تابع المجلس النيابي اللبناني جلساته مساء أمس لمناقشة البيان الوزاري للحكومة الجديدة، على ان يفرغ منها مساء اليوم، ويمنحها الثقة. واذا كان النائب البير مخيبر نجم اليوم الأول أول من أمس، بدعوته الى انسحاب الجيش السوري من لبنان وتبادل السفراء بين بيروت ودمشق، والردود التي ووجه بها، خصوصاً من رئيس الحكومة رفيق الحريري الذي اعتبر ان "لولا سورية لما كان استقرار في لبنان"... فإن النائب وليد جنبلاط كان نجم اليوم الثاني. فالى حملة شنها على بعض الوزراء وعلى الأجهزة والاشباح، من دون ان يوفر "الذين يجترون ما تبقى من خطاب القسم الرئاسي"، تناول مسألة العلاقة اللبنانية - السورية، فأعلن "تفهمه" لبقاء القوات السورية في مواقع استراتيجية في لبنان في اطار الصراع العربي - الاسرائيلي، لكنه دعا الى تطبيق اتفاق الطائف الذي ينص على اعادة انتشار الجيش السوري الى البقاع، والى وقف التدخل في الشؤون الداخلية، واعادة النظر في الاتفاقات الموقعة بين البلدين. واعتبر في قول البيان الوزاري ان الوجود السوري شرعي وموقت "غموضاً وابهاماً". وقال جنبلاط: "هذه بعض الملاحظات على البيان الوزاري، باسمي وباسم اللقاء الديموقراطي 15 نائباً، آملاً ان تستجيب وتنسجم والارادة الشعبية التي أوصلتنا الى هذه الندوة، والتي أوصلت قسماً من هذه الحكومة ورئيسها، كون القسم الآخر من الثوابت الوطنية والقومية والفنية والاصحاب، وبعض الكفايات القليلة". وعن الحوار وحرية الرأي والمصالحات، قال "ان رأي الحكومة في هذا المجال خجول ومتردد وواعظ، وغامض، يقتصر على مبادرات حوارية ضمن المؤسسات الدستورية، لكي تأتي الحلول لسائر القضايا المثارة حصيلة للتوافق الوطني ، على ما ورد في البيان. فحرية الرأي مقدسة وفوق الاطر الرسمية والدساثير والتقاليد والتوازنات، ولا يجوز قوننتها أو اعتقالها أو تعليبها باسم الوفاق الوطني أو الوحدة الوطنية الحقيقية، والتعبير أيضاً للبيان. أما المصالحات فتبقى ثانوية في جو الاعتقالات العشوائي، وفي جو التبريرات المبهمة التي وردت على لسان المدعي العام التمييزي عدنان عضوم". وعن القضاء، قال "انه عاش مرحلة استثنائية من العبث أيام غرفة الأوضاع في القصر الجمهوري لذا وجب إلغاء تلك الغرفة نهائياً واتخاذ الاجراءات المسلكية في حق الضباط الذين عاثوا فساداً في القضاء وغيره واتخاذ الاجراءات التأديبية اللازمة في حق القضاة الذين انصاعوا، وأفقدوا القضاء صدقيته وحرمته. أما اشارة البيان الى امكان تقديم مشروع لتحديد الحالات التي يمكن فيها القاضي ان يلجأ الى التوقيف الاحتياطي، فهذا يعني ادخال نوع من انواع الاحكام العرفية في البلاد وهو مساس بالحريات واعتداء على الديموقراطية". وعن الجامعة اللبنانية: قال "لا شك في ان ترقية العميد السابق للجامعة رئيسها اسعد دياب الى رتبة وزير انجاز كبير لمكافأته على خدماته الجلى فيها. نتمنى فقط ان يعين عميد أصيل بعيداً من وصاية الأجهزة وتلازم المسارات لانقاذ الجامعة من الاحتضار. ومن المستحسن عودة الجامعة الى التعليم العالي وقد وفقتم بالوزير المسؤول، ومن الأفضل أن تكون الجامعة في أيدٍ مضمونة أكاديمية بعيداً من التزمت والمذهبية". وعن النفقات العسكرية والأمنية، قال "آن الأوان لدراسة موضوعية لنفقات المؤسسة العسكرية والمؤسسات الأمنية الأخرى لجهة ترشيدها. واذا كان الجيش ليبقى بألويته الجرارة في وظيفة الأمن الداخلي، وهذا خيار مكلف طبعاً، اذا فلتلغَ وزارة الداخلية وسائر المرافق كشرطة السير والشرطة القضائية الخ... واذا كان الجيش ليعود الى الثكن بعد تحرير الاملاك الخاصة، فلتحل الأمن الداخلي محله بعد اعادة تعزيزه وتفعيله واستئصال الفساد منه، ويبقى الجيش قوة مرنة للاحتياط عند الضرورة القصوى بأمرة السلطة السياسية. وعند توافر الظروف لذهابه الى الجنوب، فلا أعتقد اننا في حاجة الى هذه الاعداد الكبيرة، كون المهمة ستكون مهمة أمن داخلي". وأضاف: "سألت سابقاً: أي جيش نريد؟ ولأي مهمة؟ وها أنا أكرر هذا الشعار علّ هذه المرة من مجيب. أما الأجهزة الاشباح فقد عاثت فساداً ولا تزال، وتجربة الانتخابات خير دليل، وها هي تعتقل من دون حسيب ورقيب وتصدر بيانات، الأمر الذي يذكرنا بالبيانات أو المصادر المسؤولة وغير المسؤولة التي كانت سمةً من سمات هذا العهد. أخيراً أطالب بإلغاء الخدمة العسكرية التي تأسر الآلاف من الشبان في ظل هذا الوضع الاقتصادي المأسوي". وعن الزراعة، طالب "بشراء المحاصيل الزراعية وبدعم الشمندر السكري والتبغ، الى ان يقف التهريب، وتؤمن الصادرات"... وكذلك "بعودة الزراعات الممنوعة الى منطقة بعلبك الهرمل، في انتظار البدائل من قطن أو صويا، أو زعفران أو زلّوع، فالفقر والجوع لم يعودا يطاقان". ودعا "الى تغريم المنشآت البحرية الخاصة والعامة، المدنية منها والعسكرية، ومنع مشاريع التوسع ووقف الاعتداء. أما مبدأ التسوية فهو مخالف للقانون، وهو جريمة بيئية واقتصادية". وفي الوضع الاقتصادي، دعا "الى انشاء مؤسسة ضمان القروض المتوسطة والصغيرة، لتطاول أكبر شريحة ممكنة من الناس"، على غرار ما فعل محمود يونس في بنغلادش. وغمز من قناة الخصخصة. وتابع "اما وقد أصبحت وزارة الداخلية وقفاً عائلياً وقبل ان تصبح البلديات وقفاً خاصاً، من المستحسن والضروري فصل وزارة البلديات عن الداخلية، والشروع في قانون لامركزي واسع تفادياً للهيمنة أو المصادرة أو الاستملاك". وعن المقاومة و"السلام العادل والشامل والدائم والاستراتيجي"، قال جنبلاط: "ان انتصار المقاومة في الجنوب انتصار للعرب وللمسلمين المجاهدين، في كل مكان، والمواجهة مع اسرائيل، هي مواجهة مع الغرب، والغرب هو البوارج العسكرية والعنف وسرقة ثروات الشعوب ولغة الغرب هي لغة الأرقام الجافة، لا لغة العواطف والخيال والتمني، هي لغة الازدراء للشعوب العربية والاسلامية وحماية الانظمة الديكتاتورية فيها. وحقوق الإنسان، بحسب المفهوم الغربي، تقف عند حماية الهيكل ولا تبالي بالمسجد أو كنسية القيامة، لغة الغرب هي حماية اسرائيل القاعدة المتقدمة للغرب في قلب المنطقة العربية والاسلامية، ولغة بيع السلاح للأنظمة العربية لقمع شعوبها، ولغة الاتفاقات المنفردة، منذ كامب ديفيد الى وادي عربة مروراً بأوسلو. لغة الغرب هي توصيات شرم الشيخ، لمحاربة الارهاب أي المناضلين العرب والمسلمين، وتعطيش المنطقة العربية وافقارها وتفتيتها عند الضرورة". ورأى "ان سلاحنا القانوني هو المطالبة بتنفيذ القرارين 242و338، لأن أي زلة لسان تحت شعار السلم العادل والشامل والدائم قد تعني أوسلو وشرم الشيخ. فالتسوية المقبولة ضمن موازين القوى القائمة، هي في اقامة دولة فلسطينية مستقلة في الضفة الغربية وغزة، بعد ازالة المستوطنات وتحرير القدس والسيادة المطلقة لا المجزأة على الأرض، أي دفن أوسلو، وإذا تحقق ذلك نستطيع رفض التوطين عملياً، لا نظرياً أو غوغائياً كخطب البعض". وسأل "هل القرارات الدولية كافية؟ أبداً، لذلك وتفادياً لنكبة أو لهزيمة جديدة مثل 1948، وتفادياً لفرز سكاني على طريقة باراك وشارون، فعلى العرب مد الشعب العربي الفلسطيني بالسلاح والمال، أياً تكن النتائج، كي لا نندم لاحقاً، اذا ما هجر الفلسطينيون... وما نفع الندم؟ فلتكن التجربة اللبنانية مثالاً للزعماء العرب، بدلاً من محاولات التحنيط للانتفاضة الفلسطينية، وللجماهير العربية التي يريدها النظام المصري كعادته. لذلك حذار من التفاؤل بالسلم العادل والشامل والدائم، والاستراتيجي، كما حصل في الماضي أيام رابين، ومجرم قانا شمعون بيريز". ثم تناول جنبلاط العلاقة مع سورية، فقال: "في سياق هذه المحاولة الدقيقة والخطيرة للصراع العربي الاسرائيلي، المقبل على كل الاحتمالات سياسياً وعسكرياً، أتفهم موجبات تمركز وحدات سورية لأهداف استراتيجية دفاعاً عن الخاصرة السورية في لبنان. لكنني أتمنى على القيادة السورية إعادة النظر في بعض النقاط التي لا علاقة لها، بحسب رأيي في هذه الضرورات، وأستغرب ان البيان الوزاري لم يذكر ولو مرة واحدة اتفاق الطائف في ضرورة تطبيقه او تعديله او شرحه في الشق العسكري على الأقل اما المعاهدات التي وقعت لاحقاً فلا بد من تكافؤ وتوازن سياسي واقتصادي وزراعي تحدد فيها ايضاً قضية العمالة". وأضاف: "اني أتفهم ضرورات الأمن القومي السوري في لبنان وعدم العودة الى الماضي، ولكن لا اقبل بتدخلات جانبية أو ثانوية او فرعية لا علاقة لها بمقتضيات الأمن القومي. لذا أقترح حصر العلاقة الأمنية اللبنانية السورية بجهاز لبناني موثوق به برئاسة جهة سياسية موثوق بها تتمتع بالحد الأدنى من الصلابة والروح الديموقراطية والثقة من الجهتين. وفي هذا المجال على لبنان احترام قواعد اللجوء السياسي لأي كان بحسب الأصول ووفق الأعراف". وقال: "يحق لأي كان من اللبنانيين ان يعترض على هذا الطرح، ان يناقش، ان يرفض، ان يجتمع، ان يتظاهر، بعيداً من الملاحقات وفق الأصول في حرية التعبير داخل الأطر الدستورية، او خارج الأطر الدستورية، من جامعات أو أندية أو وسائل اعلام وغيرها من المنابر. ومن واجب الدولة احترام حرية الرأي، واحترام رأي الآخر من مواطنيها وإن كان مخالفاً لسياستها، ومن واجب الدولة تسهيل الحوار وإزالة الشكوك اذا كانت تملك القدرة على ذلك. أما الاكتفاء بعبارات البيان والقول ان الوجود السوري في لبنان ضروري وشرعي وموقت، ففيه إبهام وتناقض وتأكيد التأكيد، وخوف وغموض. اذا كان ضرورياً فلنحدد كما سبق وذكرت، وإذا كان شرعياً لماذا لم تذكروا الطائف وتطبيقه؟ وإذا كان موقتاً لماذا هذه الحملة على بيان البطريرك الماروني نصرالله صفير والمطارنة الموارنة؟ اذاً هم على حق". وختم: "ان كلام البيان ومن ورائه كلام، تلك المصائب، الثوابت، هنا وهناك هو كلام الخوف والحذر، كلام الغموض والترقب، كلام الهمس والهرب الى الامام، كلام الأنظمة العربية لا الشعوب المكبوتة الأصيلة المناضلة، كلام مدروس وموزون يرضي الجميع، ولا يرضي احداً، قابل للتأويل والاجتهاد. انه علم الكلام من اجل الكلام وهذا معروف عند العرب، الذين يأخذهم سحر الكلمة، فيضيع الواقع والمضمون وتبقى الكلمة. على أية حال سيأتي يوم تنعتق الشعوب العربية وتدخل عصر الحريات والديموقراطية والتعدد والتنوع والتفاعل، بعيداً من الاجهزة والتنصت، وبعيداً من الجيوش. انه تراث انساني عريق كبير لا بد من ان يتفجر من جديد، والى ان يتم ذلك، أتمنى للحكومة التوفيق، لقسم منها على الأقل، اما القسم الآخر فقد يستطيع اجترار خطاب القسم او ما بقي منه. علهم يستفيدون". وفي ختام كلمته، أشار الى مذكرة سلمها اليه اهالي المعتقلين اللبنانيين في السجون السورية، قائلاً "انها مذكرة عن المعتقلين او المنفيين اللبنانيين في سورية. آمل من الجهات المختصة أخذ هذا الأمر في الاعتبار، فمن حق هؤلاء ان يعرفوا مصير ابنائهم اذا كانوا موجودين في سورية". وكان اعتصم بالتزامن مع انعقاد الجلسة، نحو مئة شخص من اهالي المعتقلين اللبنانيين في السجون السورية بدعوة من لجنة دعم المعتقلين سوليد على احد المداخل المؤدية الى ساحة النجمة، على بعد نحو مئتي متر، اذ منعوا من الاقتراب من البرلمان، ولكن سمح لهم بتوزيع بيانات موقعة من لجنة الأهالي، على النواب والوزراء الذين يمرون عبر هذا الطريق فقط. وفي حين ضربت قوة أمنية مولجة حماية المجلس طوقاً لمنعهم من الاقتراب، حمل المتظاهرون نموذجاً عن صور تظهر ابناءهم خلف القضبان، وذيلت بعبارة "الى متى المعتقلون اللبنانيون في سجون سورية؟". وحمل آخرون صوراً لبعض ابنائهم المفقودين من الجنود باللباس العسكري. وقد اصيب رجل اسمه داود عون والد احد الجنود المفقودين جوزف عون وسيدة اسمها روزي بربر ولها شقيق مفقود ايضاً بحال اغماء ونقلا في سيارة اسعاف تابعة للصليب الأحمر الى المستشفى. وناشد البيان المجلس الطلب من الحكومة أخذ خطوة جريئة تتمثل بالاعتراف بوجود "مشكلتنا الانسانية التي تطاول عائلات لبنانية كثيرة لا يأتي على ذكرها البيان وهي ادراج موضوع المعتقلين اللبنانيين في السجون السورية في برنامج عملها والعمل الفوري والجدي لإنهاء هذا الوضع الانساني والقانوني".