"خوتسباه" كلمة عبرية تعني "وقاحة" أو "صفاقة"، وهي تعني بشكل أدق "الوقاحة المفرطة" أو "الصفاقة ثقيلة العيار". وقد دخلت هذه الكلمة تاريخ الديبلوماسية الاسرائيلية، وأصبحت مرشداً للعديد من الديبلوماسيين الشباب، الذين يتلقون النصح من الديبلوماسيين القدامى بأن يعرضوا مواقف اسرائيل المغالية في التطرف بكل جرأة وثقة حتى لو كانت تتسم بال"خوتسباه". وهناك من ألف كتباً دافع فيها عن ال"خوتسباه" في العمل الديبلوماسي واعتبرها براعة وشطارة. وتطبيقاً لهذه الكلمة التي تطورت الى نظرية، أصبح الاحتلال الاسرائيلي يعني "تحرير الأرض"، وأصبح اللاجئ الفلسطيني المطرود مداناً لأنه "تخلى عن أرضه"، وأصبح المتظاهر الفلسطيني شيطاناً لأنه يجبر الجندي الاسرائيلي النظيف على ان يصبح قاتلاً، وأصبح الاحتلال الاسرائيلي هو "الاحتلال النظيف" في مقابل الاحتلال القذر الذي عرفته شعوب العالم المختلفة. ونشهد حالياً محاولة اسرائيلية جديدة لتطوير هذه "الوقاحة" ورفعها الى درجة تتفوق على كل المفاهيم التي تم اختراعها في السابق. وعنوان هذه المحاولة اعادة النظر في استشهاد الطفل الفلسطيني محمد الدرة، واثبات ان الفلسطينيين هم الذين قتلوه، وذلك، وكما يقولون بالحرف الواحد "في مسرحية هدفها الحصول على صورة، تتحول الى رمز، وتشهر باسرائيل أمام العالم... والذين شاركوا في هذه المسرحية هم: مطلقو النار الفلسطينيون، ومصور التلفزيون الفرنسي الذي تلقى أوامر الاخراج"، وكذلك جمال الدرة والد الطفل... الذي شوهد في الشريط وهو يؤشر للمصور". هذا الكلام نشر في جريدة "هآرتس" يوم 7/11/2000، وعلى لسان العالم الفيزيائي ناحيم شاحاف والمهندس يوسف دورئيل. والاثنان اقترحا على الجنرال يوم توف ساميا قائد المنطقة الجنوبية، اعادة تمثيل الجريمة لإثبات نظريتهما. وراقت النظرية للجنرال، وقامت مجموعة من الجنود بتمثيل المعركة داخل منطقة عسكرية، وبحضور طاقم تلفزيون اميركي حصل على امتياز تصوير التمثيل. ومن الجدير بالذكر هنا، ان صحيفة "هآرتس" تؤكد، ان الجيش الاسرائيلي قد دمر كل الأدلة في المنطقة التي قتل فيها الطفل محمد الدرة، فتم تدمير جميع المباني عند مفترق مستوطنة نتساريم التي شهدت الجريمة، ولم يبق سوى شريط الفيديو الذي صوره مصور التلفزيون الفرنسي طلال أبو رحمة. هذه "الوقاحة" لا تزال حتى الآن وقاحة اسرائيلية داخلية، ولكن ليس من المستبعد ان تتحول الى وقاحة اعلامية اميركية، فبحسب الاعلام الاميركي يجب ان تبقى اسرائيل دولة نقية حتى يمكن تبرير الدفاع الدائم عنها، بالرغم من جرائمها، وكأن نفي جريمة قتل الطفل محمد الدرة، يلغي الجرائم الكثيرة السابقة، من جريمة قتل المصلين في الحرم الابراهيمي في الخليل، الى جريمة قتل المدنيين في بلدة قانا اللبنانية، الى جريمة الاغتيال العمد للاطفال الفلسطينيين في التظاهرات، وتقصّد اصابتهم في رؤوسهم، وفي عيونهم تحديداً، والإصرار، بعد ذلك على القول ان على الفلسطينيين ايقاف العنف. إنها "خوتسباه" اسرائيلية من الطراز الثاني، لأن "خوتسباه" من الطراز الأول، لا تزال ممكنة، وربما هي قادمة الآن على الطريق، وعنوانها ان الأب الفلسطيني يقتل طفله من أجل تشويه "النظافة" الاسرائيلية. "خوتسباه"... "خوتسباه"... "خوتسباه"!