يفتقد الفنان اللبناني سامي حوّاط جهة انتاجية تحقق ابداعاته الموسيقية والغنائية، لذلك لا يقدّم جديداً إلاّ كل بضع سنوات. بل لا يجد رعاية حقيقية ما خلا التفاتة من جهة حزبية تحاول أن تقف الى جانبه في بعض الحفلات. يلحن سامي ويغني نصوصاً تقدّم له من شعراء غير معروفين أحياناً، أو أنهم محترفون لكن لا يريدون أجراً على ما يكتبون له، أو ما يختار من كتاباتهم المنشورة. وهناك متعة استثنائية في نفسه، وفي نفس شعراء أغانيه، أن «يضعوا» معاً حالة اسمها سامي حوّاط، الخفيف الوقع، الطيّب، «الملتزم» حتى يكاد الالتزام يأكل معه نصف اللقمة! بين التمثيل أساساً، والغناء عَرَضاً قدّم مسرح زياد الرحباني الفنان سامي حوّاط. اما التركيز على الغناء فجاء بعد ذلك. ثم التركيز على عزف العود. ثم الأغنية الانتقادية التي يسمونها سياسية حيناً أو اجتماعية حيناً آخر أو «ملتزمة» في كل حين. اختار حوّاط طريقاً يعرف انها صعبة، بل مستحيلة، في زمن لم تعد الثورات فيه، تحديداً «العلمانية»، ذات زخم جماهيري يوازي ما كانت عليه ثورات مماثلة في السبعينات من القرن الماضي... لكنه اختار، والخيار حتّم عليه أن يغيب أكثر مما يظهر، وأن يعاني أكثر مما يقول، وأن يعيش نوعاً من الصمت الفني الاجباري في وقتٍ يمتلئ صدره وصوته بمشاريع الأغاني... التي لا تأتي؟ يحمل العود على كتفه بمثابة سلاح. لا يقتل سامي حوّاط بسلاحه هذا، ولا يجرح. فقط، يهزّ بعض الصور النمطية التي تُعشّش في «الرأي العام». يهزّها بالألحان والصوت العاري والنصّ المتقشف، ويحاول أحياناً أن يتجاوز السكة التي وُضعَ عليها أو التي وَضع نفسه عليها، أو حتى التي وضعه «جمهوره» عليها. والتجاوز يتم بالموسيقى، كأنما ليقول سامي حوّاط انه موسيقي فضلاً عن أنه مغن وملحن. كأنما الموسيقى من دون كلمات، تمنحه فرصة التعبير عن نفسه، على الأقل، بتقديم مقطوعات موسيقية وارتجالية أيضاً. ينكبّ على آلة العود، يحتضنها، يدفأ بها ويُدفئها، ومن الأوتار نوتات تطلع ونغمات لا يُخفى القصد النبيل الذي خلفها، حتى ولو لم يكن الاتقان الجمالي أو البُعد التأليفي حاضراً فيها. ارتجال في العزف يشبه ارتجال سامي في الغناء. وإذا كان ارتجاله الغنائي محدوداً، فإن ارتجاله الموسيقى أكثر محدودية، وينكشف في الحالين همٌ فني غريب ومُرهِق ويحيي معاً في ما يأتي سامي من كل الفنون التي يحاول أن يطأها بصعلكته التي ولا ألطف! هل اقترب سامي حوّاط من اليأس؟ هل بات في قلب اليأس لكن من دون أن يعترف؟ وإذا اعترف هل يعترف بحجم الوادي الذي بين طموحه وواقعه، بين ما يراه امكانات عنده وما يصطدم به من ظروف تكاد تطرحه أرضاً؟ يبتسم سامي في اللحظات الحرجة، يقول: «أي»... ويحني رأسه أو يحركه يميناً وشمالاً، صعوداً وهبوطاً، موحياً بأن هناك باستمرار ما هو أقوى منه، مادياً ومعنوياً، في الشخصي وفي العام، ومن كل الجهات والجبهات. لكنه ينتظر. ينتظر أمراً يبدو أنه وَهم. ينتظر من يقتنع بأن في الأغنية الانتقادية أو الاجتماعية أو «الصعلوكة» ما يفتح على الانساني الكبير، ومن يراقب الحال الانتاجية العامة، لبنانياً وعربياً، يدرك ان الانتاج في مكان آخر، لا هو في الإنساني أو الاجتماعي، ولا حتى في الفني. لذلك لا يملك سامي حوّاط أكثر من «هزة الرأس» التي هي ندم ولا مبالاة ورفض واستسلام معاً. من السنة الى السنة أو أقل قليلاً، يعبر سامي حوّاط في البلد بحفلة أو اثنتين. جمهور يحبه «شخصياً» يحضر. يغني لهم. يغنون له. هؤلاء أكثر منه ايماناً بأن الصعلكة قد تكون موقفاً، أو طبيعة بشرية أحياناً.