مرّة أخرى تبخرت الآمال التي عقدها متابعون للشأن المصري في حدوث تغيير، ولو طفيف، في موازين القوى خلال انتخابات التجديد النصفي لمجلس الشورى (الغرفة الثانية في البرلمان) والتي أجريت أول من أمس وسط غياب للناخبين وغياب مماثل للتنافس ولكن في ظل أجواء مشحونة بين الحزب الوطني الحاكم وجماعة «الإخوان المسلمين». وقبل ساعات من إعلان النتائج النهائية لانتخابات الشورى التي تنافس فيها 439 مرشحاً غالبيتهم من المستقلين على 74 مقعداً، بات من المؤكد أن الحزب الوطني «حجز غالبية مطمئنة» تاركاً لأحزاب المعارضة «الفتات». وخرجت جماعة «الإخوان» التي نافست على 15 مقعداً «صفر اليدين»، وهو ما يعطي انطباعاً بأن الحزب الحاكم سيواصل سيطرته على مقاليد الأمور في البرلمان المصري بغرفتيه خلال السنوات الخمس المقبلة. وكان بعض المراقبين يعتبر انتخابات الشورى «بروفة» لما يمكن أن يحدث في انتخابات مجلس الشعب نهاية العام، لكن على ما يبدو فإن السياسة العامة للدولة تجاه جماعة «الإخوان» تتجه نحو مزيد من الإقصاء السياسي لها. ويعقد رئيس اللجنة القضائية العليا المشرف على انتخابات الشورى المستشار انتصار نسيم مؤتمراً صحافياً ظهر اليوم (الخميس) يعلن خلاله نتائج عمليات فرز أصوات الناخبين في الانتخابات التي أجريت أول من أمس وسط منافسة على 74 مقعداً بين 439 مرشحاً من بينهم 115 مرشحاً يمثلون 13 حزباً سياسياً، إلى جانب المرشحين المستقلين. كما سيعلن القاضي نسيم أسماء الفائزين في الانتخابات وكذلك أسماء الذين سيخوضون انتخابات الإعادة المقرر أن تجري الثلثاء المقبل وأعداد الأصوات الصحيحة التي حصل عليها كل منهم، وكذلك إعلان الإحصاءات والبيانات كافة المتعلقة بالعملية الانتخابية. وتؤكد المؤشرات الأولية لنتائج الفرز أن الحزب الوطني انتزع فعلياً نحو 50 مقعداً، فيما تمكنت أحزاب المعارضة من الفوز ب 4 مقاعد. وتشير التوقعات إلى حدوث جولة إعادة على نحو 20 مقعداً. وقالت مصادر مطلعة على نتائج الفرز ل «الحياة» إن موسى مصطفى موسى وهو أحد المتنازعين على رئاسة حزب الغد المعارض حسم مقعد الفئات في إحدى دوائر محافظة الجيزة، كما استطاع مرشح حزب التجمع صلاح مصباح الفوز بمقعد في محافظة دمياط (أعالي النيل)، وفاز أمين تنظيم الحزب العربي الناصري محسن عطية بمقعد العمال في دائرة الازبكية (وسط القاهرة). وعن حزب الجيل فاز أحمد صالح العجوز بمقعد العمال في دائرة الجمالية (وسط القاهرة). وأشارت إلى أن الوطني تمكن من انتزاع ما يقارب من 50 مقعداً أحدها يعود لنقيب المحامين حمدي خليفة. وكشفت مصادر مطلعة ل «الحياة» أن الوطني يتجه إلى الدفع بخليفة كوكيل لمجلس الشورى خلفاً للنائب الراحل ثروت أباظة. وتابعت أن مرشحة الوطني في كفر الشيخ هدى الطبلاوي حسمت الفوز بالمقعد (على رغم استبعادها من قبل القضاء لصدور أحكام قضائية في حقها تم استئنافها). كما حسم أمين الشباب في الوطني محمد هيبة مقعد ضاحية مصر الجديدة (شرق القاهرة) وعضو الهيئة العليا في الحزب الحاكم الدكتور محمد عبد اللاه في الاسكندرية ووزير الأوقاف محمود حمدي زقزوق في حلوان. وبحسب منظمات حقوقية اضطلعت بالإشراف على الانتخابات فإن نسبة عدد المقترعين لم تتعدَ 5 في المئة من إجمالي عدد من لهم الحق في التصويت. ولاحظ عدد من المراقبين تحدثت إليهم «الحياة» خلو عدد كبير من صناديق الاقتراع من البطاقات الانتخابية في دوائر عدة. وكانت مرحلة فرز الأصوات شهدت مسيرات ووقفات احتجاجية أمام مقرات لجان الفرز احتجاجاً على ما وصفته المعارضة ب «التزوير»، فيما أكدت جماعة «الإخوان» أنها بصدد اللجوء إلى القضاء للمدافعة عن حقوقها التي سلبها الحزب الوطني ب «طرق غير مشروعة». وأكد محامي «الإخوان» عبدالمنعم عبدالمقصود أن جماعته «تستعد للطعن في نتائج تلك الانتخابات... ننتظر انتهاء عملية الفرز وإعلان النتائج النهائية». لكن عبدالمقصود أبدى في الوقت ذاته «تشككه في تنفيذ تلك الأحكام في حال صدورها لمصلحة الإخوان»، وقال ل «الحياة»: «لدينا حكم قضائي باستبعاد مرشحة الحزب الوطني في كفر الشيخ لكنه لم ينفذ، كما لدينا مئات الأحكام القضائية التي تطعن في شرعية انتخابات أجريت في البلاد في أوقات سابقة لكن كل تلك الأحكام القضائية تذهب أدارج الريح». واعتبر عضو مكتب إرشاد «الإخوان» الدكتور عصام العريان أن ما حدث من انتهاكات في انتخابات الشورى «يؤكد أن النظام لا يرغب في الإصلاح»، مؤكداً ل «الحياة» أن نتائج تلك الانتخابات تحمل «مؤشرات على أن لا أمل في حصول تغيير خلال العقود المقبلة». وعلى رغم تمكنه من حصد مقعد وحيد، إلا أن حزب التجمع اليساري المعارض اتفق مع جماعة «الإخوان» على وصف نتائج الانتخابات ب «المزورة». وأكد الأمين العام للحزب سيد عبدالعال حدوث تجاوزات ومنع الناخبين من الوصول إلى لجان الاقتراع إضافة إلى عمليات تسويد البطاقات جرت في عدد كبير من الدوائر التي قام بها أفراد الشرطة الذين تخفّوا في زي مدني. وأصدر حزب الوفد تحت زعامة رئيسه الجديد الدكتور السيد البدوي بياناً شديد اللهجة هاجم فيه المسؤولين في النظام السياسي المصري عقب فشل جميع مرشحي الوفد في الفوز بأي مقعد في مجلس الشورى، معتبراً أن ما حدث هو «تجاوزات في الانتخابات وليس انتخابات حدث فيها تجاوزات». وتظاهر المئات من أعضاء جماعة «الإخوان» في مدينة المنصورة (دلتا النيل) احتجاجاً على ما اعتبروه «تزويراً في إرادة الناخبين» الأمر الذي أدى إلى خسارة مرشح الجماعة. كما تظاهر عدد من أنصار مرشح «الإخوان» في الجيزة مصطفى عزب أمام لجان الفرز بعدما نما إلى علمهم فوز منافسه موسى مصطفى موسى.