مرت ثلاثون عاماً تقريباً من دون ان يستطيع الشباب الافغاني ان يحدد وجهة حياته، خلال هذه الفترة تقلب هذا الشباب بين اطياف والوان سياسية عدة من الملكية بزعامة ظاهر شاه 1933 - 1973 والجمهورية بزعامة السردار محمد داود 1973 - 1978 والشيوعية 1978 -1979 والشيوعية الاجنبية التي قادتها موسكو 1979 - 1989 والشيوعية الافغانية الملبسة بلبوس القومية والاشتراكية وذلك بعد الانسحاب السوفياتي بين العامين 1989 - 1992 وفترة المجاهدين الافغان والحروب الاهلية او الحروب المفروضة كما يحلو للمجاهدين تسميتها 1992 - 1996 واللون الاخير هو لون طالبان وصراعها مع المعارضة الشمالية بزغامة الجنرال أحمد شاه مسعود 1996 - 2000. توالي العهود وستكشف هذه المقدمة لاحقاً حجم الشرخ والتصدع الحاصل في الشخصية الشبابية الافغانية سواء داخل افغانستان او في الشتات، اي في دول مجاورة وغير مجاورة الامر الذي مهد لحصول تصدع وشرخ حقيقي في الشخصية الشبابية الافغانية وفي العائلة الافغانية، كون العائلة قد تفككت واصبح من الطبيعي ان تعثر في العائلة المفككة الواحدة من درس في الغرب ومن درس في موسكو وفي السعودية وباكستان وايران ومن هو منتمٍ الى الحزب الشيوعي وآخر الى الاسلاميين بكافة ألوانهم السياسية، ومن يعمل لهذه الدولة او تلك. واتسمت الشخصية الشبابية الافغانية في المهاجر وفي داخل افغانستان بالتقية خوفاً من كشف مدفونات الصدور حتى لا يطارد الشاب في رزقه خوفاً من هذا التنظيم او ذاك، او خشية من هذه المنظمة الإغاثية التي يعمل لها، او حتى من تلك الدولة التي يعمل لصالحها لا سيما اذا ادركنا ان هناك العشرات من الدول التي لها مصلحة في توظيف عملاء على معرفة بما يجري على الساحة الافغانية. لقد غدا معروفاً لمن يتابع الشؤون الافغانية ان يسمع عن اسباب معينة لأزمة ما وتشتهر بين الناس على ان هذه هي الاسباب الحقيقة اما الاسباب الفعلية فهي مخفية ولا أحد يعرفها إلا قلة قليلة لا تريد الكشف عن الحقيقة لأسباب مادية او غير مادية. لم يعد هؤلاء الشباب يهتمون كثيراً بتحصيلهم الدراسي وتحسين مستوياتهم العلمية والتدريبية في ظل واجب مفروض عليهم وهو ضرورة إعالة عائلتهم الكبيرة بحسب التقاليد الافغانية، وهو ما يحيل الشاب الافغاني الى كتلة من الهموم ويعرضه الى امراض الشرود الذهني ومشاكل الاعصاب كما يؤكد الكثير من الاطباء المتخصصين. وتقتضي الدقة ان نحدد عن اي صنف نتحدث من هؤلاء الشباب فهل نحن نتحدث عن الشباب المقيم في افغانستان وهم نوعان: واحد تحت سيطرة حركة طالبان، وثانٍ تحت سيطرة المعارضة، أم عن الشباب في باكستان وهم ايضاً انواع متعددة. ولعلنا في هذا التقرير نتحدث عن الشباب الافغاني المقيم في داخل افغانستان بشقيها وكذلك الشباب الموجود في ديار الهجرة في باكستان. الشباب المقيم فصنف الشباب المقيم في مناطق طالبان عانى من تشدد الحركة اذ منع في البداية من ممارسة بعض انواع الرياضة، لكن بدأت الحركة بتغيير بعض سلوكياتها وممارساتها، ولا شك ان طبيعة تشكيلة الحركة في البداية ونفوذ الملالي التقليديين فيها سبّب هذه المتاعب لهذا الصنف من الشباب، وبالتأكيد فإن اساليب الترفيه غير موجودة في المناطق الخاضعة لسيطرة الحركة وهو ما يجعل الشباب يعيش في اجواء من الفراغ والخوف من الآتي من دون القدرة على البوح بما يعتمل في الصدور لا سيما وان فرص العمل في هذه الفضاءات قليلة وتكاد تكون معدومة الا اذا وافق هذا الشباب او ذاك على الدخول في عملية القتال، وهو امر ينطبق ايضاً على المعارضة الافغانية في الشمال. وينظر الشباب حوله في داخل افغانستان بشقيها الطالباني، والمعارضة فلا يعثر إلا على المستقبل المجهول من دون بصيص امل في مستقبل افضل مالياً وتعليمياً، ففرص العمل معدومة في افغانستان وان كانت طالبان سعت الى اقناع الشركات الدولية في إطلاق مشروع مد انابيب الغاز من تركمانستان الى باكستان عبر افغانستان، ومنها الى الهند واليابان وهو المشروع الذي لو قيض له التنفيذ لحرك الوضع الاقتصادي والتوظيفي الافغاني لكن الحسابات الدولية لا سيما مع الحظر الاقتصادي الاميركي اولاً والأممي ثانياً أدت الى عدم منح طالبان المنبوذة اميركياً هذه التشجيعات ما لم تقم بتسليم الثري العربي اسامة بن لادن لواشنطن بتهم ضرب سفارتيها في افريقيا الوسطى وهو ما رفضه ابن لادن غير مرة... ولعل الفارق بين المعارضة والطالبان ان الاخيرة ما تزال تدير اكثر من ثلاث جامعات وهي جامعات كابول وجلال آباد ومزار الشريف، الامر الذي يوفر فرص تعليم لهذا الشباب بينما ينعدم ذلك في مناطق المعارضة الافغانية. وجاء الحظر الجوي المفروض على حركة طالبان الافغانية منذ عام تقريباً ليزيد من مصاعب الشباب الافغاني الذي قضى على احلامه في امكانية تحسين الوضع ولو ببطء وزادت طالبان من هذه المصاعب من خلال نظامها الاسلامي الذي فرضته على التعليم والشارع ومنع الراديو والصحافة ومنع الصحون اللاقطة كل ذلك آملة في أن يوفر ذلك لها فرصة في تشكيل هوية الشباب المستقبلي حسب رؤيتها الاسلامية. اما الشباب المقيم في باكستان فيمكن تصنيفه بين شباب يتحدر من عائلات غنية او ميسورة الحال قادرة على توفير التعليم لابنائها وغالباً هم من قادة المجاهدين السابقين الذين تمكنوا طوال فترة الهجرة التي امتدت لعشرين عاماً من ترتيب اوراقهم، واوضاعهم بخلاف الذين هاجروا أخيراً، او من المجاهدين والمهاجرين العاديين الذين لم يتمكنوا من الحصول على مكاسب وامتيازات خلال فترة الجهاد. هؤلاء الآخرون هم من المجاهدين الذين ضحوا وكانوا يمضون اوقاتهم في الداخل الامر الذي حرمهم من نسج علاقات مع منظمات إغاثية أو اطراف تساعدهم في الظروف الراهنة. بدائل متاحة ويعاني الشباب الأفغاني في باكستان من الفراغ القاتل كما في حالة الشباب الذين لا يجدون قوت يومهم، وهناك شباب أفغان آخرون يصرفون أوقاتهم إما في الرياضة والتدريب على أنواع مختلفة من الرياضات أو يصرفون أوقاتهم على الأنترنت في مقاهي الانترنت المتعددة. ومعروف عن الشباب الأفغاني سرعة التعلم والابداع في العمل الموكل اليهم ولذا يقول المعلمون والمدرسون في الجامعة الإسلامية العالمية في اسلام آباد ان الطلبة الأفغان أسرع الطلبة في تعلم اللغة العربية بخلاف أبناء الجنسيات الأخرى، واهتم الكثير منهم بالدورات الخاصة إما في الكومبيوتر أو اللغات الأجنبية وهو الأمر الذي يساعدهم على توفير بعض فرص العمل في بلاد الهجرة. ولكن لا شك ان غالبية الشباب الأفغاني تعاني من متاعب مالية في باكستان بسبب ارتفاع العملة الباكستانية مقارنة بعملتهم الوطنية، اضافة الى صعوبة ايجاد مقعد لهم للدراسة في الجامعات الباكستانية، ثم ان مدارسهم الخاصة في بيشاور إما أغلقت بسبب مصاعب مالية، أو ان الحكومة الباكستانية أغلقتها لسبب أو لآخر، وآخر الحجج ان هذه المؤسسات التعليمية الأفغانية أقيمت في مناطق سكنية مع العلم ان معظم المدارس الباكستانية مقامة في نفس المناطق. ولذا فإن الهم الأول والأخير للشاب الأفغاني هو الخروج من أفغانستانوباكستان الى الغرب أملاً في الحصول على فرصة عمل أو دراسة. ويصرف الشاب الأفغاني الآلاف من الدولارات من أجل الحصول على تأشيرة سفر الى دولة غربية حتى لو كلفه ذلك بيع أرض أو بيت داخل أفغانستان التي تدهورت الأسعار فيها بسبب الحرب وهروب أهلها منها. ويأمل الشاب الأفغاني وأهله حين خروجه الى الغرب ان يقوم باعالتهم خصوصاً ان مئة أو مئتي دولار بإمكانها اعالتهم ومساعدتهم في دار الهجرة.