قد نعتبر الجواب سهلاً. تعلمت الرواية من كُتاب الرواية الغربيين الذين سبقوا. لم أتعلم من التنظير للرواية. ولم يحدث ان تعلم تولستوي ولا ستندال ولا فيكتور هوغو من النظريات. كلهم تعلموا من اجتهاداتهم الخاصة. كما يجب أن لا ننسى أن الرواية وليدة الحكي" الحكي المتوارث عن الجدات والأجداد، كما في ثقافاتنا وبيئتنا، كان أول الحكي الذي سمعت من جدي ومن أمي. كان شفوياً. غير ان لكل أديب سابقة في ذلك، أو في العلاقة بقراءة القصة والسير الذاتية والأعمال الروائية. بالنسبة اليّ لم يكن الكاتب عندي إلا ميتاً أو نادر الظهور بين الناس. مكانة الكاتب تبوؤه مكانة الاحترام والرفعة. ولذلك كانت الكتابة عندي بحثاً عن امتياز اجتماعي، عن انتماء الى فئة مجتمعية لها وجاهتها، ولها سلطتها كتلك التي ما فتئ "الخبز الحافي" يجلي بعض مظاهرها. لم أكتب سيرتي انطلاقاً من أمجاد. كتبت بأرضية أعددتها بالقراءات أولاً، وبالحياة التي عشتها بصورة غير مباشرة. لم أقدم على الكتابة الا بعد الاطلاع على نماذج عديدة من السير الغربية العالمية... التي أجدني أقرب اليها من النماذج التي عرفها الأدب العربي الحديث. فعربياً لم تبدأ الرواية الا مع "زينب" حوالى 1910، ومعظم الروايات العربية لم تستطع خلق تقاليد إلا في الفترات الأخيرة... ولذلك فهي متأخرة عن الغربية كثيراً. غير ان الواقع المغربي كان دائماً أرضية انطلاقي. فلم أكن كافكاوياً يوماً. وقد تعلمت أن تكون كتابتي مشروطة بالبيئة والسياق المجتمعي المغربي... ولذلك تمثل رهاني في أن أقتل نفسي في السيرة الذاتية - الروائية لا الشخصية وحسب بل سير الآخرين. أن أتلاشى حتى يصبح الآخرون سيرتي الذاتية في الرواية. فهم سيرتي الروائية. أسعى ذهنياً الى التخلص من صوت الأنا ليصبح الآخر سيرتي، وهذا لا يعني أن السياق المجتمعي أو الثقافي أو حتى النقدي، هو الذي وجه كتابتي. لسبب بسيط لأنه لا يستطيع بما ينوء به من كوابح الممنوعات والمحرمات. الواقع لا يساعد الكتابة ولا الجرأة فيها. كتبت رواياتي سيرة مفتوحة بالقراءة وعليها. سرد تتزاوج في نصوصه الأجناس الأدبية من شعر ونثر، من حكي وقصة وأمثولة، أو حتى الشهادة والريبورتاج... لتكون الكتابة مفتوحة غير مقيدة بأن تكون حكياً محضاً. عدا روايتي "السوق الداخلي" عن مرحلة عرفت فيها مدينة طنجة توافد أعداد من الهيبيين بعاداتهم وسلوكهم المثير... التي حاولت التقيد فيها بقواعد وتقنيات الكتابة الروائية، لم يحدث ان حاولت الالتزام بخطة مغلقة في الكتابة.