كشف رئيس الوزراء المغربي السيد عبدالرحمن اليوسفي، بعدما غيّب الموت الملك الراحل الحسن الثاني صيف 1999، انه أبرم ميثاق شرف مع الملك الراحل واقسم امامه على المصحف الشريف. لم يقدم اليوسفي وقتها تفاصيل عن مضمون قسمه. لكن كلامه عاد الى الأذهان الآن بعد تفجر مزاعم عن تورط أحزاب المعارضة اليسارية، وبينها حزب اليوسفي "الاتحاد الاشتراكي" الحاكم حالياً، في مؤامرة الجنرال الراحل محمد أوفقير لاطاحة الملك الحسن الثاني في 1972. ويُفسّر أكثر من طرف كلام اليوسفي بأنه يعني اتفاقه مع العاهل المغربي الراحل على طي صفحة الماضي بملابساتها المختلفة. أشاد الحسن الثاني باليوسفي في لقاء جمعهما قبل تعيين الأخير رئيساً للوزراء. ويُنقل عنه انه قدم اليوسفي لولي العهد المغربي وقتذاك الملك محمد السادس على انه "مناضل في حركة الكفاح من اجل الاستقلال"، وانه بمثابة "الاب والشقيق". ويقول أكثر من مصدر ان رد الفعل القوي الذي صدر عن اليوسفي ضد الرسالة المنسوبة الى صديقه المعارض الفقيه محمد البصري في شأن تورط قادة الاتحاد الاشتراكي واليسار عموماً في انقلاب أوفقير، سببه حرص رئيس الوزراء الحالي على استمرار الوفاق مع القصر. إذ يُعرف عن اليوسفي انه يتريث كثيراً قبل اتخاذ أي موقف. لكنه هذه المرة خرج عن صمته بسرعة، ربما لأن الوضع شديد الحساسية كونه يهدد الوفاق القائم بين حكومته وعهد الملك محمد السادس. ويقول معارضون لليوسفي ان وسائل إعلامه، صحيفة "الاتحاد الإشتراكي"، كانت سباقة لاثارة موضوعات ارتبطت بمواقف الملك الراحل الحسن الثاني، ومن ذلك نشر مذكرات الضابط محمد الرايس الذي شارك في انقلاب الصخيرات عام 1971، إضافة الى ما يعرف بملف انتهاكات حقوق الانسان التي طاولت ناشطين سياسيين في المعارضة. ويقول عارفون بالشأن المغربي ان فتح تلك الملفات كان يرمي الى ابراز ان المعارضة السابقة، الحاكمة حالياً كانت ضحية النظام السابق. وتعود وقائع الرسالة المنسوبة الى الفقيه البصري الى العام 1974. ويرتبط موعدها بأول انشقاق عرفه "الاتحاد الوطني للقوات الشعبية" الذي كان يتزعمه الراحل عبدالرحيم بوعبيد ومن بين قادته رئيس الوزراء السابق عبدالله ابراهيم ورئيس الوزراء الحالي عبدالرحمن اليوسفي والمعارض الفقيه محمد البصري وشخصيات أخرى. كان البصري قبل ذلك الانشقاق يتزعم تياراً للحزب في المنفى. وكان يتنقل بين الجزائر وسورية وليبيا، في حين كان مقره الرئيسي في فرنسا. بدأت الخلافات مع البصري عام 1973، بعدما تردد انه أوعز الى تنظيم مغربي مسلح يتخذ من الجزائر مقراً له، بشن هجمات على مراكز أمنية في منطقة بوعزة شمال شرقي المغرب. ويُزعم ان البصري كان وراء تلك الهجمات بهدف نسف تقارب بدأت ملامحه الاولى بين الملك الراحل الحسن الثاني وقيادة "الاتحاد الوطني للقوات الشعبية" و"حزب الاستقلال" باعتبارهما قطبي المعارضة الرئيسية. ونفت مصادر قريبة من البصري تورطه في تلك الهجمات وقتذاك. غير ان قيادة "الاتحاد الاشتراكي"، بعد انشقاقها من "الاتحاد الوطني للقوات الشعبية" عام 1974، أقرت قطيعة مع استخدام "الكفاح المسلح" لاطاحة النظام المغربي، وكذلك الحال بالنسبة الى قيادة الحزب في الخارج، الأمر الذي اعتبره البصري وقتذاك محاولة لابعاده من الحزب. وهو حين عاد الى المغرب من المنفى، في صيف 1994، أكد انه لا ينتسب الى الاتحاد. ويذهب بعض الأوساط الى الربط بين تلك الرسالة التي لم تقرأ، وبين ما نسب الى الفقيه البصري في الرسالة التي نشرتها اسبوعية "لوجورنال" الاسبوع الماضي، كونها تتحدث عن تواطؤ بين قيادات حزبية يسارية وبين الجنرال أوفقير ضد الحسن الثاني. وتفيد أنباء غير مؤكدة ان لقاءات عدة جمعت هذه القيادات الحزبية في إطار "المؤامرة" ضد حكم الملك الراحل، ومن ضمنها اجتماع عُقد في جنيف حضرته زعامات سياسية بهدف "درس تطورات الاوضاع في البلاد". ويتردد ان الراحل علال الفاسي، زعيم حزب الاستقلال، أوضح في الاجتماع انه "ضيف الملك الحسن الثاني وانه يرفض الكلام في أي قضية سياسية". لكن الغموض ما زال زال يحيط بذلك الاجتماع الذي ترفض الاوساط السياسية المعنية به أي كلام عنه. ويقول بعض المصادر ان اشخاصاً محسوبين على المعارضة وقتذاك قدموا، في اجتماع عُقد في أوروبا، الضابط محمد امقران الذي قصف طائرة الملك الحسن الثاني في انقلاب العام 1972 الى أوفقير على أساس انه مستعد للمشاركة في أي عمل انقلابي. لكن معلومات افادت ان امقران كان يعاني مرضاً مزمناً وانه ذهب للعلاج في عاصمة اوروبية، الأمر الذي شكل فرصة سانحة لجمعه مع اوفقير. وهناك من يتحدث عن لقاء مزعوم جمع الملك الراحل والضابط امقران بعد فشل المحاولة الانقلابية. ويتردد ان أمقران قدم معلومات وافية عن تلك المحاولة وعن المتورطين فيها. ومعلوم ان الفقيه البصري تعرّض، إثر عودته الى المغرب، لانتقاد شديد من صحافة "الاتحاد الاشتراكي". وتسبب ذلك في اقالة مدير صحيفة الحزب محمد البريني واسندت المهمة الى المحامي محمد اليازغي لفترة لم تتعد يومين تولى بعدها اليوسفي ادارة الصحيفة، وهو أمر ما زال سارياً حتى اليوم. وكان لافتاً ان صحيفة "الاتحاد الاشتراكي" نشرت قبل عامين مذكرات البصري التي عقبت عليها شخصيات من الاتحاد الاشتراكي والاستقلال واعتبرتها تتضمن "افتراءات على التاريخ". لكن الانتقاد الموجّه الى البصري لم يصل الى ذروته سوى بعد نشر "لوجورنال" الرسالة المنسوبة الىه الأسبوع الماضي. ويقول سياسيون ان هناك أطرافاً عدة قد تكون لها مصلحة في اثارة خلافات سابقة بين القصر والمعارضة، وهو أمر ذهبت حكومة اليوسفي الى اعتباره "محاولة لزعزعة استقرارالبلاد"، وهي صيغة جديدة لم يألف الرأي العام المغربي صدورها من الاتحاد الاشتراكي. لكن التأويلات للرسالة والرد العنيف عليها تتضارب بين اعتبار ذلك انعكاساً للصراعات داخل الحزب مع قرب انعقاد مؤتمره الوطني في اذار مارس المقبل، وبين اعتباره مظهراً لصراعات أكبر حول مراكز النفوذ في البلاد. وأياً كان سبب نشر الرسالة، فإن الواضح انها حرّكت الساحة السياسية المغربية التي يعتريها الخمول. وفي هذا الإطار، صدرت عن المراجع الرسمية العليا دعوات الى تجديد النخب السياسية. كما صدرت دعوات الى إقامة تكتل جديد لليسار المغربي، في ظل مخاوف من تصاعد نشاط التيارات الاسلامية.