جمهور غير قليل جاء للقاء مغن غير عادي في "دارة الفنون" الأردنية قبل أيام أملاً بالاستماع الى صاحب الحساسية اللافتة في الغناء، صوتاً وموضوعاً ونكهة. ولا سيما أنّه مرتبط الى حد ما بتجربة موسيقية وغنائية تزداد غنى وهي تجربة زياد الرحباني. صحيح أن المكان غير مصمم لعروض موسيقية وصحيح أيضاً أن تجهيزات الصوت أقل من عادية، غير أن من الصحيح أيضاً عدم استعداد حواط النفسي والصوتي لتقديم أمسية لم تكن أمسية تسلية كما تعامل معها سامي الذي أكثر ما رقّ صوته وأدى بعذوبة في أغنيات زياد الرحباني "أنا مش كافر"، ومن هنا برز تساؤل أمام نشازات في صوت حواط وعزفه على العود: أهذه هي أغنية زياد الرحباني؟ وتساؤل آخر متصل: أهذا هو صوت سامي حواط الذي كان شفيفاً ومطواعاً في أغنية "الجنوب" ومجروحاً بتعبير متقن في "شو هالأيام"؟ وإذا كان سامي حواط ظهر مفتوناً بحميمية اللقاء مع جمهور أردني شاب أحب فيه اندراجه في شكل الغناء التحريضي أو التهكمي، وكان مستعداً للغناء مضحياً بعناصر اكتمال العرض عبر استغنائه عن الفرقة الموسيقية، فإن عناصر كانت أساسية لو حضرت كما تستحق لتمكن حواط من تقديم عرض يشبع حاجة بدت غائبة في الإسفاف الغنائي العربي السائد. ومنها جدية في الأداء واسترخاء في الصوت وعناية إضافية بالحدث. وحين غنى "قوم فوت نام" بعد "طلي اضحكيلو يا صبية" سرت في القاعة التي تعرض لوحات من مختارات الفن التشكيلي العربي المعاصر، حال من الانسجام ما لبثت أن انفرطت بعد غنائه أغنية "بهاليومين" التي تحتاج في تنفيذها الى مؤثرات موسيقية لا يبدو سياق الأغنية ممكناً من دونها. ولعل جفافاً أصاب صوت حواط نتيجة إجهاده في أمسيات سابقة قدمها على هامش "مهرجان المسرح الأردني" وهو ما ظهر واضحاً حين غنى "أنا مش كافر". في هذا الصدد، لا بد من تثبيت قضية أساسية، ألا وهي الموازنة المهمة بين فكرة المغايرة وبين الشرط الفني الموسيقي العالي والتي شكلت لب تجربة زياد الرحباني وفيها كان حواط في الموقع الحميم. ولكن في أمسيته الأردنية هل حافظ صاحب "بلا ولا شي" على هذا المعنى؟ المتشككون بعد اللقاء مع سامي حواط سعوا الى اقتناء اسطوانة وشريط عسى أن يجدوا بديلاً.