فرضت نتائج المرحلتين الأولى والثانية من الانتخابات البرلمانية المصرية ضغوطاً جديدة على القيادة السياسية لمعالجة تدهور الأوضاع في الحزب الوطني الحاكم وتدني شعبيته مقابل اتساع لمساحة القبول الجماهيري لجماعة "الإخوان المسلمين" المحظورة التي بدت وكأنها الرابح الأول في الانتخابات. ووجه الناخبون المصريون رسالة قوية عبر صناديق الاقتراع الى النظام الحاكم والأحزاب السياسية الشرعية عكست غضبهم واستياءهم من أداء البرلمان السابق الذي كان العامة يطلقون عليه لقب "سيد قراره"، ورفضهم تكرار حالات الفساد بين النواب، واستياءهم من غياب خطاب سياسي ودور رقابي بشكل فعال. وعبرت نتائج المرحلتين عن رغبة شعبية عارمة لإصلاح الحزب الوطني كمدخل لإصلاح سياسي شامل. ورغم أن الناخب المصري أظهر حرصاً على الاستقرار في البلاد ببقاء "الوطني" حاكماً لكنه في الوقت نفسه اسقط عدداً غير قليل من رموز الحزب وقادته وصعد برموز الصف الثاني من الإخوان لينال 9 منهم أعلى الأصوات في الدوائر التي تنافسوا فيها وكأنه قصد تأنيب احزاب المعارضة الليبرالية واليسارية لكونها لم تتغلغل بالقدر الكافي في المجتمع ولم تعبر عن طموحاته وأمانيه واعتمدت على شعارات ولىّ زمانها. فمن بين 14 مرشحاً للإخوان خاضوا المرحلة الثانية اكتسح تسعة منهم الانتخابات في دوائرهم لترفع الجماعة رصيدها حتى الآن إلى 15 مقعداً وصار مستحيلاً على أي حزب يمارس نشاطاً شرعياً علنياً ويتمتع بمقار يفترض أن يمارس فيها نشاطه دون ملاحقات أمنية تطال أعضاءه أن يصل إلى ذلك الرقم بعد المرحلة الثالثة والأخيرة التي ستبدأ بعد غد الأربعاء. وتجاهلت الأجهزة الرسمية الانتقادات الحادة التي وجهت إليها عند إعلان نتائج المرحلة الأولى بضم 59 مرشحاً خاضوا الانتخابات كمستقلين إلى قائمة نواب الحزب لتصبح 118 نائباً بدلاً من 59 فقط من مرشحي الحزب الرسميين حققوا الفوز في تلك المرحلة، إذ أعلن صباح أمس أن الوطني حصل على 106 مقاعد ثم زادت في المساء إلى 111 من بين 134 تنافس عليها المرشحون في الجولة الثانية. وذلك بخلاف النتائج الفعلية التي أسفرت عن حصول الحزب على 42 مقعداً فقط. ودغع ذلك التصرف كتاباً محسوبين على الحكومة إلى المطالبة بعلاج الأوضاع داخل الحزب قبل فوات الأوان بعدما اعتبروا أن ضم المنشقين عن الحزب إليه بعد فوزهم "يعكس رغبة في تحسين الصورة دون الاهتمام بدراسة أسباب الانتكاسة". ورفعت نتائج المرحلة الثانية عدد مقاعد حزب الوفد إلى أربعة وهو كان حصل على مقعد واحد في المرحلة الأولى وتحول الخطاب الإعلامي للحزب إلى التركيز على أنه كان سبباً في ضرب العمود الفقري "للوطني" بعد ما كان يركز قبل الانتخابات على ثقة الحزب في الحصول على مئة مقعد. وحصل حزب التجمع اليساري على مقعد جديد ليتساوى مع الوفد في حصة كليهما في البرلمان. وتلقى الحزب الناصري صدمة عنيفة بسقوط أمينه العام السيد ضياء الدين داوود بفارق 190 صوتاً عن منافسه المستقل وفشله في استرداد المقعد الذي فقده في الانتخابات السابقة العام 1995، وحفظ الحزب ماء وجهه بفوز عضو المكتب السياسي السيد عبدالعظيم المغربي بمقعد يبدو أنه سيكون الوحيد له في البرلمان المقبل، في حين كان نصيب الناصريين المستقلين عن الحزب أفضل حالاً إذ ارتفع عدد مقاعد هؤلاء إلى ثلاثة بعد فوز القطب المعروف حمدين صباحي في المرحلة الثانية.