شهد المغرب في الساعات الماضية أول مواجهة من نوعها بين السلطات والتيار الإسلامي ممثلاً بجماعة العدل والإحسان التي اعتُقل من افرادها ما يزيد على 700 شخص، بينهم العديد من أقارب مرشدها الشيخ عبدالسلام ياسين. وتزامنت هذه المواجهة مع مواجهة أخرى بين قوات الأمن وناشطين حقوقيين يُطالبون بمحاكمة مسؤولين سابقين بتهمة التعذيب. وأعلنت جماعة "العدل والإحسان" في بيان ان قوات الأمن اعتقلت 778 من أنصارها لدى محاولتهم التظاهر في مناطق مغربية عدة في مناسبة اليوم العالمي لحقوق الإنسان. وأضاف البيان الذي تلقته "الحياة" ان 293 من المعتقلين أُحيلوا على القضاء وبينهم أعضاء قياديون في مجلس الإرشاد الهيئة القيادية العليا في الجماعة والأمانة العامة للدائرة السياسية، منهم السادة محمد العلوي السليماني ومحمد عبادي ومحمد بارشي وعبدالله الشيباني وعزالدين ناصح. وقال الناطق باسم الجماعة فتح الله أرسلان ل"رويترز" ان كامل، ابن الشيخ ياسين، وابنتيه نادية ومريم سيحاكمون في الرباط. واضاف ان محمد، ابن الشيخ ياسين، وابنته الحامل آسيا وزوجها سيحاكمون أيضاً في مدينة فاس، في حين سيُحاكم 80 من اعضاء الجماعة في مدينة وجدة الشمالية الشرقية وثلاثة في مدينة تطوان الشمالية و17 في مراكش الجنوبية وعشرة في مدينة اغادير على ساحل المحيط الاطلسي. وجاء اعتقال أعضاء "العدل والإحسان" بعد ساعات من مواجهة أخرى ليل السبت في الرباط بين قوات الأمن ومتظاهرين من الجمعية المغربية لحقوق الإنسان. وأفرج القضاء عن 41 من هؤلاء المعتقلين على ان تتم محاكمتهم وهم مفرج عنهم. وكانت وزارة الداخلية أعلنت حظر تظاهرات جمعية حقوق الإنسان وجماعة العدل والإحسان قبل ساعات من تنظيمها. وقال مراقبون ان تصعيد المواجهة بين "العدل والإحسان" والسلطات المغربية جاء على خلفية تطورات سياسية عدة أبرزها تعرّض حكومة السيد عبدالرحمن اليوسفي لانتقادات بسبب المضايقات التي تتعرض لها وسائل الإعلام منع ثلاث اسبوعيات، وارتفاع أصوات تتهم المؤسسة العسكرية بالفساد او بالتورط في قضايا سياسية. ورأى مختصون في شؤون الحركات الإسلامية ان دخول العد العكسي للانتخابات الاشتراعية المقبلة في 2002 قد يكون من بين الأسباب التي دفعت "العدل والإحسان" الى "جس نبض" الساحة المغربية لمعرفة مدى التعاطف معها، وإن كانت الجماعة لم تعلن حتى الآن عزمها المشاركة في الاقتراع. وتفيد تحليلات بأن التيارات الإسلامية ستحصل على نحو ثلث أصوات الناخبين في حال كانت الانتخابات نزيهة وحيادية. إلا ان مصادر أخرى ترى ان للموضوع علاقة بخلافة مرشد الجماعة الشيخ ياسين، خصوصاً بعد أنباء عن مرضه وترسيخ مسؤولية السيد فتح الله أرسلان ناطقاً باسم الجماعة، وهو ما أدى الى تراجع الدور الذي كانت تقوم به إبنة مرشد الجماعة السيدة نادية. ويُلاحظ ان المواجهة الجديدة تأتي بعد نحو سنة على رسالة الشيخ ياسين "الى من يهمه الأمر" والتي طالب فيها باستخدام ثروة الملك الراحل الحسن الثاني لتسديد ديون المغرب. وصدرت وقتها انتقادات عديدة لرسالة الشيخ ياسين، لكن حكومة اليوسفي التزمت الصمت. وثمة من يرى ان رد الحكومة الآن على الجماعة إنما هو بمثابة "رد مؤجل" على الرسالة. ويقول مراقبون ان "تشدد" حكومة اليوسفي إزاء الجماعة الإسلامية يجب ان يُنظر اليه من خلال منظور الانتخابات المقبلة التي سيتواجه فيها الإسلاميون مع أحزاب الإئتلاف الحكومي. معروف، في هذا الإطار، ان حزب "العدالة والتنمية" الإسلامي التوجه ابتعد عن مساندة الحكومة واختار صف المعارضة. كذلك انضم ناشطون إسلاميون الى حزب "الحركة الشعبية الدستورية" الذي أصبح يُنعت بأنه من الأحزاب الإسلامية المعتدلة. وكان العاهل المغربي الملك محمد السادس ركّز منذ توليه السلطة العام الماضي على محاربة الفقر وضرورة إيلاء عناية خاصة للمحرومين والمعوزين، وهم الفئات الأكثر استقطاباً في المشروع الإسلامي. وقبل اسبوع فقط، أدى الملك محمد السادس صلاة الجمعة في المسجد الأعظم في سلا، شمال العاصمة الرباط، التي تُعتبر مركز نفوذ لجماعة العدل والإحسان.