قال "بشر" أو "بوتشي" في مسلسل زيزينيا التلفزيوني الرمضاني المحبوب بأسى بالغ: "إذا مد الكلب بوزه في طبق الطعام حتى لو كان يحوي الوجبة المفضلة لدي، فإنني لا انظر الى الطبق مرة اخرى". وذلك في إشارة الى حبيبته التي تزوجت آخر، أي أن حبيبته هي وجبته المفضلة، وهو من دون شك تشبيه بليغ، وإن كان يخلو من ادنى قواعد الذوق والادب والاحترام، ناهيك عن كون المرأة كالرجل. لم تكن تلك هي المرة الاولى، وبالتأكيد لن تكون الاخيرة التي تصور فيها المرأة بهذا الشكل القبيح، وعلى سبيل المثال لا الحصر، فإن المرأة في الاعلام المصري المقروء والمسموع والمرئي في معظم الاحوال لا تخرج عن مجموعة أطر الأم المضحية بنفسها والتي لا همّ لها سوى توفير كل مناهج الحياة لابنائها، ونساء الليل وبائعات الهوى، والنساء والفتيات السلبيات التافهات اللاتي لا همّ لهن سوى قضايا التجميل والبشرة والثراء والنميمة. لكن الحق يقال انه في الآونة الاخيرة، حلّ نموذج جديد من المرأة المصرية في الكادر الاعلامي، وهو المرأة العاملة ذات الشخصية المستقلة، وربما تكون ايضاً أماً وزوجة وربة بيت ماهرة، لكن النموذج الاخير ما زال استثناء للقاعدة السلبية والتفاهة والمكتفية بدور المضحي. الاستاذة في جامعة القاهرة الدكتورة عواطف عبدالرحمن تشير الى وجود اربعة تيارات فكرية تتحكم في السياسات الاعلامية تجاه المرأة وقضاياها، وهي التيار السلعي التقليدي، الذي يستمد مشروعيته من الموروثات الثقافية والتفسير الذكوري للأديان الذي يرفع من شأن الرجل على حساب المرأة، والتيار الاجتماعي التحرري الذي يعود الى دعوات الرواد امثال رفاعة الطهطاوي، وقاسم امين ممن طالبوا بتحرير المرأة ضمن حركة الاحياء القومي، والتيار النسوي الوافد من الغرب الذي يحصر نضال المرأة في أطر معزولة عن حركة المجتمع، ويدعو الى تحطيم النظام الابوي، واخيراً، التيار العولمي الذي يستفيد من المرأة كعنصر استهلاكي، ومادة اعلانية جذابة، وكقوة عمل رخيصة غير مؤمنة. وتتهم عبدالرحمن وسائل الاعلام بالتركيز على مجموعة من القيم التراثية التي تؤكد على مشروعية التمايز الاجتماعي والثقافي بين الجنسين، باعتباره من الامور الطبيعية غير الخاضعة للجدل، اضافة الى استخدامها كاداة ورمز للجنس في الاعلانات حتى لو لم تكن هناك علاقة بالسلع المعلن عنها، والامثلة في هذا المجال لا تعد ولا تحصى: فالفتاة الدلوعة التي ترتدي اقل القليل وتتمايع وتتلكأ وتتمايل في الحديث شرط اساسي في اعلانات العصائر، والبنوك، والمسلي، والمواقد، والتأمين، والشامبو، والبطاطا المحمرة، فالهواتف المحمولة، وصابون الغسيل، والشاي والقهوة، والكاكاو، وكل ما يتبادر الى ذهنك من كل ما يمكن شراؤه. وتلحظ عبدالرحمن انحياز الاعلام للاسر الغنية والشرائح العليا من الطبقة الوسطى من سكان المدن، في حين يتجاهل نساء الريف والبوادي، باستثناء الجرائم وأزمة الخادمات. نادراً ما تفرد المساحات الزمنية او المطبوعة لمشكلات المرأة الريفية "الحقيقية" وليست تلك التي ترسمها لها السياسات العليا، فأين مشكلاتهن الصحية والاجتماعية والجنسية والثقافية والنفسية والاقتصادية؟ المتتبع للاعلام يتهيأ له ان المرأة المصرية في الريف لا تعاني إلا من الأمية. والاعلام لا ينحاز الى اي امرأة ثرية، لكنه يهتم تحديداً بها طالما يراوح عمرها بين 20 و40 عاماً. أين إذاً الطفلة، والمراهقة، والمسنة؟ إنها تكاد تكون غائبة في الاعلام باستثناءات بسيطة لا تتعدى برامج موسمية او تغطيات اخبارية لا تهتم بالمشكلات المستديمة. ويشكل نجوم المجتمع، لا سيما الفنانات والرياضيات والديبلوماسيات، ونساء الحكم الركيزة الاساسية من اهتمام الاعلام، في حين يتجاهل هموم ومشكلات آلاف النساء من المحاميات والطبيبات والموظفات وربات البيوت والباحثات والفلاحات والعاملات. ليس هذا فقط، بل تنتقد عبدالرحمن انعدام التوازن في الرؤية التي يطرحها الإعلام لادوار ووظائف وحقوق المرأة والرجل والطفل، بل ان الاعلام يتجاهل الاشارة الى واجبات ومسؤوليات الرجل، ويكتفي بالتركيز على المسؤوليات والواجبات التقليدية للمرأة كما يتعامل مع الطفل باعتباره حلبة كمالية داخل الاسرة. وبعيداً عن الحقوق والواجبات، وعلى رغم الصحوة التي تشهدها مؤسسات المجتمع في شأن قضايا المرأة، من تأسيس المجلس القومي للامومة والطفولة والمجلس القومي للمرأة، اضافة الى عشرات الجمعيات الاهلية المعنية بالمرأة، فالصورة التي تعكسها نسبة كبيرة من مواضيع الصحف المصرية لقضايا المرأة لا تخرج عن إطار تجميل البشرة، ومكياج الوجه، وريجيم الجسم، مع غياب العقل، وبذلك يتم تهميش قضاياها المهمة والقومية. وعلى رغم أهمية مناقشة دور المرأة في التنشئة الاجتماعية، ورعاية اسرتها، إلا أن دورها كشريكة في الانتاج والحياة العامة والعمل السياسي ومختلف جوانب الابداع الفكري لا يقل اهمية. وتشير استاذة الاعلام ومقررة لجنة الثقافة والاعلام في المجلس الاقليمي للمرأة الدكتورة ليلى عبدالمجيد الى ان الاهتمام بقضايا مثل مشاركة المرأة في الحياة العامة يرتبط بالاهتمام الرسمي بها كما أن هناك موسمية في الاهتمام بعدد من القضايا مثل التطرق الى مشاركة المرأة السياسية في وقت الانتخابات، كذلك قانون الاحوال الشخصية اثناء الحديث عن اجراء تعديلات، والخُلع وسفر الزوجة من دون إذن زوجها. وتنتقد عبدالمجيد اظهار المرأة بشكل مشوّه من خلال صفحات الحوادث والقضايا التي تقدم الحالات الفردية الشاذة، وكأنها القاعدة، فالمرأة قاتلة خائنة فقدت مشاعرها كأم واخت وابنة، وحتى في الحالات التي تكون فيها ضحية مثل حوادث الاغتصاب، تظهر تلميحات حول مسؤوليتها أو أنها المحرضة على ذلك، كما تظهر الصور النمطية للمرأة اللاهية المستهترة المشغولة فقط بجمالها وانوثتها من خلال صفحات الفن وأخبار المجتمع. وهناك مشكلة اخرى في شأن "المرأة والاعلام" وهي المرأة نفسها، وتحديداً المرأة الصحافية. وتقول عبدالمجيد انه على رغم تمتع المرأة الاعلامية بفرص متكافئة مع الرجل في كل مجالات العمل الاعلامي من حيث الاجر والاعداد والتدريب، إلا أن هناك عدداً من العقبات، كعدم ادراك الاهل او الزوج احياناً لاهمية مشاركة المرأة في العمل العام، كما يحتجون على عدم استقرار مواعيد عملها، أما الصحافية نفسها فتشعر بالتقصير في بيتها واولادها لتأخرها في العودة، اضافة الى ضغوط الوقت والاضطرار احياناً الى العمل ليلاً او فجراً. وهناك تأثيرات نفسية وصحية قد تلم بالمرأة الاعلامية نتيجة الارهاق المستمر وصراع الادوار داخل الاسرة وفي العمل، بل انها قد تضطر للانفاق على عملها من مواردها الخاصة لانجازه بالسرعة المطلوبة. وفي المجتمع، هناك فئات تنظر الى عمل المرأة الصحافية على أنه من دون جدوى، كما ان بعض المصادر الصحافية تنظر اليها كامرأة فقط، ما قد يعرّضها لمواقف محرجة، وقد تكون الصحافية نفسها عقبة امام تطوير نفسها والارتفاع بمستوى ادائها وكفاياتها، وذلك يعود الى المبالغة في المظهر الخارجي والمكياج، والاكسسوارات، وطريقة تصفيف الشعر ولونه ما قد يمثل قدوة سيئة. وقاعات المؤتمرات والمحافل الصحافية حافلة بنماذج من الصحافيات اللاتي ينافسن عارضات الازياء الشقراوات في مظهرهن بغض النظر عن لون بشرتهن واحجامهن، وهناك صحافيات - وإن كن قلة - يستخدمن انوثتهن للحصول على مكاسب مستغلات ضعف عدد من القيادات إزاء انوثة المرأة، كما ان نسبة من الاعلاميات يفتقدن انفسهن الوعي اللازم بقضايا المرأة، فيساهمن من دون وعي منهن في تفاقم المشكلة. أما وقد عرضنا المشكلة، فهناك حلول ومقترحات قد تساعد في تقليصها إن لم يكن علاجها. الدكتورة عواطف عبدالرحمن تقترح التنويع والتدقيق في اختيار الشخصيات، بدلاً من غير الاختصاصية التي تصر على أن تتحدث في قضايا المرأة والاسرة، وتجيزها الرقابة، وتسمح بها علاقات المصالح، وهو ما يؤدي الى استبعاد وتهميش الكفايات الجادة والقادرة على طرح رؤى نقدية للواقع السائد، ناهيك عن الملل والاحباط الذي يصيب المشاهدين والمستمعين نتيجة تكرار الوجوه وافلاسها الفكري والثقافي. الدكتورة ليلى عبدالمجيد ترى أن اهمال الاهتمام بقضايا المرأة المصرية الريفية يعود الى اهمال الوعاء الاكبر الذي تنتمي اليه، وهو الريف المصري، وهي دعوة الى الاهتمام بالوعاء. الباحثة عناء زكي في دراسة عنوانها "اوجه التمييز ضد المرأة في وسائل الاعلام المرئية والمقروءة"، تقترح ان يفتح الاعلام ابوابه للمنظمات الاهلية العاملة في المجال لمخاطبة الجمهور وتوعيته، وهي تقترح كذلك التأكيد على قيمة عمل المرأة في كل وسائل الاعلام، والتركيز على اهمية وحق المرأة في الترقي والوصول الى المراكز القيادية قبل وصولها الى سن المعاش بفترة كافية. دراسة اخرى عنوانها "الخطاب الصحافي وقضايا المرأة: اوجه التمييز" تشير الى ان تفعيل الخطاب الصحافي لقضايا المرأة جزء من كل، ولا يمكن التعامل معها بشكل منفصل، فهي مرتبطة بمكانة المرأة في المجتمع، سواء في ما يتعلق بقدراتها الذاتية، أو في ما يتعلق بالفرص المتاحة لها، وهي مرتبطة كذلك بمعدل المشاركة السياسية وتحديث المجتمع، لذا من الضروري المعالجة الشاملة لقضايا المرأة، مع الخروج عن الاهتمامات التقليدية المنصبة على الشكل لا المضمون. واتفق الجميع على اهمية احداث "صحوة" تعليمية، فهناك ضرورة ملحة لتغيير صورة المرأة في مناهج التعليم وفي البرامج الاعلامية والكتابات الصحافية، وتجنب المبالغة في التركيز على الادوار التقليدية، وعدم تهميش الانجازات المهنية والمجتمعية للمرأة. نتمنى أن نرى قضايا وهموم ومشكلات وآمال المرأة والشابة والطفلة المصرية ممثلة في الاعلام المصري بشكل واقعي، ونتمنى ان نرى الاعلامية المصرية على درجة من الوعي والثقة في قضاياها بشكل يساهم في الوصول الى "تغطية اعلامية منصفة للمرأة".