مذ اكتشف التونسيون ان السياح الاوروبيين مولعون بسباقات الزوارق واليخوت التي تقطع البحر المتوسط من الضفة الشمالية الى الجنوبية وبالعكس، وهم يركزون على تطوير هذه المباريات وتنويعها لاستقطاب مزيد من الفئات خلال فصل الصيف. تعددت في السنوات الأخيرة دورات السباق السنوية التي يقطع خلالها المتبارون مئات الأميال بين الموانئ التونسية وموانئ فرنسية وايطالية إلا أن أهمها هو سباق الزوارق الشراعية بين روماوقرطاج والسباق المماثل بين تولون جنوبفرنسا وبنزرت. وشارك في السباق بين روماوقرطاج الذي جرى اخيراً عشرون يختاً بينها 15 يختاً يملكها ايطاليون والبقية تونسيون، وهي انطلقت من ميناء روما الى الميناء الترفيهي في ضاحية سيدي بوسعيد المحاذية للعاصمة الفينيقية قرطاج بعد استراحة في جزيرة صقلية. وجديد دورة السنة الجارية هو مشاركة تونسيين في السباق بعدما كان حضورهم رمزياً في الدورة السابقة إذ اقتصر على مرافقة اليخوت الايطالية. وأكد المشرف على استقبال اليخوت المشاركة في السباق في ميناء سيدي بوسعيد طيب بوحجر أن الهدف الرئيسي من تنظيمه هو طي صفحة الحروب الطاحنة بين العاصمتين الرومانية والفينيقية قبل ثلاثة آلاف سنة من الآن والتي استمرت نحو قرن من الزمن، واستقطاب السياح الايطاليين الذين ما زالت أعدادهم دون الامكانات الفعلية للسوق الايطالية القريبة من تونس. وأشار الى "البعد الرمزي للعلاقة الجديدة بين روماوقرطاج اذ كان الرومان يذرون الملح على قرطاج بعدما دمروها بالكامل أما الوافدون الحاليون فأتوا معهم بأكياس السكر تعبيراً عن حلاوة الصداقة". وعبر التونسيان اللذان فازا بالرتبتين الثالثة والرابعة في السباق سمير ونزار عن ثقتهما بأن التواصل بين السياح الايطاليين وأبناء البلد يكشف للجانبين امكانات واسعة للتفاهم ويتيح اكتشاف عادات الآخر وإرثه الحضاري والمعماري مما ينشط حركة التدفق السياحي نحو تونس. وأكدا أن دورهما لم يقتصر على مرافقة الزوارق الايطالية وانما توسع الى اجراء اتصالات مشتركة ببلدان على ضفتي الحوض الغربي للمتوسط لا سيما اسبانياوفرنسا لتطوير السباق الى سباق متوسطي "على رغم ان ذلك يحتاج الى جهود كبيرة" على حد قولهما. اتفاق توأمة وبدا السياح الطليان سعداء بقطع المسافة بين افريقيا وأوروبا على متن زوارقهم وعبروا عن الرغبة باستكشاف المناطق السياحية في تونس التي سمعوا عنها كثيراً قبل زيارتها. وقال فرانشيسكو بادو عمدة ضاحية فيومتشينو القريبة من روما ل"الحياة" ان هذه الزيارة الأولى الى تونس كشفت له بلداً جميلاً ومناخاً معتدلاً. وأبدى اعجابه بضاحية سيدي بوسعيد المعلقة بين البحر والجبل والتي تنتشر فيها المقاهي التقليدية حيث يدخن الناس النارجيلة ويرقبون من الشوارع والأزقة المرتفعة حركة الزوارق والسفن الشراعية التي ترسو في الميناء الترفيهي عند اقدام الجبل المغطى بغابة خضراء. وأوضح أنه يسعى الى التوقيع على اتفاق لتوأمة "فيو ميتشينو" و"سيدي بوسعيد" مع عمدتها معتبراً أن من ايجابيات الزيارات السياحية تعزيز التعارف بين الشعوب واقامة جسور جديدة للتعاون الثقافي لا سيما بين البلدان المطلة على ضفتي المتوسط. وانتشر المشاركون في السباق من السياح الطليان في سيدي بوسعيد وسحرهم جمالها كونها شبيهة بالقرى الايطالية القديمة إلا أن نمط عمارتها القائم على القباب والمآذن والأقواس والمشربيات أضفى عليها شخصية تاريخية مميزة. وكان سرجيو باباني الذي شارك في السباق بسفينته الخاصة، يركز النظر على زوايا الضاحية الحالمة وكأنه يبحث عن شيء تركه هناك. ولما سألته "الحياة" عن السر أوضح أنه سبق أن زار الضاحية عام 1994 وهو تحمس للعودة لزيارتها لأنه حمل عنها ذكريات جميلة. وزاد ان من أجمل الميزات التي تحبب البلد الى السياح كون موسمها السياحي لا يقتصر على أشهر الصيف وانما يمتد الى الخريف بسبب المناخ المعتدل والساحل الناعم عندما تبدأ العواصف باجتياح المدن الأوروبية. طليان في المنستير تزامن وصول اليخوت الايطالية الى سيدي بوسعيد شمال مع وصول أسطول من الزوارق الشراعية الى ميناء المنستير وسط في اطار الدورة الرابعة لسباق "طريق الصحراء" الذي ينطلق كل عام من ميناء باليرمو صقلية مع ثلاث محطات في كل من كاستيلاماري جنوب صقلية ومرسالا وبانتيليريا القريبتين من السواحل التونسية. تألف الأسطول من 22 سفينة شراعية من الحجم الكبير نقلت على متونها 123 مشاركاً في السباق الذي نظمه "المركز البحري الصقلي" في باليرمو وهو ناد للسفن الشراعية يرأسه غوارينو لورنزو الذي رافق الأسطول الى المنستير. وقال عمدة باليرمو رئيس الوفد الايطالي ل"الحياة" ان وصول السباق الى الدورة الرابعة يؤكد انه تجربة ناجحة بلغت سن النضوج. وأوضح ان السباق سيتيح للمشاركين زيارة مدن سياحية وتاريخية عدة في تونس بينها القيروان وسوسة والحمامات والمهدية وواحات الجنوب بعدما يتركون سفنهم في الميناء. وأضاف ان الجولة السياحية تتوج عادة بحفلة عشاء في مارينا المنستير نهاية آب اغسطس في كل عام لتسليم الجوائز للفائزين.