الفلسطينيون، ومعهم المصريون، والاسرائيليون، ومعهم الاميركيون، متفقون على أمر واحد هو ضرورة وقف اعمال العنف، لاستئناف المفاوضات، ما يترك باباً مفتوحاً، او نافذة للعمل من جديد من أجل حلّ سياسي، يجمع العالم كله هذه المرّة مع الفرقاء المعنيين ان لا حلّ ممكناً غيره، بما في ذلك طرد الاسرائيليين بالقوة يا ليت. معلوماتي الفلسطينية والمصرية هي من المصادر الأمنية الفلسطينية في غزة ورام الله، ومن المسؤولين المصريين المعنيين بالقضية. وهكذا: أبو عمار له موقف معروف فهو يحمّل اسرائيل المسؤولية كاملة عن أعمال العنف، ويشترط أن توقف اسرائيل حربها على الفلسطينيين قبل بدء مفاوضات جديدة. أما على ارض المعركة فقد سمعت: - اذا اغتالوا واحداً منا فلن نُخبّئ رؤوسنا هذا قبل اسبوع. رصاصة واحدة قرب قبر راحيل تكفي رداً، وسنردّ. هل رأيت كيف اننا نستطيع الرد بعد ان غيّروا هم قواعد اللعبة؟ هذا كان بعد قتل الاسرائيليين الاربعة. لا إمكانية للتراجع على الارض، ولكن ندرك ان المخرج الوحيد هو في اتفاق سياسي له علاقة بمرجعية السلام وقرارات الشرعية الدولية، ولكن تحت سقف زمني… أسابيع فلن نفاوض سنة. المواجهة اصبحت نمط حياة يومي، وقد تتحول الى حرب استنزاف. الانتفاضة فرضت وضعاً جديداً، وكنا قبلنا 92 في المئة من الارض في كامب ديفيد، واختلفنا على الحرم… على القدس. اليوم لن نقبل أقل من 95 في المئة من الارض، ونبادل الخمسة في المئة الباقية بأراض قرب قطاع غزة. الشارع معبّأ مع استمرار المواجهة مئة في المئة. أنا من هذا الشارع، ومع ذلك انتقدوني في اجتماع لناشطي "فتح". الشارع مشحون ويجري وراء عواطفه وربنا يستر. نحاول ان نحافظ على مستوى العنف الحالي، وعملية كبيرة في تل ابيب او القدس تضرّنا. ولكن عندما قلت هذا في الاجتماع ثاروا عليّ، يجب قبل الذهاب الى اي اجتماع جديد ان تكون هناك صفقة جاهزة تعالج موضوع السيادة على الحرم والقدس كلها. هذا من المسؤولين الفلسطينيين في اراضيهم، اما على الجانب المصري فقد كان اوضح موقف هو قول الرئيس مبارك ان الاسرائيليين لن يحصلوا على السيادة على الحرم الشريف ولو بعد مئة سنة، وان هذه القضية ليست مسؤولية الفلسطينيين وحدهم، وابو عمار لا يستطيع وحده اتخاذ قرار بشأنها. مصر تصرّ على تنفيذ اتفاق شرم الشيخ كخطوة لا بد منها قبل استئناف المفاوضات، وهذا يعني في المفهوم المصري وقف العمليات الاسرائيلية ضد الفلسطينيين وانسحاب القوات الاسرائيلية الى المواقع التي كانت تحتلها في 28 ايلول سبتمبر. الرئيس مبارك قال انه يمكن اعطاء الاسرائيليين حائط المبكى والحي اليهودي، وكبار المسؤولين المصريين يقولون بعد ذلك انه لم يعد ممكناً التنازل في القضايا الاساسية مثل الحرم واجزاء في القدس، الى الحدود وعودة اللاجئين. وقد كان التنازل ممكناً على الطريق، ولكن المفاوضات الآن اصبحت تتناول الجوهر، وهذا لا يرتبط بمصير حكومة اسرائيلية. والمصريون قرروا ان العرض الذي تلقاه ابو عمار في كامب ديفيد لم يكن مناسباً، وعرضوا افكاراً جديدة على الرئيس كلينتون والاسرائيليين. بالنسبة الى الاميركيين، قرر الرئيس كلينتون انتهاج سياسة اكثر اعتدالاً، او توازناً، بين الفلسطينيين والاسرائيليين حتى نهاية ولايته. وهو لا يزال يأمل في اجتماع قمة ثلاثي، ربما قرب نهاية هذا الشهر او مطلع الشهر القادم. وللاعتدال الاميركي الجديد اسباب عدة، فعندما حمّل الرئيس كلينتون الجانب الفلسطيني المسؤولية عن فشل قمة كامب ديفيد، انفجرت اعمال العنف ولا تزال. ثم ان الرئيس كلينتون اصبح يخشى بعد القمتين العربية والاسلامية من ان تتضرر مصالح استراتيجية للولايات المتحدة في المنطقة اذا استمر الانحياز الواضح لاسرائيل. وربما زدنا سبباً آخر هو خيبة أمل الرئيس الاميركي برئيس الوزراء ايهود باراك، فعندما اصبح هذا رئيساً للوزراء قبل 16 شهراً وجاء الى اميركا استقبل على اعتبار انه خليفة رابين والرجل الذي سيصنع السلام. وقد سقطت أسهمه منذ ذلك الحين، واصبح لا يستطيع "صنع الهدوء" حتى بمساعدة الاميركيين، ولا بد ان سياسته هي المسؤولة. قرأت في الصحف الاسرائيلية ان باراك يريد استئناف المفاوضات الا انه لا يملك اية افكار، ويريد وقف العنف، الا انه لا يعرف كيف. ويبدو ان هذا رأي كلينتون ايضاً، فقد طالبه باراك بأن "يهديه" ادانة علنية للموقف الفلسطيني، مع تحميل الرئيس عرفات المسؤولية عن اعمال العنف، الا ان الرئيس الاميركي رفض ذلك، وهو يرى امامه رجلاً يقول علناً ان اجتماعه مع الرئيس الاميركي اساسي جداً لعملية السلام، ويأتي مع وفد كبير جداً لاجتماع قصير جداً، ثم لا يطرح اية افكار. كذلك لم "يهد" كلينتون باراك 800 مليون دولار يتوقعها الاسرائيليون مقابل الانسحاب من لبنان ووقف صفقة عسكرية مع الصين. ولعل مشكلة باراك ان الهدنة التى حصل عليها من الكنيست بفضل شاس كانت مشروطة، فزعيم شاس ايلي يشاي أعطى باراك شهراً شرط ألا يستأنف المفاوضات مع الفلسطينيين على أساس كامب ديفيد، غير ان "هذه هي اللعبة الوحيدة في المدينة" كما تقول العبارة الاميركية. وقد انقضى اكثر من اسبوع على هدنة الكنيست، ولا يزال باراك يتخبّط، ويمارس السياسة الوحيدة التي يعرفها، وهي اعلان الحرب على المدنيين الفلسطينيين. قال لي مسؤول أمني فلسطيني بارز على الهاتف: نعرف انه لا بديل من تسوية سياسية، ولن يربح أي طرف معركة عسكرية ويفرض رأيه، إلا انه اذا كان الوصول الى التسوية عن طريق التفاوض يمر بحرب استنزاف، فنحن أقدر على تحمّلها منهم لأنه ليس عندنا ما يُستنزف.