قضى مجلس الأمن على مشروع ايفاد قوة مراقبة دولية الى الأراضي الفلسطينيةالمحتلة وأعفى الولاياتالمتحدة من استخدام حق النقض الفيتو من خلال امتناع سبع دول من اعضائه عن التصويت على مشروع قرار تبنت الدول الست غير المنحازة تقديمه الى التصويت فجر أمس الثلثاء تلبية لطلب فلسطين. وحصل المشروع على دعم ثماني دول هي الصين واوكرانيا الى جانب تونس وماليزيا وجامايكا وبنغلادش ومالي ونماميبيا. وامتنع عن التصويت كل من الولاياتالمتحدةوبريطانياوفرنساوروسيا وكندا وهولندا والارجنتين. وفشل المشروع في الحصول على دعم الأصوات التسعة اللازمة لتبنيه فسقط من دون اضطرار الولاياتالمتحدة لاستخدام الفيتو ضده. وجرى التصويت بعد مفاوضات دامت أسابيع أدت الى استنتاج مندوب فلسطين لدى الأممالمتحدة الدكتور ناصر القدوة ان "علينا الصدق مع شعبنا ليفهم ان هذا الخيار غير قائم"، اشارة الى احتمال ايفاد قوة مراقبة دولية الى الأراضي الفلسطينيةالمحتلة. وحمّل القدوة مسؤولية إفشال تبني مجلس الأمن القرار للولايات المتحدة وقال: "ان الضغوط الأميركية وصلت الى حد اضطرار أوروبا لاتخاذ هذا الموقف بفضل المناورات البريطانية والتراجعات الفرنسية كي تعفى الولاياتالمتحدة من مسؤولية الفيتو". وعبر القدوة عن الغضب من موقف روسيا التي يترأس سفيرها سيرغي لافروف مجلس الأمن الشهر الجاري، وقال "ان روسيا غيرت موقفها بشكل فاضح". وأكدت مصادر فلسطينية ان روسيا كانت تعهدت مطلع الاسبوع الماضي بدعم القرار ثم تراجعت مع نهاية الاسبوع متمسكة بذريعة المواقف الفرنسية - البريطانية ورغبتها بالتماشي معها. وأبدى الوفد الفلسطيني المرونة حتى آخر لحظة فوافق على تعديل قبيل عملية التصويت ادخلت بموجبه بدلاً من كلمة "يقرر" مجلس الأمن انشاء القوة عبارة "يعبّر عن تصميمه" على انشاء القوة في مرحلة اولى، يليها المرحلة الثانية بحيث يكلف الأمين العام "التشاور مع الطرفين" الفلسطيني والاسرائيلي في شأن تشكيل القوة واجراءات انتشارها ومهامها. وراهن الوفد الفلسطيني على المرونة لضمان أكبر قدر ممكن من الدعم لمشروع القرار لكنه اصطدم بخيبة أمل بالغة نتيجة الموقف الروسي بصورة خاصة اضافة الى الموقف الفرنسي الذي سعى وراء تأجيل التصويت تكراراً. وكانت آخر حلقة في سلسلة السعي الفرنسي للتأجيل التذرع بوجود الرئيس جاك شيراك في واشنطن أول من أمس لاجراء محادثات مع الرئيس بيل كلينتون بعدما كانت الذريعة الاسبوع الماضي زيارة وزير الخارجية الفرنسية الى المنطقة. واتهمت الديبلوماسية الفلسطينيةبريطانيا بالسعي وراء امتصاص المواقف نيابة عن الولاياتالمتحدة من خلال ما وصفه مندوب فلسطين ب"المناورات البريطانية"، اشارة الى تقدم بريطانيا سوياً مع فرنسا بمشروع قرار أخذت الدول غير المنحازة بمعظم عناصره من دون ان تتجاوب الديبلوماسية البريطانية - الفرنسية مع المرونة. ودافع مندوب فرنسا السفير جان دافيد ليفيت عن مواقف بلاده وعبر عن "ادانتنا" لافراط اسرائيل في استخدام القوة ضد الفلسطينيين. وأشار ليفيت الى دور الأمين العام كوفي انان، كما اوكله اليه مجلس الأمن في قراره الأخير، وكذلك الى "استئناف الحوار السياسي" بين الفلسطينيين والاسرائيليين، باعتبارهما العنصرين الرئيسيين وراء تحفظات فرنسا. وقال ان فرنسا "ليس لديها أية تحفظات على جوهر" ومشروع القرار "ولكن اللحظة ليست اللحظة المناسبة". وأكد ان "هذا هو السبب الوحيد" وراء امتناع فرنسا عن التصويت، وان فرنسا ما زالت تعتقد بأن ايفاد قوة مراقبة امكانية واردة. أما سفير الصين ينغانغ وانغ فقال: "ندعم مشروع القرار وسنستمر في دعم جهود الأمين العام، وسنمضي في بذل ما في وسعنا" لتحقيق انهاء الوضع المأساوي في الأراضي الفلسطينية. وعبر سفراء الدول غير المنحازة عن خيبة الأمل لعدم حصول المشروع على الدعم سيما بعدما تجاوبت هذه الدول ببالغ المرونة مع الملاحظات عليه. وقال مندوب تونس، العضو العربي الوحيد في مجلس الأمن، السفير سعيد بن مصطفى، خارج قاعة المجلس، ان الدول الست غير المنحازة التزمت دعم الموقف الفلسطيني، من حيث الجوهر ومن حيث توقيت التصويت. وكان سفراء الدول العربية في اجتماع للمجموعة العربية دعموا القرار الفلسطيني بالمضي قدماً بالتصويت على مشروع القرار حتى عندما تبين ان المشروع لن يكسب دعم الأصوات اللازمة لتبنيه. روسيا وراهن بعض السفراء العرب على موقف روسي يدعم المشروع في آخر لحظة نظراً "لتاريخ" علاقة روسيا بالقضية الفلسطينية، حسب قول أحد السفراء. وجاء الموقف الروسي ليفشل هذا الرهان. وشرح لافروف الموقف الروسي أثناء الجلسة العلنية الرسمية التي جرى التصويت خلالها مشيراً الى "مفاوضات" الفلسطينيين والاسرائيليين في واشنطن التي بدأت أمس والتي هي "مرحلة" في عملية "استئناف الحوار". وقال: "هذا سيجعل التحرك ممكنناً إلى الأمام في توفير الحماية للمدنيين الفلسطينيين في الضفة الغربيةوغزة، وهذا هدف ندعمه، ولا يمكن تحقيقه الا بموافقة الطرفين الفلسطيني والاسرائيلي عليه". واعترف لافروف "بصعوبة اتخاذنا هذا الموقف"، اشارة الى رفض دعم مشروع القرار، وقال: "لكننا على اقتناع بأن الوسيلة الوحيدة" لانشاء قوة المراقبة "هي موافقة الطرفين عليها". وكان المندوب الأميركي، نائب المندوب الدائم، جيمس كننغهام، اعلن في الجلسة ان المجلس تصرف "بحكمة" في رفضه تبني المشروع "غير المناسب" الذي طرح في "وقت غير مناسب". وقال: "لو كان للمشروع حظ بتبنيه، لاستخدم وفدنا الفيتو ضده". وأشار المندوب الأميركي الى "أهمية المحادثات في واشنطن" بين الفلسطينيين والاسرائيليين باعتبارها الأكثر واقعية. واعتبر مندوب بريطانيا السير جيريمي غرينستوك ان فكرة انشاء قوة مراقبة "لها فوائدها للطرفين" الفلسطيني والاسرائيلي سيما في "تهدئة" الأوضاع. وقال: "من المبكر التخلي عن هذا الهدف... لكن العمل على فرض هذا الأمر ضد رغبات طرف من الطرفين مسألة غير مثمرة". وانقسمت الآراء في شأن اصرار وفد فلسطين على طرح مشروع القرار الى التصويت على رغم معرفته المسبقة بأن المشروع لم يضمن دعم الأصوات التسعة اللازمة. وانتقد فريق يضم دولاً عربية وغير عربية الاستراتيجية الفلسطينية باعتبارها خاسرة وعازمة على حصاد الخسارة بسبب رفضها تأجيل التصويت. واتفق فريق آخر مع القرار الفلسطيني باعتبار أن التأجيل مرة تلو أخرى هدد الصدقية الفلسطينية وحمّل فلسطين المسؤولية. وأعلن مندوب فلسطين من جهته انه "كان لا بد من وضع حد للأمر، لذلك قررنا الذهاب الى التصويت بحيث يتحمل مجلس الأمن مسؤولياته". وقال: "لا يجوز الاستمرار في عملية التسويق ولا يجوز التراجع". وأضاف: "في كل الأحوال، ان المشروع ما كان ليعتمد... والمسألة ليست مسألة الفائدة من طرحه للتصويت أو عدم طرحه. انها مسألة مبدأ". السلطة الفلسطينية من جهة اخرى، أ ف ب، أعربت السلطة الفلسطينية عن أسفها أمس لرفض مجلس الامن الدولي مشروع القرار الخاص بارسال قوة مراقبين تابعة للأمم المتحدة الى الضفة الغربية وقطاع غزة معتبرة انه "لا يخدم عملية السلام". وقال نبيل ابو ردينة مستشار الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات "ان المجتمع الدولي يتحمل مسؤولية خاصة في حماية الشعب الفلسطيني وان عدم ارسال المراقبيين الدوليين لا يخدم عملية السلام وسيشجع اسرائيل على الاستمرار في عدوانها وعلى مجلس الامن ان يأخذ بالاعتبار قرارات الجمعية العامة والقانون الدولي لحماية الشعب الفلسطيني".