رسمت النتائج النهائية للانتخابات البرلمانية المصرية خارطة جديدة للقوى السياسية داخل مجلس الشعب اتسعت فيها رقعة المعارضة، في مقابل احتفاظ الحزب الوطني الحاكم بغالبية كاسحة. وأدت النتائج الى توقع حصول صدامات بين المعارضة والحزب الحاكم في البرلمان الذي تمكن من دخول قبته 17 من رموز جماعة "الإخوان المسلمين" المحظورة واثنان من الإسلاميين المستقلين، اضافة الى 16 معارضاً حزبياً وخمسة ناصريين مستقلين. اعلنت وزارة الداخلية المصرية امس النتائج الرسمية للانتخابات البرلمانية التي جرت على ثلاث مراحل. وحصل الحزب الوطني الحاكم على 388 مقعداً من اصل 444 مخصصة للاعضاء المنتخبين، اذ يعين الرئيس حسني مبارك عشرة اعضاء. ونالت أحزاب المعارضة 16 مقعداً والمستقلون 38. ولم تعلن نتيجة في دائرة الرمل في محافظة الاسكندرية التي اوقفت بحكم قضائي بعد حصول مرشحي "الاخوان" السيدة جيهان عبداللطيف الحلفاوي والسيد المحمدي أحمد على أعلى الاصوات في جولتها الاولى. ومن المقرر أن يحدد لاحقاً موعد جديد لإجراء هذه الانتخابات. وانصرفت القوى السياسية المصرية عن المعركة الانتخابية، وبدأت الاستعداد للمرحلة الجديدة بعد الانتهاء من أطول "ماراثون" انتخابي تشهده مصر، اذ استغرقت العملية بمراحلها الثلاث وجولات الاعادة 25 يوماً. وعقد وزير الداخلية السيد حبيب العادلي مؤتمراً صحافياً وصف فيه الانتخابات بأنها "أهم الانجازات السياسية في تاريخ مصر لكونها جرت على ثلاث مراحل وفي ظل إشراف قضائي كامل"، معتبراً أن الانتخابات جرت في اطار "الحيدة والشفافية وتوافر مقومات أمن لمسارها ومن ثم نُفذت اجراءات وقائية تكفل حسم ظاهرة البلطجة بالتصدي الفعال لها ومواجهة محاولة البعض تجاوز حجمهم وعزلتهم المؤكدة والتسلل إلى المسار الديموقراطي بأساليب تمثل انتهاكاً سافراً للشرعية". لكن النتائج الفعلية وفقاً للقوائم الرسمية لمرشحي الوطني أوضحت أرقاماً مخالفة عن تلك التي أعلنت. فالحزب الذي قدم 444 مرشحاً نجح منهم 178 فقط، وهو أكبر معدل فشل يحققه الحزب منذ تأسيسه قبل اثنين وعشرين عاماً. وكانت نتائج المرحلة الثالثة والأخيرة التي جرت على 160 مقعداً وانتهت مساء أول من أمس أظهرت فوز المستقلين بسبعة وسبعين مقعداً بينهم مقعدان ل"الإخوان" وحصول الحزب الوطني على ستة وسبعين مقعداً في مقابل ثلاثة مقاعد لحزب الوفد واثنان لحزب التجمع ومقعد لكل من حزبي الناصري والأحرار. وشهدت نتائج تلك المرحلة متغيرات مهمة من أبرزها معادلة الحزب الحاكم لنتائجه السابقة إذ استطاع هذه المرة تحقيق أفضل معدلات فوز لمرشحيه وحافظ على أبرز رموزه من الوزراء والمسؤولين، وإن لم يمنع ذلك سقوط رموز أخرى برلمانية أو حزبية مثل استمراراً لنزيف كوادره وقياداته التقليدية. وعلى رغم شكاوى مرشحي المعارضة من تدخلات أمنية وإدارية استهدفت منع ناخبيهم من الوصول إلى لجان الاقتراع في مقابل تسهيلات حصل عليها مرشحو "الوطني"، إلا أن نتائج المرحلة الثالثة لم تخل من حصة ملائمة لمرشحي أحزاب المعارضة بلغت سبعة مقاعد ليرتفع تمثيل المعارضة الحزبية في البرلمان إلى ستة عشر مقعداً اضافة إلى خمسة مقاعد نالها مستقلون ينتمون إلى التيار الناصري. وحصل "الإخوان" على مقعدين اضافيين في الجولة الأخيرة في دائرة التبين ليرتفع تمثيل الجماعة البرلماني إلى 17 نائبا. وتصدر حزب الوفد الليبرالي زعامة أحزاب المعارضة في البرلمان بعد فوزه بسبعة مقاعد. وتلاه التجمع اليساري بحصوله على ستة مقاعد بزيادة مقعد عن البرلمان السابق. وحصلت الحركة الناصرية على سبعة مقاعد منها مقعدان للحزب وأربعة لمستقلين. وأبرزت دلالات النتائج استمرار سيطرة "الوطني" على القرار في البرلمان لكنه سيواجه كتلتين معارضتين مؤثرتين اسلامية ويسارية - ناصرية، في حين جاءت الكتلة الليبرالية الممثلة بحزب الوفد في مرتبة ثالثة بحصوله على سبعة مقاعد، لكن قضية الاصلاح السياسي ستجمع بين كل المعارضين لسياسات "الوطني" وتوجهاته. ونال الأقباط للمرة الأولى منذ خمسين عاماً ثلاثة مقاعد بالانتخاب حصل عليها وزير الاقتصاد الدكتور يوسف بطرس غالي، ومرشح حزب الوفد منير فخري عبدالنور، والمستقل رجل الأعمال رامي لكح، إلا أن هذه النسبة جاءت متواضعة مقارنة بأعداد المرشحين من الأقباط والتي وصلت إلى 75 مرشحاً. وفي المقابل حققت المرأة زيادة طفيفة للغاية في تمثيلها حيث احتلت سبع سيدات مقاعد في البرلمان بزيادة مقعدين على البرلمان السابق، ومنهن أربع سيدات من الحزب الحاكم وثلاث مستقلات، وهي نتيجة أكثر تواضعاً مما كان متوقعاً إذ بلغ عدد المرشحات 199 سيدة منهن 23 عن الأحزاب والباقي مستقلات. وعلى رغم ارتفاع عدد القتلى في الانتخابات إلى تسعة واصابة اكثر من مئة إلا أن هذه الحصيلة تمثل اقل بكثير من ضحايا العنف الذي شهدته الانتخابات السابقة. ردود المعارضة وإذا كان الإشراف القضائي على مراكز الاقتراع فرض نزاهة كاملة في عملية التصويت والفرز وإعلان النتائج، إلا أن ذلك لم يمنع انتقادات حادة وجهتها المعارضة إلى المراحل السابقة على الاقتراع وطالبت بإخضاعها ايضاً إلى لجنة قضائية مستقلة بدل جهات الادارة. وأبدى القطب البارز في جماعة "الإخوان المسلمين" النائب السابق الدكتور عصام العريان أسفه للأحداث التي جرت على هامش الانتخابات وأفرزت قتلى وجرحى، وطالب الحزب الوطني بالعمل على اصلاح نفسه كمدخل لإصلاح سياسي شامل في مصر. واعتبر أن "الاخوان" حققوا نجاحاً في ظل الظروف التي خاضوا فيها الانتخابات، وأكد أن نواب الجماعة سيكون لهم أداء مميز في البرلمان، معتبراً أن "القبول الشعبي للإخوان أعطى دلالات على الحكومة أن تقرأها من دون موقف مسبق". واعتبر الامين العام لحزب التجمع الدكتور رفعت السعيد أن "كل حزب حصل على ما يستحقه من أنصبة وفقاً للظروف المحيطة"، مشيراً إلى أن "المعارضة كانت تستطيع تحقيق نتائج أفضل بكثير لولا القيود المفروضة على نشاطها". أما الامين العام المساعد للحزب الناصري السيد حامد محمود فقال إن "القيود العديدة المفروضة على حق المعارضة في ممارسة نشاطها الجماهيري والخدمي تسببت في تراجع النفوذ الانتخابي لكوادرها".