سيظل الرئيس بيل كلينتون يحاول ايصال الفلسطينيين والاسرائيليين الى اتفاق حتى اليوم الأخير من ولايته. وهناك مصالح شخصية للرئيس، مثل ترشيح زوجته لمقعد في مجلس الشيوخ عن نيويورك ورغبته ان يخلفه في الرئاسة نائبه آل غور، وهذه قد تحد من حريته في لعب دور الوسيط الشريف أو المحايد، الا انه يبقى اكثر حياداً وشرفاً من حكومته كلها، وبالتأكيد أفضل من وزيرة الخارجية مادلين أولبرايت وحاخامات الوزارة من أنصار اسرائيل. الوزيرة هذه رأت الفلسطينيين يقتلون، فدانت الضحية وانتصرت للقاتل. وتبقى للرئيس كلينتون مصلحة ايجابية في طلب حل في الشرق الأوسط، فالحل وحده يستطيع ان يتصدر إرثه الرئاسي وينسي الناس فضيحة مونيكا لوينسكي، لذلك فقد كانت دعوته الرئيس عرفات ورئيس الوزراء ايهود باراك الى واشنطن لإجراء محادثات جديدة هذا الاسبوع، جزءاً من جهد لم ينقطع لردم هوة الخلافات التي تمنع الوصول الى اتفاق نهائي بين الفلسطينيين والاسرائيليين، يعتبر نصراً للرئيس الاميركي قبل قادة المنطقة. أبو عمار وباراك لهما ايضاً اسبابهما الخاصة لطلب حل سياسي بعد المواجهة الحامية بين الفلسطينيين وقوات الاحتلال، فهما كانا يعلمان اصلاً ان المواجهة لن تحسم في الشارع، وانما يجب ان تنتهي على مائدة المفاوضات. الرئيس الفلسطيني لا يزال يسيطر على اكثر الوضع، ولكن ليس عليه كله، وقد استجاب فلسطينيون كثيرون لطلبات خفض المواجهة، الا ان آخرين أعلنوا صراحة أنهم سيستمرون في تحدي الاحتلال. وأصبح السؤال في الأيام الأخيرة هل السلطة تقود الانتفاضة، أو ان الانتفاضة تقود السلطة. باراك في المقابل حاول ان يفرض الحل على الفلسطينيين بالقوة العسكرية، بعد ان عجز عن انتزاعه منهم بالتفاوض، الا ان الاسابيع الخمسة الأخيرة لا بد اقنعته بأنه ركب مركباً خطراً، فالعنف يغذي العنف المضاد، وهناك خطر عمليات انتحارية من النوع الذي أسقط حكومة شيمون بيريز سنة 1996. وبما ان باراك حصل على هدنة من الكنيست، بفضل موقف شاس، ستستمر شهراً، فهو يريد ان يصل الى حل مع الفلسطينيين يخوض على اساسه الانتخابات القادمة. وفي حين ان زعيم المعارضة اريل شارون سيستمر في المعارضة، فإن الوضع القائم يفيده، لأنه وباراك يواجهان عدواً مشتركاً هو بنيامين نتانياهو، وشارون لا يريد ان يطيحه نتانياهو من زعامة ليكود قبل الانتخابات. معلوماتي، وهي من المصادر المعنية مباشرة، ان الاسبوعين القادمين سيشهدان حركة سياسية نشطة، وسيعمل أبو عمار مع الرئيس حسني مبارك كفريق واحد امام اسرائيل، بمشاركة الولاياتالمتحدة وأوروبا، ووراءهما دعم القمة العربية التي أيدت السلام، ولكن ليس بأي ثمن، والدول الاسلامية وغيرها. ولن تكون هناك عودة الى الوضع الذي كان قائماً حتى 28 ايلول سبتمبر وأدى الى الانفجار، فالانتفاضة اقنعت الاميركيين والاسرائيليين بأن "الخيار الآخر" الفلسطيني موجود، وليس مجرد "تهويش" كما اعتقد الاسرائيليون يوماً واقنعوا الاميركيين برأيهم. اليوم أصبح الاسرائيليون مقتنعين بأن الفلسطينيين قد يدفعون نحو تفجير الوضع على رؤوسهم ورؤوس اعدائهم والمنطقة كلها. وفي حين ان اسرائيل أقوى، فهم قادرون على تحمل الخسارة أكثر منها، وليس عندهم كثير يخسرونه اصلاً. معلوماتي ايضاً هي ان الانتفاضة ستستمر بالحجارة، ولكن من دون أسلحة ما أمكن ذلك، أي انها ستكتسب طابعاً مدنياً يحرم اسرائيل أي ذريعة للقيام برد عنيف مبرر في عيون الرأي العام العالمي. وعندما يجلس أبو عمار مع الرئيس كلينتون هذا الاسبوع، فهو لن يحتاج ان يعرض عليه أي موقف فلسطيني، لأن الانتفاضة حسمت الخطوط الحمر الفلسطينية، من نوع القدس والحدود، لذلك فهو يريد ان يستمع الى الرئيس الاميركي، ليرى اذا كانت عنده أفكار جديدة، فالأفكار القديمة ثبت فشلها، أو تقصيرها، وهي التي تسببت في الانفجار قرب نهاية ايلول. والرئيس كلينتون سيظل يحاول حتى 19 كانون الثاني يناير القادم، فسواء انتخب جورج بوش، أو آل غور رئيساً الثلثاء، فإن الرئيس المنتخب هذا لن يريد ان يتعامل مع موضوع شائك معقد خطر من أول يوم له في البيت الأبيض، وانما سيدعم جهود الرئيس كلينتون في اسابيعه الأخيرة في الحكم، أملاً بأن يتوصل الى حل ينقذ الرئيس الاميركي الجديد من "معمودية النار" مع بدء ولايته.