اتفق كل من رئيس تحرير صحيفة «عكاظ» محمد التونسي ورئيس تحرير «الحياة» المساعد جميل الذيابي، في ندوة «الإعلام العربي وتحديات المستقبل» التي أقيمت ضمن فعاليات «سوق عكاظ» مساء أمس، وشارك فيها إلى جانب التونسي والذيابي الأكاديمي في جامعة الطائف جمال الدين شيخ وأدارها مدير قناة «العرب» جمال خاشقجي، على تعيين جملة من التحديات، اعتبراها تواجه الإعلام في الوطن العربي، في حال بقي ولم يبذل جهوداً ليطور من نفسه. وفي بداية الندوة انتقد التونسي الإسراف في استخدام «الإعلام الجديد»، مشيراً إلى تعرض هذا المصطلح للخلط، معتبرا أن «الإعلام الجديد» يرتكز على «التفاعلية» بين الوسيلة الإعلامية والجمهور. ونبّه إلى أن هذا الإعلام لم يبدأ في السنوات الأخيرة، «وإنما منذ الستينات من خلال قنوات (fm) الإذاعة الأميركية، من خلال استقبالها مداخلات جمهورها من المستمعين، وخصوصاً في برامج الصباح، وانتقلت هذه التجربة إلى القنوات التلفزيونية الأميركية أيضاً في الثمانينات، ومن بعدها إلى القنوات التلفزيونية في العالم». وذكّر رئيس تحرير صحيفة عكاظ الحضور بأن الصحف الورقية الموصوفة بالإعلام «التقليدي»، حرصت أيضاً على متابعة ردود فعل الجمهور عبر رسائل القراء، وخصصت مساحات لعرض هذه الرسائل، ما يدرجها أيضاً في خانة «الإعلام التفاعلي»، كما أشار إلى إطلاق الصحف الورقية مواقع إلكترونية، مشدداً على أن «لا خيار أمام الصحف سوى التفاعلية والمواقع الإلكترونية». ودعا التونسي إلى «تحالف» بين وسائل الإعلام التقليدي والجديد، مستشهداً في هذا الصدد بنماذج واقعية في هذا المجال، طبقت في كل من بلجيكا والولايات المتحدة الأميركية وتركيا. وقال رئيس تحرير صحيفة عكاظ: «وقفت بنفسي على التجربة التركية التي طبقتها صحيفة «خبر ترك»، إذ تطبع هذه الصحيفة نحو 250 ألف من نسختها الورقية يومياً، إضافة إلى وجود قناة تلفزيونية وأخرى إذاعية، وموقع إلكتروني، وترتبط جميع هذه الوسائل بغرفة أخبار مدمجة، وبالتالي فإن كل خبر يصل حديثاً فهو ملك للجميع». وبدوره أجرى رئيس تحرير صحيفة «الحياة» المساعد جميل الذيابي، مقارنة بين الإعلاميّن التقليدي والجديد، وقال: «إن الإعلام الجديد يشغلنا جميعاً بسبب الحالة التفاعلية». مضيفاً: «في هذا النوع من الإعلام شيء من الإنسان نفسه». ولفت الذيابي، الذي انتقد بشدة اللجنة الثقافية على تأخيرها موعد الندوة، الأمر الذي أربك المشاركين وأثّر في حجم الحضور، إلى أن الإعلام الجديد يؤثر داخل حدود الدولة وخارجها، وأنه حرٌ لا تقيده الرقابة الثقيلة للحكومات، ولغته سهلة بسيطة وخالية من التعقيد، وكلماته قليلة، ويعتمد على وسائل تقنية خفيفة وسهلة في النقل، ولا يعاني من مشكلات الطباعة التي تواجهها الصحف الورقية مثلاً «في الإعلام الجديد تكتب وترسل»، ويقدم حلولاً مباشرة من المواطنين إلى الحكومات، طارحا فيلم «مونوبولي» مثالاً. وأضاف «إن الإعلام الجديد ذو تأثير قوي في المجتمع، وأكبر دليل على قوة هذا التأثير دوره في نجاح الحملة الانتخابية للرئيس الأميركي الحالي باراك أوباما، كما أنه لا يجامل أبداً». وفي المقابل، أشار الذيابي إلى أن الإعلام التقليدي «يعاني مشكلات عدة تحرر منها الإعلام الجديد، أولها قيود الرقابة الحكومية الصارمة، وتأثيره المحدود بحدود الدولة، ولغته التقليدية الثقيلة، ومشكلات الطباعة الورقية، كما أنه مضطر إلى مجاملة الحكومات وغيرها». وانتقد إصرار «المتحدثين الرسميين» الحكوميين على النشر الورقي، وتجاهلهم الإعلام الإلكتروني الجديد، كما انتقد مبالغة جهات حكومية في الدعوة إلى تطبيق «الحكومة الإلكترونية»، من دون أن يبذلوا الجهد الكافي لتحويل هذه الدعوات إلى واقع. ودعا الذيابي الفاعلين في الإعلام التقليدي «الكلاسيكي» ومنافسه الجديد إلى تحديد أهداف مشتركة، تركز على الدعوة لحرية التعبير ونشرها، وزيادة المشاركة الشعبية. وفي الندوة سرد الدكتور جمال الدين شيخ الخلفية التاريخية لتطور وسائل الإعلام والنقلة النوعية، التي واكبت مسيرة الإعلام العربي، ما دفعة إلى كسر ما وصفه ب«الاحتكار الصهيوني» لوسائل الإعلام، مؤكداً أن هناك قنوات فضائية «استطاعت أن تغير نمط السياسة العربية ونوعية الخطاب العربي للشعوب، وكسرت الحاجز الرسمي بظهور قنوات البي بي سي والعربية والجزيرة لتقضي على احتكار قناة ال «سي إن إن» الأميركية للخبر، والتي رأى أنها كانت مستفزة كما يري الكثير من النقاد العرب، بانحيازها الواضح ضد العرب وقضاياهم». وقال إن هذا الانحياز «له إيجابيات ساهمت في الدفع بظهور القنوات الحالية، التي سيطرت على الساحة الإعلامية والإخبارية العربية بشكل شبه كامل»، مضيفاً أن الإعلام العربي الرسمي «لم يستطع المنافسة، ومع توسع مصادر المعلومات اهتزت مهنيته». من جهة أخرى، كاد الوضع السوري والربيع العربي أن يلقيان بظليهما على ندوة «الإعلام وتحديدات المستقبل»، إذ احتدم النقاش في دقائقه الأخيرة حول وضع الأكراد في تركيا وسوريا والعراق في دولة مستقلة، طالما أن عددهم يقارب 42 مليون نسمة، ليضفي النقاش طابعاً سياسياً على ندوة يراد لها أن تناقش التحديات. وبدا الذيابي من المؤيدين لحق الأكراد في تقرير مصيرهم، وقال إن هناك حقوقاً لكل شعب في تقرير مصيره، موضحاً أن بقاء الدول موحدة وآمنة «المثال الأمثل، إذا منحت الحقوق للأقلية». وقال إن هناك هضماً للحقوق، «وأن الحقوق لا تمنح كاملة إنما منقوصة»، ملقياً باللائمة على بعض الحكام العرب «الذين يعضون على الكراسي بالنواجذ». وقال رئيس تحرير «الحياة» المساعد، إنه ليس من مهمة الإعلام أن يرضي طرفاً على حساب طرف، وإنما ينقل الحدث.