما هو حق إنساني مشروع. ولكن، هناك تأصيلٌ منكفئ وتأصيل مستنير. التأصيل المنكفئ يناقض حقائق العصر، وينكر حقوق الأديان والثقافات الأخرى، ويتناقض مع حقوق المواطنة المتساوية للآخرين. أما التأصيل المستنير فإنه يسلم بحقوق المواطنة للكافة، ويتعايش مع التعددية الدينية والثقافية. كان الافتراض لدى كثر من مفكري عصر النهضة في أوروبا أن الأديان والثقافات القديمة سوف تطوى أمام العصر الحديث وعلى هذا الأساس توقع كارل ماركس أن الإنسان لن يبقى له انتماء سوى الانتماء الطبقي. ولكن حقائق الحياة الإنسانية كذبت هذه التوقعات حتى أن الأمين العام للأمم المتحدة السابق ديكويار أعلن في كانون الثاني من عام 1988م: "إن مجهودات التنمية أخفقت في بلدان العالم الثالث لأن أهمية العنصر البشري، ذلك المزيج المعقد من العلاقات والمعتقدات والقيم والدوافع الذي يكمن في قلب الثقافة، لم يقدر حق قدره في كثير من مشروعات التنمية". وفي عام 1991م طلب مدير اليونسكو من الأمين العام للأمم المتحدة إنشاء لجنة عالمية مستقلة للثقافة والتنمية لتقدم تقريراً عن الثقافة والتنمية. هذه اللجنة قدمت تقريرها الذي نشر معرباً بعنوان: التنوع البشري الخلاق 1997م. وكان من أهم توصيات هذا التقرير اعتبار الانتماء الثقافي وعلى رأسه الانتماء الديني حقاً إنسانياً يلحق بحقوق الإنسان العالمية. جماعة "الإنقاذ" وقد استولوا على السلطة وبرروا العدوانية والعنف باسم الدين خلقوا رد فعل ضد الإسلام وضد العروبة في الفكر السياسي السوداني. وصار في هذا الفكر اتجاهات واضحة لا تقف عند حد نقد تجاوزات "الإنقاذ" بل تحاكم الإسلام والعروبة أيضاً: - اتجاه علماني قوي يقول إن إبعاد الإسلام نهائياً من السياسة شرط للاستقرار السياسي في السودان. - واتجاه يجعل تخلي عرب السودان عن عروبتهم شرطاً لتحقيق الوحدة والسلام. التناول الصحيح لهذا الموضوع لا ينطلق من تجاوزات النظام الحالي لمحاكمة الإسلام والعروبة. الموقف الصحيح بالنسبة لموضوع الدين والدولة والدين والسياسة هو: - إقرار المواطنة أساساً للحقوق الدستورية. - ألا يكون هناك تمييز بسبب الدين أو الثقافة أو الإثنية. - ألا يسمح بقيام حزب سياسي يسعى للسلطة السياسية ويستبعد مواطنين آخرين لأسباب دينية أو ثقافية. - القوانين التي تطبق على الجميع في البلاد يجب أن تكون مصادرها مقبولة للجميع. والقوانين خاصة المصادر يكون تطبيقها خاصاً. أما بالنسبة للعروبة فالأرقام المحايدة تقول إن أهل السودان يوزعون كالآتي: 40 في المئة مستعربون. 35 في المئة ذوو أصول افريقية. 25 في المئة عرب. اللغة العربية لغة أم للعرب، ولغة مكتسبة للمستعربين، ولغة تخاطب كثر من ذوي الأصول الأفريقية. هذا يؤهلها لتكون لغة البلاد الوطنية الأولى مثلما تؤهل ظروف مماثلة الإنجليزية لتكون لغة البلاد العالمية الأولى. ولكن ينبغي الاعتراف بالتعددية الثقافية في السودان، والحيلولة دون الإكراه الثقافي في أي شكل من الأشكال. ولتجاوز ظروف الاستقطاب الديني والثقافي التي صحبت التاريخ السوداني الحديث وعمقتها تجربة "الإنقاذ" فإننا نقترح ميثاقاً ثقافياً ملزماً من عشر نقاط: نص الميثاق الثقافي أورد النقاط الآتية أساساً لميثاق ثقافي يدرس على نطاق واسع ليتبناه الرأي العام السوداني وقنوات الإرادة الفاعلة فيه، وليصبح بعد ذلك من مكونات مولد السودان المتجدد: أولاً: السودان وطن متعدد الأديان والثقافات والإثنيات. المجموعات الوطنية السودانية الدينية، والثقافية، والإثنية، تعترف ببعضها بعضاً وتمارس هويتها الثقافية بحرية على أن تلتزم بأمرين: الأول: عدم المساس بحق المواطنة حقاً يتساوى فيه الجميع. الثاني: التعايش مع حقوق الآخرين وعدم السعي لتحقيق امتيازات على حسابها. - ثانياً: برامج البلاد التنموية، والتعليمية والإعلامية، تأخذ في حسبانها التنوع الثقافي السوداني، وتسعى للتعبير المتوازن عنه، وتسعى لتمكين الثقافات السودانية من التطور. - ثالثاً: السياسة الثقافية في البلاد تتخذ طابعاً يوفق بين أهدافها المركزية واللامركزية ويدعم التفاف المواطنين حول المواطنة. - رابعاً: الثقافات على تعددها وتنوعها ينبغي أن تتفاعل مع غيرها لتزيد ثراء وإبداعاً. الاعتراف بالهوية الثقافية والاهتمام بها لا يعني منع التلاقح ولا رفض الوافد. هنالك قيم إنسانية عظيمة: الديموقراطية، والعدالة الاجتماعية، والمعرفة، والنهج العلمي، والقيم المشتركة كافة بين الحضارات. وهناك قيم خلقية عالمية مثل الحكمة، والعفة، والصدق، والإيثار.. القيم المذكورة والقيم الخلقية ينبغي أن تسعى الثقافات السودانية في اختيارها لاقتباسها وغرسها تربويا في الأجيال. - خامساً: حقوق الإنسان ينبغي أن تهضمها الثقافات الوطنية وتجعلها جزءاً لا يتجزأ من وسائلها للتعبير الثقافي. إن ثقافتنا الوطنية تعاني من كعب أخيل مشترك مع اختلاف في الدرجة- هو انتقاصها لحقوق المرأة.. ينبغي الاعتراف بهذا العيب النوعي وغرس المساواة الإنسانية في كافة الثقافات. - سادساً: تشجيع التسامح الديني الذي يقوم على الحسنى ويرفض الإكراه، وإجراء حوارات بين الأديان لتحديد المعاني المشتركة بين الأديان الإبراهيمية. كذلك تحديد القيم الأفريقية التي تؤسس علاقات خلقية بين الغيب والإنسان، بين البشر والطبيعة، بين العقلاني والفطري، وبين الأجيال الحاضرة والماضية... لتدخل في تيار اليقظة الروحية والخلقية في السودان. - سابعاً: اللغة العربية هي لغة التفاهم الأولى بين أهل السودان. وهي اللغة الأفريقية الوطنية الأولى. اللغة العربية هي لغة السودان الوطنية. اللغة الإنجليزية هي اللغة العالمية الأولى، اللغة الإنجليزية هي لغة السودان العالمية الأولى. اللغات واللهجات السودانية لغات محلية يعترف بدورها في أقاليمها وتشجع المجموعات الوطنية السودانية على الإلمام المتبادل باللغات السودانية. - ثامناً: التعاون الثقافي بين شعوب حوض النيل، وحزام السافانا، والشعوب العربية والأفريقية على نطاق أوسع، وتشجيع الإلمام المتبادل باللغات السائدة في تلك البلدان. - تاسعاً: استيعاب مقاصد العولمة الحميدة وبناء الدفاع الثقافي ضد العولمة الخبيثة وبرمجة التعامل الثقافي مع العولمة. - عاشراً: رفض حتمية العداء بين الأديان على الصعيد العالمي، ورفض حتمية صدام الحضارات الذي تؤدي إليه نزعة الهيمنة في الثقافة الوافدة، ونزعة الانكفاء في الثقافات الوطنية مما يقود حتماً إلى ظلامية عالمية. والالتزام بحوار الأديان، وحوار الحضارات... لإقامة علاقات مستنيرة تحقق الإخاء الإنساني وتليق بمستقبل الإنسان أعز وأكرم الكائنات... الديموقراطية المستدامة هنالك اختلاف بين الديموقراطية والشورى. الشورى قيمة إيمانية غير مصحوبة بمؤسسات لذلك أمكن للطغاة إدعاء الشورى وممارسة الاستبداد. والشورى لا تتعارض مع قطعيات الشريعة. أما الديموقراطية فقد بلورت مؤسسات محددة ولا تقيدها قطعيات. ولكن في الحقيقة لا توجد ديموقراطية حية من دون قيود من دستور أو أعراف. يبقى الفرق الأساسي هو وجود أو غياب مؤسسات. إننا ندعو للديموقراطية ونعتقد أن كل التوجيه المطلوب والتوازن المراد يمكن أن يضمنا في ميثاق وطني ملزم للجميع وفي نصوص الدستور الموجهة. الديموقراطية هي نظام الحكم الأمثل لكرامة الإنسان، وللتناوب السلمي على السلطة، ولاتخاذ حريات الناس وحقوقهم حقوقاً لا تمس. ولكن في ظروفنا تواجه الديموقراطية عقبات أهمها: 1- الديموقراطية تقيم نظاماً متقدماً للحكم يفترض درجة من الوعي والانضباط في الحاكم والمحكوم لا تتوافر في ظروف الجهل والفقر والتخلف الاجتماعي السائدة في "العالم الثالث". 2- الديموقراطية بالمقارنة مع الديكتاتورية لا تستطيع استخدام وسائل أمن الدولة المتاحة للديكتاتورية. لذلك إذا وجدت قوى سياسية منظمة ومصممة على تحقيق أهدافها بالقوة والتآمر فإنها يمكن أن تنجح في الإطاحة بالديموقراطية وقل أن تنجح للإطاحة بالديكتاتورية لا سيما إذا كانت متشددة. مع كل الصعوبات التي تواجه الديموقراطية ينبغي التسليم بحقيقتين: الأولى: في ظروف السودان وفي الوسط الدولي المعاصر لا سبيل لشرعية الحكم أن تؤسس على غير الديموقراطية. الثانية: مع كل عثراتها فإن أداء الديموقراطية في السودان كان أفضل من أداء الديكتاتورية. هذا ما تطرقت له مفصلاً في كتابي الديموقراطية في السودان، عائدة وراجحة، 1989م. لهذين السببين أقول لا بد مما ليس منه بد. الحقيقة المهمة هي أننا إذ نمارس الديموقراطية نبدأ دائماً من خانة الصفر ولا نستفيد من تجارب الإنسانية ولا من تجاربنا. الديمقراطية في مواطن نشأتها لم تنهض دفعة واحدة بل: أولاً: تأسست الدولة القومية منذ 1648م. ثانياً: حدث تنوير ثقافي أدى عبر عصر النهضة إلى التحرر من قبضة الكنيسة، وإلى حرية البحث العلمي، وإلى محو الأمية أثناء القرنين الثامن عشر والتاسع عشر. ثالثاً: انطلقت الثورة الصناعية في القرن التاسع عشر وحققت طفرة في الإنتاج والتبادل التجاري لم يعهد التاريخ لها مثيلاً. رابعاً: وقعت الثورات كالثورة الفرنسية، وإصلاحات دستورية في بريطانيا أدت إلى كفالة الحريات العامة، وحقوق الإنسان... المقومات المطلوبة للنظام الديموقراطي. هذا لا يعني أننا يجب أن نمر بتجاربهم نفسها، ولا أننا يجب أن نقيم نظمهم ذاتها، فالديموقراطية لدينا ينبغي أن تؤصل اجتماعياً وثقافياً لتلائم ظروفنا لتصبح متجذرة في حياتنا السياسية. النظرة الفاحصة للمسألة الديموقراطية توجب إجراء عشرة إصلاحات لترشيد التطبيق الديموقراطي في بلادنا إذا لم تتحقق فإن الديموقراطية المستدامة المطلوبة لن تتحقق: أولاً: السلام: لا سبيل لممارسة ديموقراطية سوية في ظروف الحرب الأهلية. الشرط الأول المطلوب توافره هو تحقيق السلام العادل. هذا سوف نفصله في مقام لاحق. ثانياً: الأحزاب: ينبغي أن يتفق على ميثاق وطني يرشد الممارسة الحزبية. هذا الميثاق الوطني يقرر مبادئ محددة يلتزم بها الجميع. هذه المبادئ تنص على ثوابت كحقوق المواطنة لا تمس. وعلى الحرية الدينية، وعلى التوازن المطلوب بين الأديان والثقافات. وفي ظل الميثاق الوطني الملزم للجميع يصدر قانون لتسجيل الأحزاب ليضمن أنها لا تنطوي على أية ممارسة تتناقض مع الميثاق الوطني، وأنها ديموقراطية، وقومية، ومؤهلة للممارسة الديموقراطية. وتعيين محكمة خاصة للتصدي للشكاوى والانحرافات في مجال النشاط الحزبي. ثالثاً: النقابات: ينبغي وضع ميثاق اجتماعي يكفل الحرية النقابية والتكوين الديموقراطي للنقابات ويرشده في أمرين هامين: الأمر الأول: تحديد الدور النقابي المشروع وتنظيم العمل النقابي للقيام به. الأمر الثاني: الربط بين الحقوق النقابية وقدرات الاقتصاد الوطني. وتنظيم مراحل التفاوض من أجل الحقوق. يصدر قانون تحت ظل الميثاق الاجتماعي ينظم النشاط النقابي. وتعين محكمة خاصة للشكاوى والتجاوزات. رابعاً: القوات المسلحة: ينبغي تأكيد أن قومية القوات المسلحة وقوات الشرطة لا يعني استقلالها من الجهاز التنفيذي بل هي جزء لا يتجزأ من الجهاز التنفيذي. لقد كان وهم إسناد القيادة العليا للقوات المسلحة لمجلس رأس الدولة سبباً في وضع حاجز بين القوات المسلحة والسلطة التنفيذية وفي زيادة إضعافها. عقد مركز الدراسات السودانية في القاهرة حلقة دراسية لوضع القوات المسلحة. وكونا لجنة في حزب الأمة لدراسة الموضوع اقترحنا بعدها مشروع ميثاق عسكري. هذا الميثاق ينطلق من ابتعاد القوات المسلحة تماماً - في ظروف التطبيق الديموقراطي - من الصراع على السلطة السياسية. انطلاقاً من هذه القاعدة اقترحنا النقاط التالية للميثاق: أولاً - أن تكون القوات المسلحة قومية وهي خط الدفاع الأساسي عن الوطن. ثانياً - أن تكون القوات المسلحة عالية الكفاية والتدريب، وان تعتمد على هيكل عسكري مؤهل، وان تكون قاعدتها قابلة للتوسع عند اللزوم كالقوات السويسرية. ثالثاً - اعتماد نظام الخدمة الوطنية. رابعاً - ضبط الصرف العسكري مع تقدم حال السلام. خامساً - إلزام القوات المسلحة كمؤسسة وأفراد بعقيدة عسكرية محددة. والالتزام بالديموقراطية أساساً لشرعية الحكم. والالتزام بطاعة القيادة المنتخبة. سادساً - اعتماد الاستثمار الاقتصادي والعمل التجاري والخدمي التعاوني في القوات المسلحة. سابعاً - ضبط العلاقات في كافة المجالات وتحديد الاختصاصات قانونياً بين القوات النظامية، لا سيما القوات المسلحة والشرطة. ثامناً - التوازن التام الثقافي والجهوي داخل القوات المسلحة وعلى كل المستويات بما يجعلها مرآة صادقة للتكوين الوطني السوداني. تاسعاً - وضع ضوابط محددة وآليات للحيلولة دون الانقلابات العسكرية. عاشراً - القانون يوفق بين قومية القوات المسلحة وكونها جزءاً لا يتجزأ من الجهاز التشريعي. خامساً: السلطة التشريعية: الجهاز التشريعي يتطلب مجموعة من الإصلاحات: 1- النظم الشمولية أضعفت المنظمات السياسية وخلقت ظروفاً أدت لتقوية الانتماءات الموروثة. ينبغي اعتماد أساس انتخابي جديد يقوم على التمثيل النسبي عبر قوائم الأحزاب. هذا الإصلاح سوف يؤدي لتمثيل كل ألوان الطيف السياسي عبر الأحزاب ويقوي الأحزاب. 2- تقفل دوائر بنسبة محددة للتنافس بين المجوعات الآتية: - الأقليات ذات الكينونة والتي لا يسمح التنافس المفتوح لها بالنجاح. - القوى الحديثة التي لها وزن اقتصادي واجتماعي يفوق وزنها العددي. - المرأة لأن الواقع الاجتماعي لا يسمح بتمثلها بنسبة عادلة عبر انتخابات مفتوحة. سادسا: القضاء: استقلال القضاء عنصر هام للديموقراطية. ولكن استقلال القضاء يفترض حيدة القاضي وإلا أدى التزام القاضي برأي حزبي معين لتشويه استقلال القضاء. المطلوب في هذا الصدد أمران: الأول: أن يكون القضاة أكثر تجربة وأنضج. بحيث لا يمارس مهنة القضاء إلا أشخاص في درجة معينة من التعليم والتجربة والنضج. الثاني: وضع ضوابط دقيقة لتأكيد حيدة القضاة. سابعاً: الصحافة: ينبغي الاتفاق على ميثاق صحافي تلتزم بموجبه الصحافة بمبادئ وأخلاق معينة وعلى ضوء ميثاق الصحافة يصدر قانون الصحافة. وتكون محكمة خاصة لتلقي الشكاوى والتصدي للانحرافات. ثامناً: الأمن: قيام جهاز أمن يقظ للمعلومات الأمنية بالداخل والخارج لحماية أمن الدولة والوطن والمواطن بتوفير المعلومات المتاحة للأجهزة التنفيذية المعنية. بعد غد السبت حلقة عاشرة من كتاب الصادق المهدي.